حيفا | كان خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما مختلفاً عن أسلافه بالفعل، لكنه لم يفرض تغييراً جذرياً على التعاطي الأميركي مع الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي، إذ عاد وأمسك بالعصا من منتصفها من خلال مساواته بين «معاناة» الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. ورغم كل ذلك، يبقى أوباما الرئيس الأول الذي أيّد، من دون لبس، إنشاء دولة فلسطينية بحدود عام 1967، في مقابل وصفه إسرائيل بـ«الدولة اليهودية الديموقراطية»، في تكرار حرفي للعبارات التي يستخدمها رئيس الحكومة العبرية بنيامين نتنياهو. والإعلام العبري، الذي رأى في خطاب أوباما «مواجهةً» مع نتنياهو، يميل دائماً للرواية الأميركية أكثر من ميله لرئيس حكومته، بغية الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب. علاقة يبدو أنها لم تتأثّر بعد، رغم ما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» عن غياب الثقة المتبادلة بين أوباما ونتنياهو. ومن المنظار التاريخي، عرفت العلاقات الأميركية ـــــ الإسرائيلية رؤساء أميركيين أجبروا الحكومة الإسرائيلية على اتخاذ خطوات عملية، يتقدّمهم جورج بوش الأب الذي هدّد بقطع المعونات المالية الأميركية لدولة الاحتلال إذا لم توقف حكومة إسحاق شامير في حينها البناء في المستوطنات. بعدها، أرغم بوش الأب شامير (عن حزب الليكود) على الذهاب إلى مؤتمر مدريد. اليوم، تعارض الولايات المتحدة البناء الاستيطاني، مثلما هي حال الاتحاد الأوروبي، لكنَّ البناء استمر حتى بعد إعلان تجميده سابقاً. ورغم كل ذلك، لم يتّخذ أوباما أي خطوة عملية بحق الدولة العبرية.
الإعلام العبري لم يفاجأ بالخطاب الأخير لأوباما؛ ورغم امتعاض البعض في الدولة العبرية، فإنّ مواجهة الموقف الأميركي في الإعلام العبري، أمر غير مرغوب فيه، وهو ما دفع نتنياهو إلى الطلب من وزرائه عدم الإدلاء بأي تصريحات تتعلق بخطاب أوباما. و«بيبي»، الذي يمتاز بردود فعله السريعة، فهم هذه المرّة أنّ عليه أن يكون حذراً في تعاطيه مع أوباما وإدارته، لأن العلاقة الطيّبة بين حكومة إيهود أولمرت وإدارة بوش الابن هي التي أنقذت أولمرت من مواقف محرجة عند تورّطه بقضايا الفساد. كذلك كانت حال الدعم الأميركي لأرييل شارون الذي مثّل أحد عوامل شعبيته. أما في قضية نتنياهو، فالأمور تأخذ منحىً آخر، إذ إنّ الائتلاف الحكومي قابل للانكسار عند أي خطوة. من جهة، وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان يهدّد بالاستقالة في كل مناسبة، ومن جهة أخرى زعيمة المعارضة تسيبي ليفني ليست متلهّفة للانضمام إلى حكومة وحدة وطنية تجمعها مع «الليكود». الحل الأمثل بالنسبة إلى نتنياهو حالياً هو إبقاء الوضع السياسي على ما هو عليه، وهو ما لا يمكن فعله الآن تحديداً.
محلّل الشؤون الحزبية في صحيفة «هآرتس» يوسف فيرتر، لام نتنياهو، ورأى أن خطاب أوباما هو ثمن للإخفاق السياسي المسيطر في العامين الأخيرين. حتى إنّ فيرتر أخذ على إدارة نتنياهو عيباً إضافياً هو أن المقربين من رئيس الحكومة ومبعوثيه إلى البيت الأبيض لم يمتلكوا أي فكرة عما سيقوله أوباما. وأشار فيرتر إلى أنّ الخطاب كان رداً من أوباما أيضاً على خطة نتنياهو «الذي سيلقي خطاباً في الكونغرس، صاحب الغالبية الجمهورية». واختتم فيرتر بقوله إنّ «خطاب نتنياهو سيلقيه متأخّراً سنتين. وفي الحالتين، الحد الأقصى الذي يبدو مستعداً لتقديمه، لا يقترب من الحد الأدنى الذي يطلبه الفلسطينيون. هكذا، لا يهم ماذا سيدور في اللقاء بين نتنياهو وأوباما، وماذا سيُقال في خطاب نتنياهو، فالسلام، لا سمح الله، لن يتلهّف علينا».
وفي صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من نتنياهو، رأى دان مرغليت أن مكتب رئيس الحكومة انتظر خطاباً «مريحاً أكثر» من أوباما. وحاول مرغليت القول إنه لا وجود لفجوات بين الرئيس الأميركي وبين ما يسعى إليه نتنياهو، إلا أن لقاء «بيبي» بأعضاء كتلة الليكود جعله يذهب إلى الولايات المتحدة «من دون أن يكون مخوَّلاً إجراء مفاوضات وفق المبادئ الأساسية التي اقترحها أوباما».
إنّ خطاب أوباما لا يعبّر عن أزمة بين الإدارتين بمقدار ما هو ترجمة لغياب الثقة بين الرئيس الأميركي ونتنياهو، وهو ما ينتج من كون الأميركيين يرون أنّ نتنياهو هو من يفرض جموداً سياسياً يُلحق الضرر بالمصالح الأميركية. وفي السياق، كشفت صحيفة «نيويروك تايمز» عن أنّ أوباما ونتنياهو لا يثقان الواحد بالآخر، حتى إنّ الرئيس الأميركي أبلغ مساعديه أنه لا يصدق بأن نتنياهو سيقدم تنازلات من أجل السلام. وكشف شمعون شيفر في «يديعوت أحرونوت» أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تحولت إلى العدوة الأولى لنتنياهو في واشنطن. لكن ناحوم برنياع، المحلل السياسي للصحيفة نفسها، لا يرى حلّاً للصراع، ويعتقد أنّ تفاؤل أوباما «زائد عن حدّه»، مضيفاً أن من الصعب «رؤية اتفاقية في الأفق».