صنعاء | رمى يوم الجمعة بقدسيته على المشهد داخل صنعاء ليأخذ المتقاتلون راحة وينتهي اليوم بدون سقوط ضحايا جدد. فيما أخذ الرئيس علي عبد الله صالح بدوره إجازة عن الكلام ممتنعاً عن الخروج إلى ميدان السبعين كي يلقي خطبته الأسبوعية، وذلك بعدما طلب من مناصريه عدم الحضور إلى الميدان لصلاة الجمعة التي سماها «جمعة النظام والقانون»، لأنه علم أن «قبائل الأحمر قد أعدّت خطة لمهاجمة ميدان السبعين»، وفقاً لما جاء في رسائل عبر الهواتف النقالة صادرة عن دائرة التوجيه المعنوي التابعة للجيش اليمني.لكن رغم صمت البنادق والمدفعية في شوارع المنطقة الشمالية من صنعاء وأزقّتها، بعد إعلان زعيم قبائل حاشد خلال تشييع 30 من رجاله أن المعارك تشهد «هدنة»، وثمّة وساطة جارية، كان الوضع مختلفاً في منطقة نهم (شرقي صنعاء)، وهي منطقة لا تتمتع بود كبير منذ وقت طويل مع السلطة المركزية في صنعاء. فقد شهدت المنطقة اشتباكات عنيفة منذ فجر أمس بين عناصر قبليين مناهضين لعلي عبد الله صالح، ومؤيدين للشيخ صادق الأحمر، وبين عناصر تابعين لقوات الحرس الجمهوري التابع لنجل الرئيس صالح، مدعومين بسلاح جوي مكون من طائرات حربية ومروحيات. وأظهرت المواجهات التي أدت إلى سقوط مروحيتين وأسر نحو ثلاثين جندياً إضافة إلى فرض العناصر القبليين سيطرتهم على ثلاثة معسكرات تابعة للواء 26 من الحرس الجمهوري، إلى أي مدى يمكن هؤلاء العناصر القبليين أن يدخلوا في مواجهات مع الجيش النظامي للدولة، وخصوصاً مع ظهور عامل جديد في المعادلة بين الطرفين، هو امتلاك هؤلاء العناصر لتجهيزات قتالية يمكن بواسطتها الذهاب بعيداً على الأرض، أخذاً في الحسبان التشتت الذي تعانيه قوات الحرس الجمهوري التي يراهن عليها الرئيس صالح ونجله في حسم المعركة على الأرض بينه وبينه القوات القبلية. وتعاني نسبة كبيرة من القوات التابعة للحرس الجمهوري والمنتشرة في عموم محافظات الجمهورية بسبب وجودها في مناطق سكنية، بما يجعلها أشبه ما تكون بقوات محاصرة في أرض لا تستطيع أن تفعل فيها شيئاً، إضافة إلى وجود بعض هذه المعسكرات بالقرب من معسكرات أخرى تابعة للفرقة الأولى من المدرعات التابعة للواء علي محسن الأحمر. من جهة ثانية، وعلى الرغم من الهدوء النسبي الذي عاشته العاصمة صنعاء، إثر توقف الاشتباكات الدائرة هناك منذ يوم الاثنين الماضي، شهدت المدينة اشتباكات من نوع آخر، وكانت هذه المرة على هيئة بيان أصدره اللواء علي محسن الأحمر شن فيه هجوماً غير مسبوق على الرئيس علي عبد الله صالح وطرح فيه جردة وتصفية حساب للـ33 سنة الماضية وهي فترة حكم الرئيس صالح لليمن.
وجاء بيان علي محسن الأحمر، في ظاهره، رسالة تدين قصف القوات الموالية للرئيس علي عبد الله صالح منزل الشيخ صادق الأحمر حين كانت لجنة الوساطة بداخله يوم الثلاثاء الماضي، إلا أن البيان ذهب للكشف عن علاقة الرئيس علي عبد الله صالح بأحداث دموية وكوارث وقعت منذ العام الأول لتولّيه السلطة في شمال اليمن سابقاً وحتى ما بعد تحقيق الوحدة اليمنية.
