منذ بداية التظاهرات الاحتجاجية في سوريا، أولت الحكومة الألمانية اهتماماً واضحاً بالأوضاع هناك من خلال مراقبة التطورات والتعليق عليها ببيانات تنتقد أساليب السلطات السورية في معالجة الأحداث، وصولاً إلى استدعاء السفير السوري لدى برلين. المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، كانت من أوائل القادة الأوروبيين الذين دعوا إلى عقوبات على سوريا. واقترحت منذ 27 نيسان الماضي على لسان المتحدث الرسمي باسم حكومتها شتيفن زايبرت، فرض عقوبات دولية على سوريا عقب «القمع الوحشي» الذي تعرض له الشعب على أيدي السلطات السورية، رغم أن برلين كانت قد وقّعت مع دمشق في شباط الماضي اتفاقية لمنع الازدواج الضريبي، سبقتها اتفاقية في عام 2008 بشأن الإقامات غير الشرعية. ومع ازدياد الوضع في سوريا تعقيداً، وصدور قرار عن الاتحاد الأوروبي بعقوبات على سوريا، تتضمن فرض حظر شامل على الأسلحة وقيود تتعلق بالسفر وحرية التصرف في الممتلكات في حق 13 شخصية ممن ثبتت مسؤوليتهم عن أعمال عنف ضد المتظاهرين السلميين، أعلن وزير الخارجية الألماني، غيدو فيسترفيله، أن «العقوبات على سوريا إشارة أوروبية لا تُخطئها العين موجهة للقيادة السورية، بأنه يجب على الفور التوقف عن الهجوم وعن استخدام العنف ضد المتظاهرين، كما يجب التوقف فوراً عن تنفيذ اعتقالات عشوائية في صفوف المعارضين». وحذّر من أن «العقوبات المقررة خطوة أولى، وإذا استمرت دمشق في استخدام القمع فسنزيد من الضغط والعقوبات».
وفي الحادي عشر من أيار الجاري، استدعت الخارجية الألمانية السفير السوري لدى برلين، لطفي رضوان، على خلفية الأحداث. ورأى فيسترفيله أنه ينبغي على الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يعطيا رداً واضحاً على العنف الذي شهدته سوريا، على الرغم من أن ألمانيا تعدّ أول شريك تجاري لسوريا ضمن الاتحاد الأوروبي، ويؤلف التبادل التجاري بينهما 31 في المئة من إجمالي التبادل التجاري مع الاتحاد. وعلى المستوى الإنساني، علّق مفوض الحكومة الألمانية لسياسة حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية، ماركوس لونينغ في 13 نيسان الماضي على ما يجري في المدن السورية قائلاً «في الأيام الأخيرة قُتل ما يزيد على 100 متظاهر على أيدي قوات الأمن السورية. إنني أدين هذا التصرف الوحشي ضد من يدافع عن الديموقراطية ودولة القانون أشد الإدانة، ويجب أن تقديم المسؤولين عنه إلى المحاكمة».
من جهة ثانية، يسلط المحلل السياسي الألماني شتيفان بوخن الضوء على علاقة ما يجري في سوريا بالقضية الفلسطينية، ويتساءل في حديث الى موقع «دويتشه فيله» «كيف يمكن زعيم حركة حماس خالد مشعل، هذا الذي يمثل الثورة بنفسه وينادي بالمقاومة على الظلم، أن يبقى في أحضان مثل هذا النظام (السوري)؟». ويرى أن «النظام السوري يستخدم بالفعل الورقة الفلسطينية لصرف الأنظار بعيداً عن أزمته الداخلية. وهذا الأسلوب ليس جديداً، فمنذ خمسة عقود طالما حاولت الأنظمة العربية لفت الأنظار عن أزماتها الداخلية إلى القضية الفلسطينية. لكن هذا لم يساعد الفلسطينيين يوماً في الدفع بقضيتهم إلى الأمام من جانب، ولم يحلّ أي أزمة عربية من جانب آخر. وهذا ما سيحدث الآن في سوريا».
وفي ردّ على سؤال عمّا إذا كانت الحكومة السورية ترسل رسالة مفادها أن استقرار إسرائيل من استقرارها داخلياً، يوضح بوخن «لا أعتقد بأنّ أحداث هذا اليوم (15 أيار) يمكن أن تهدد الأمن الداخلي الإسرائيلي، بل بالعكس فإن مثل هذه الأحداث سوف تزيد الاستقرار الداخلي الإسرائيلي، لأنها توحّد الصف داخل إسرائيل وتزيد الإسرائيليين يقيناً أن الهدف النهائي للفلسطينيين هو محو دولة إسرائيل من الخريطة».
ويختم المحلل السياسي بالقول «من الواضح أن النظام السوري يحاول التقاط الأنفاس ولو لوقت قصير، وإقناع الجماهير بأن القضية الأولى هي الصراع مع إسرائيل، لا الصراع الداخلي في سوريا. لكن الربط بين الثورة في سوريا والقضية الفلسطينية، لا يخدم الثورة السورية ولا القضية الفلسطينية نفسها».
(الأخبار)