في عام 1986 أصيبت سوريا بـ«إفلاس مالي». يذكر الكاتب السوري سمير العيطة تلك الفترة جيداً، لذلك، اختار أن يبدأ محاضرته، في مركز عصام فارس للدراسات اللبنانية، عن «الاستقرار والإصلاح في سوريا» من ذلك العام. كان الإفلاس الثمانيني بمثابة «الباراشوت» التي حملت فكرة الإصلاح إلى سوريا. قبل ذلك العام لم يكن الأمر وارداً. كانت «رأسمالية الدولة» تنطبق إلى حدٍّ كبير على طبيعة النظام الاقتصادي في «بلاد البعث».
وإذ نتحدث عن الإصلاح، لا بد من الإشارة إلى بدء التوجه إلى القطاع الخاص. أنتجت تلك الخطوة تفاعلاً بين رجال الأعمال والصناعة من جهة، وأجهزة الحكم من جهة أخرى في عهد الأب، على عكس إصلاحات عهد الابن التي اتسمت بالاستجابة إلى الضغوط الخارجية. أشار العيطة إلى أن الفترة الممتدة من أوائل التسعينيات إلى عام 1997 شهدت نمواً حقيقياً، لكن مؤشرات التضخم تزايدت. وبين عامي 1996 و1997، حصلت أزمة بين الجهاز الحاكم في السلطة والفئات الجديدة في القطاع الخاص، التي كانت تطالب بالإصلاحات، لكن الرئيس حافظ الأسد لم يحسم الصراع. ترك القرار لنجله.
وذكّر العيطة بالوعود الإصلاحية التي أطلقت في عام 2000 بعد تسلم الرئيس بشار الأسد السلطة و«ربيع دمشق»... حين سُمح بـ«حرية الكلام». حينها، تمثل أول قرار اقتصادي للقيادة القطرية لحزب البعث بتصفية مزارع الدولة في سد الفرات، التي عُدّت غير ناجحة وانتهت بكارثة اجتماعية. برأي العيطة، الخطوة الإصلاحية التالية كانت قرار فتح المصارف الخاصة في عام 2004، ومن ثم تحرير التجارة الخارجية بين عامي 2005 و2006. لكنه لا يرى في ذلك إصلاحاً، وخصوصاً أن جميع هذه الترتيبات حصلت لتصريف ضغط خارجي تعرضت له سوريا على خلفية موقعها السياسي. برأي العيطة، السوريون حموا نظامهم بعد عام 2000، والآن، يطلبون رد الجميل: «القليل من الحرية فقط».
اضطر العيطة أكثر من مرة إلى التمييز بين «المعارضات» السورية، مبرراً التشرذم وغياب مشروع إصلاحي بإعادة التذكير بالطابع القمعي الذي استخدمه النظام للتعامل مع «إعلان دمشق»، وفي الوقت عينه، رافضاً أن يكون للمعارضة «أجندات أجنبية». يرى أن أيّاً من الفريقين، السلطة والمعارضة، لا يملك مشروعاً إصلاحياً حقيقياً بعد. ينتقد خطاب الرئيس الأسد الشهير بعد التحركات الشعبية، الذي جعله جزءاً من الأزمة بعدما كان جزءاً من الحل، لكنه لا يزال يراهن على المعتدلين في السلطة والمعارضة، لوقف «الخيار الأمني». وفي إجابة له عن أحد الأسئلة، لم ينف وجود «سلفيين» أو
«مؤامرات».
فرغم تعاطفه الواضح مع حركة الشعب السوري المطالبة بالحرية، يرفض العيطة سقوط الثورات العربية تحت هيمنة الأنظمة الخليجية المتحالفة مع الغرب. برأيه، كمعتدل، الأولوية الآن هي لإيقاف آلة الموت. الإصلاح والدم لا يلتقيان.