بدا أمس أن الفيتو الروسي أحبط نقل الملف السوري إلى مجلس الأمن الدولي، وسط عودة خطوط الاتصال بين أنقرة ودمشق، وتجدد سقوط القتلى في الشوارع السوريةصحيح أنّ حصيلة الدماء التي سالت في المدن السورية، أمس، كانت أقل ممّا سُجّل في أيام الجمعة خلال الأسابيع الماضية، إلا أنّ اللافت كان انضمام مدن وأحياء جديدة إلى التظاهرات الشعبية، وسط التوقف عند اتصال هاتفي أجراه رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان بالرئيس السوري بشار الأسد، مع تواصل الضغوط الدولية، أكان الأميركية والفرنسية منها، أم تلك التي جاء بها البيان الختامي لمجموعة الثماني.

وقد خرجت تظاهرات يوم أمس في عدة مدن سورية استجابةً لدعوة «جمعة حماة الديار»، التي اتخذت من أولى كلمات النشيد الوطني السوري شعاراً لها، في دعوة مباشرة إلى الجيش السوري إلى الانضمام للمتظاهرين المطالبين بإسقاط النظام أو الإصلاح. وبحسب شهود عيان ووكالات أنباء عالمية، واجهت قوات الأمن العديد من تلك التظاهرات بالرصاص الحي، مع إعلان رئيس المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن أن حصيلة قتلى يوم أمس بلغت 8 أشخاص، فيما أعلنت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) مقتل 7 مدنيين ورجلَي شرطة وإصابة 32 رجل أمن بجروح «برصاص مجموعات مسلّحة»، موردة اسمي الشرطيين القتيلين والجرحى.
وكان يوم «حماة الديار» قد بدأ باكراً فجر أمس. ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، قُتل ثلاثة متظاهرين على الأقل قبيل فجر الجمعة في داعل (ريف درعا) بنيران رجال الأمن. وأفاد المرصد أنّ «الأمن أطلق النار على بعض المتظاهرين الذين اعتلوا سطوح الأبنية لإعلاء صوت التكبير، ما أدّى إلى وفاة ثلاثة أشخاص على الأقل»، كما أعلن رئيس الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الإنسان عبد الكريم ريحاوي أنّ أنباءً «وردت لنا تفيد بأن قوات الأمن أطلقت النار في الهواء لتفريق نحو 5 آلاف متظاهر التقوا في وسط المدينة، بعدما خرجوا من جامع العرفي ومنطقة الصالحية». وتابع أن «قوات الأمن استخدمت القوة لتفرّق مئات المتظاهرين في حي ركن الدين وضربتهم بالهراوات». ولفت إلى أن «قوات الأمن استخدمت أيضاً القوة لتفريق مئات المتظاهرين الذين خرجوا في منطقة صلاح الدين في مدينة حلب»، كما أشار ريحاوي إلى «تظاهرة في منطقة الدرباسية (شمال شرق) شارك فيها نحو 400 طفل وهم يحملون العلم السوري بطول 25 متراً، مردّدين النشيد الوطني السوري»، موضحاً أن تظاهرة أخرى خرجت في مدينة القامشلي (شمال شرق) شارك فيها الآلاف. الأمر نفسه حصل في عامودا (شمال شرق) حيث نزل إلى الشارع نحو 2500 شخص. وعلى حد تعبير وكالات الأنباء العالمية، فإنّ الرستن شهدت نزول نحو 30 ألف سوري في التظاهرة الأكبر التي تشهدها حتى الآن. من جهته، أورد التلفزيون السوري الرسمي في شريط إخباري عاجل، نقلاً عن مراسليه في المحافظات السورية، أن عشرات الأشخاص هاجموا عناصر حفظ النظام أمام جامع الحسن في حي الميدان، وسط دمشق، بأدوات حادة، كما أكد التلفزيون أنّ «عناصر مسلحين أطلقوا النار على القوى الأمنية وأصابوا 7 من العناصر بجروح». وتحدث التلفزيون عن عدة «تجمعات» ضمت 150 شخصاً في القامشلي، و300 شخص في حماة وفي البوكمال والميادين والقورية (شرق) والعشرات في طرطوس الساحلية (غرب) و150 شخصاً في عامودا و100 شخص في الدرباسية والعشرات في راس العين (شمال شرق). وطمأن إلى أن هذه التجمعات انفضّت من تلقاء نفسها من دون «احتكاكات».
