صنعاء | ظهرت الطريق مسدودة تماماً أمام توقيع المبادرة الخليجية في صنعاء يوم الأربعاء الماضي، وذلك بعد سفر الأمين العام لمجلس دول التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني، إثر فشله في الحصول على موافقة الرئيس علي عبد الله صالح على صيغة المبادرة النهائية التي جرى التوافق عليها، واحتاج التوصّل إليها إقامة الزياني في صنعاء خمسة أيام كاملة. السيناريو نفسه تكرّر أمس، بعدما أُعلن على نحو مفاجئ، مساء السبت، وصول عبد اللطيف الزياني إلى صنعاء، وتبعه خبر عاجل يقول بتوقيع أحزاب اللقاء المشترك المبادرة في منزل رئيس اللجنة التحضيرية للحوار محمد سالم باسندوة، وبحضور السفير الأميركي في صنعاء وسفراء الاتحاد الأوروبي، إضافةً إلى سفراء دول مجلس التعاون الخليجي. جاء هذا الخبر بالتزامن مع رفض قادة أحزاب اللقاء المشترك التعليق على الظروف التي رافقت توقيعهم المبادرة، لكن مصادر خاصة في المشترك قالت إن قادتها رفضوا توقيع المبادرة يوم الأحد، وأصروا على التوقيع يوم السبت، قبل يوم واحد من توقيع الرئيس المفترض عليها، وهو اليوم الذي اختاره الرئيس نفسه كي يكون متزامناً مع العيد الوطني للجمهورية اليمنية. وظهر واضحاً من رفض أحزاب اللقاء المشترك التوقيع في هذا اليوم تجنّبها فخاً جديداً ينصبه الرئيس صالح لها، كما حدث يوم قبلت تلك الأحزاب توقيع اتفاقية آلية تنفيذ «اتفاق فبراير 2009» يوم 17 تموز من العام الماضي، وهو اليوم الموافق لذكرى وصول صالح إلى الحكم، وهو ما أدى إلى خروج انتقادات غاضبة لكوادر المشترك، الذين عدّوا التوقيع في يوم كهذا بمثابة إهانة لهم. من جهته، قال مصدر إعلامي في الحزب الحاكم إن عودة الزياني إلى اليمن جاءت بناءً على طلب من الحكومة اليمنية، وهو ما أكده بيان صحافي صدر أول من أمس، عن الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربي، لكن منذ صباح أمس ظهر أن الأمور لن تكون ممهدة تماماً أمام الأمين العام لمجلس التعاون من أجل حصوله على توقيع الرئيس صالح.
فقد افتُتح اليوم بخروج مئات من أنصار الرئيس صالح، وقطعهم الطرقات في الجهة الجنوبية من العاصمة صنعاء، وهي الجهة التي تسيطر عليها قوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي، ويقع فيها القصر الرئاسي، إضافةً إلى ميدان السبعين وكلية الشرطة، التي خصّها صالح بزيارة لعقد لقاء تشاوري مع قادة من وزارة الداخلية، وفيما كان من المفترض أن يُنهي اجتماعه هذا عائداً إلى القصر الرئاسي لإتمام توقيعه اتفاق المبادرة، بحسب ما كان معلناً، وردت أنباء عن محاصرة مبنى الكلية من جانب أنصاره، الذين رفضوا ذهاب الرئيس إلى قصره لتنفيذ التوقيع. حدث هذا في توقيت مواز لمحاصرة مجموعة أخرى من أنصاره مبنى السفارة الإماراتية، الذي كان الأمين العام لمجلس دول التعاون الخليجي فيه، إضافةً إلى عدد من السفراء الداعمين للمبادرة، بينهم السفير الأميركي في صنعاء. حصار استمر حتى مساء أمس لتأتي طائرة مروحية لإخراج السفراء من داخل المبنى، فيما استمر أنصار الرئيس في محاصرتهم له.
خلال كل هذه التطورات لم تتوقف ماكينة إعلام الحزب الحاكم عن التصريح بإشارات متناقضة لا تقول بوضوح إن كان الرئيس صالح سيوقع المبادرة أم لا. ففيما صدر عن السكرتير الإعلامي للرئيس صالح تصريح يقول فيه إن توقيع الرئيس اتفاقية المبادرة «سيظل حبراً على ورق ما لم ترفع أحزاب اللقاء المشترك الاعتصامات ومظاهر التوتر من الساحات»، قال القيادي المؤتمري طارق الشامي إن الرئيس صالح سيوقع المبادرة فعلاً. سجال حسمه صالح مساءً بخطاب متلفز أعلن فيه رفض توقيع المبادرة من دون حضور المعارضة إلى القصر الرئاسي، ملوّحاً باحتمال اندلاع حرب أهليّة في البلاد.
موقف يبدو أنه أثار استياء الخليجيين، إذ قالت مصادر إن دول الخليج قد تسحب مبادرتها في ما يخص اليمن، ولا سيما بعدما كان صالح قد قال أمام مجموعة من ضباط وزارة الداخلية «إنه جرى التعاطي مع المبادرة الخليجية منذ البداية بإيجابية، على الرغم مما احتوته من نصوص غامضة وملتبسة قد تؤدي إلى خلق أزمة عند التباين في تفسيرها، وبالرغم من النوايا غير الحسنة لأحزاب اللقاء المشترك تجاه المبادرة، التي تريد أن تجعل منها عملية انقلابية على الديموقراطية والشرعية الدستورية».
كان هذا مؤشراً أولياً إلى نيته عدم توقيع المبادرة، وإلى أنه يسعى إلى البحث عن مخارج تعينه على وضع يده على حلول وسط تقيه شر انتقادات الجهات الراعية للمبادرة، وخصوصاً أنه من طلب قدوم الزياني ثانيةً إلى صنعاء، وأنه سيوقع لكنه لم يفعل، ملقياً المهمة على المؤتمر الشعبي العام، الذي تكفل عدد من قادته بتوقيعها في احتفال صغير أقيم في القصر الرئاسي.
تبدو هذه النتيجة نهاية لفصل أول من قصة مبادرة نجحت إلى حد بعيد في تحويل ثورة الشباب اليمنية إلى أزمة، فيما ظهر واضحاً أن الطريق لا يزال طويلاً أمام إعلان صالح تنحّيه عن السلطة.