وقال بيان طويل صادر عن اللواء الأحمر «إننا نندّد ونستنكر العمل المدبر الغادر الذي لم يألفه اليمانيون في تاريخهم الطويل، ولم تعرفه قيَم وطننا على مدار القرون والحقب». وأضاف «الهوس والجنون والعقد المزمنة في تركيب شخصية الديكتاتور الغريبة، جعلته يتخصص في الغدر بالوسطاء والرسل الذين دأب العالم بكل نحلَه وملَله على احترامهم في تقليد إنساني متجذر في تاريخ البشرية الطويل حتى في أقذر الحروب».
وقال بيان الأحمر إن صالح «لم تعد لديه القدرة على شن حرب في أي مكان، فلقد حاول في مناطق كثيرة، منها نهم ويافع والحديدة وأرحب والحيمة وحضرموت وغيرها، وكلها تبوء بالفشل والخذلان»، مضيفاً أن صالح «تحوّل الآن لينتحر بالحصبة مع مشائخ الوطن الوسطاء، ليصرف الناس عن ثورتهم السلمية الماضية نحو تحقيق أهدافها رغم مكره وطيشه وجهله».
وأشار محسن الأحمر إلى وقائع سابقة، حيث اتهم صالح بالوقوف وراء أحداث الحجرية عام 1978 التي قتل فيها العشرات، الحادثة التي لا تزال تفاصيلها غامضة. كذلك اتهم صالح الذي وصفه البيان بـ«الماكر» بإثارة فتنة 13 كانون الثاني 1986 في جنوب اليمن والتي راح ضحيتها الآلاف، وإذكاء «نار جحيمها» بين أعضاء الحزب الاشتراكي، كما أشار إلى «الجريمة النكراء التي حاكها ودبرها بليل لاغتيال الشيخ جابر الشبواني الذي أرسله واسطةً في مأرب الأمجاد والأبطال الصناديد وغيرها.. وغيرها من مؤامراته التي لا تنتهي». ودعا اللواء علي محسن ما بقي من أبناء القوات المسلحة والحرس الجمهوري وقوات الأمن إلى عدم الانخراط وراء «الجاهل المهووس المتعطش لسفك الدماء وترويع أبناء الشعب».
وبالنظر إلى محتوى هذا البيان الذي صدر في توقيت شديد الدقة، خصوصاً مع بقاء قوات علي محسن الأحمر نفسه على الحياد من الاشتباكات الدائرة في صنعاء منذ الاثنين الماضي، فإنه يشير بدقة إلى وصول العلاقة بينه وبين صالح إلى نقطة اللاعودة، والتي يمكن من خلالها فتح مستقبل الأيام المقبلة على احتمالات عدة، نظراً إلى رفع السقف تماماً في ما بينهما وعدم حرصهما على حيز يمكن التفاوض عنده.
ولم يكن شباب ساحة التغيير بطبيعة الحال في منطقة بعيدة عن هذا السجال، حيث صدرت آراء متفاوتة حول هذا البيان، ذهب بعضها إلى إدانة علي محسن الأحمر نفسه، الذي سكت طوال هذه المدة عن أفعال الرئيس صالح، ولم ينطق بما يعرفه وبما كان هذا سيفعله من فارق وحسم في أمور عدّة لعل أهمها إيقافه عن التمادي في ارتكاب أفعال غيرها. وهو ما ينطبق تماماً على الشيخ صادق الأحمر وإخوته، الذين يُقَدّمون الآن في «ساحة التغيير» على هيئة أبطال حقيقيين لثورة الشباب، كما حدث يوم أمس في «جمعة سلمية الثورة»، حين استقبل الشيخ صادق بصفة بطل حقيقي للثورة رغم أنه كان، هو وأسرته، جزءاً من الفساد الذي أتقنه علي عبد الله صالح.