وفي حمص، ذكرت وكالة «رويترز» أنّ دويّ إطلاق النار سمع بينما تجمهر آلاف المحتجين المطالبين برحيل النظام، وذلك رغم كثافة الوجود الأمني. في بلدة الزبداني قرب الحدود اللبنانية، أفادت تقارير إعلامية أن قوات الأمن السورية أصابت خمسة محتجين بالرصاص الحي، كما خرجت تظاهرات في محافظات درعا والسويداء ومدينة القامشلي، فيما ذكرت وكالة «رويترز» أن متظاهرين في البوكمال، الواقعة على الحدود العراقية السورية، أحرقوا صوراً للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
سياسياً، سُجِّل أمس أول اتصال هاتفي يجري منذ فترة ليست بقليلة بين أردوغان والأسد. ونقلت وكالة الأنباء السورية أن أردوغان أعرب عن حرص بلاده على «العلاقة الاستراتيجية» التي تربطها مع سوريا. وجاء في الوكالة: «تلقّى الرئيس السوري اتصالاً هاتفياً من أردوغان عبّر فيه عن حرص بلاده على العلاقة الاستراتيجية بين البلدين والشعبين الصديقين، وعلى الحفاظ على مستوى هذه العلاقة وتطويرها في المستقبل»، كما نقلت الوكالة عن أردوغان «وقوف تركيا إلى جانب سوريا وحرصها على أمنها واستقرارها ووحدتها». وأضافت إن الأسد وأردوغان جددا «عزمهما على الاستمرار في هذه العلاقة الحارة والشفافة، وعلى الارتقاء بها إلى ما فيه خدمة البلدين والشعبين والمنطقة برمتها».
أما وكالة أنباء الأناضول التركية الحكومية، فقد اكتفت بالتأكيد أن أردوغان تباحث هاتفياً مع الأسد «بشأن المواقف من التطورات الأخيرة التي تشهدها سوريا». ورغم الأجواء الإيجابية التي أشاعها نبأ الاتصال، فإنّ مسؤولاً سورياً كشف عن «ضبط كمية من الأسلحة على متن شاحنة آتية من تركيا إلى سوريا». وقال مدير البوابة الحدودية في تل أبيض في محافظة الرقة، وليس العلي، لوكالة «يو بي آي» إنه «لدى دخول شاحنة تركية محمّلة بالإسمنت إلى الأراضي السورية صباح اليوم (الجمعة)، عثر فيها على 36 بندقية من نوع بومب أكشن».
أما في مدينة دوفيل الفرنسية، التي استضافت في اليومين الماضيين قمة مجموعة الثماني، فقد انضم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى نظيره الأميركي باراك أوباما في مطالبة الأسد «بقيادة عملية تحول ديموقراطي لبلاده أو الرحيل» عن الحكم. ورأى ساركوزي أن «لفرنسا بعض الصدقية في طرح الخيار المعروض الآن على الرئيس السوري»، مشيراً إلى أن فرنسا «فعلت كل شيء لإعادة سوريا إلى منظومة الأمم الدولية. كل شيء. لقد تباحثنا مع (السوريين) وحاولنا مساعدتهم وتفهمهم». واستدرك «لكنني أشعر بالأسف لأن أقول إن القادة السوريين يقومون بخطوة مدهشة إلى الوراء. وفرنسا في هذه الظروف تسحب ثقتها وتندد بما يجب التنديد به». وخلص إلى أن الأسد «يعلم تماماً أن فرنسا لم تفعل ذلك، إلا بعد هذا التراجع الديموقراطي الذي لا يمكن قبوله».
وفي السياق، نصّت مسودة البيان الختامي لقمة الثماني على أن زعماء الدول المجتمعين «رُوِّعوا من قتل السلطات السورية للمتظاهرين المسالمين»، وطالبوا بوقف فوري لاستخدام القوة في سوريا، علماً أن مسودة البيان لا تتضمن اقتراحاً واضحاً كان موجوداً في مسودات سابقة للوثيقة يحضّ على التحرك ضد دمشق في مجلس الأمن الدولي.
وفسّر دبوماسيون هذا التراجع بالخشية من فيتو محتمل قد تلجأ إليه كل من روسيا والصين، رغم التصريح اللافت الذي أطلقه الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف، أمس، الذي قال فيه إنه حان الوقت لانتقال الأسد «من الأقوال إلى الأفعال». وجاء في بيان الثماني «سيقود طريق الحوار والإصلاحات الجذرية وحده إلى الديموقراطية، ومن ثم الأمن والرخاء على المدى البعيد في سوريا».
في هذا الوقت، دعت ستة أحزاب وتجمعات سورية إلى عدم طرح شعار إسقاط النظام خلال التظاهرات التي تجري في البلاد، ورفضت أي تدخل خارجي في شؤون بلادها، داعية إلى «أعلى درجات ضبط النفس في هذه الظروف الحساسة، والتمسك بالوحدة الوطنية للوصول إلى الحد الأدنى من الاستقرار الداخلي المطلوب لتكوين الأرضية المناسبة للتوافق على الإصلاحات المطلوبة وإطلاق عملية الحوار الوطني بشأنها». والقوى الموقعة على البيان هي «حزب الإصلاح الديموقراطي الوحدوي في سوريا»، و«اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريّين»، والحزب السوري القومي الاجتماعي برئاسة علي حيدر، و«التجمع الديموقراطي الكردي في سوريا» (البارتي)، و«التجمع الديموقراطي الأشوري السوري»، و«الحزب الديموقراطي السوري».
أما من ناحية الضغوط العربية على النظام السوري، فقد أعرب كتّاب وحقوقيون ونشطاء من دول خليجية عن تضامنهم مع الشعب السوري، ومع مطالبته بحريته وخياره المدني المستقل، ورفضهم «المجازر الوحشية والتعديات التي يرتكبها النظام»، مطالبين بطرد سفراء سوريا من دولهم.
(الأخبار، سانا، رويترز، أ ف ب، يو بي آي)