درس روتيني
«لقد خدمت هناك على الحدود لأحميكم أنتم كذلك.. أخي خاطر بحياته في لبنان ليحميكِ من صواريخ نصر الله». بهذه العبارات انفجر أحد الطلاب الإسرائيليين الذين يشاركوننا مقاعد الدراسة في وجه زميلتي، خلال درس القانون الدستوري. كنا نناقش وضع القدس، وكانت هي قد وقفت لتقول إنها سئمت من سماع ترّهاتهم. أنظر إليهم هكذا، وأفكّر في أن هؤلاء بالتحديد، في جميع التظاهرات الطلابية، يتجمهرون حولنا مهدّدين بطردنا «إلى «غزة». فنحن لا نظهر الولاء لدولتهم، وبذلك، ما علينا إلا أن نرحل. دولتهم، أي تلك التي تقوم على أرضنا وعلى أنقاض منازل شعبنا الذي طردوه بالمجازر والترويع. هكذا إذاً، علينا أن نرحل إن لم يعجبنا الوضع. لكن، حين نواجههم بحقائق تاريخية كمجزرة دير ياسين وأخواتها، كوضع اللاجئين المنتظرين عودتهم، حينها يصير الجواب ان كل ما فعلوه، بما في ذلك اعتداؤهم على كل من جاورهم، هو حماية لنا. يصير قتل أطفال غزة مبرراً لحمايتنا من الصواريخ «القاتلة». تصير حربهم ضد إخوتنا حماية لنا منهم!
في ذلك الدرس لم أشترك أنا إلا بجملة واحدة في نهايته. قلت بكل برودة أعصاب، كأنني لم أكن موجودة خلال تلك «الطوشة الروتينية» في الصف، «المحتل سيظل محتلاً، وسيبرر احتلاله بكل الطرق». لا أدري كيف استطعت أن أحافظ على برودة أعصابي، كيف لم أنفجر! قلتها بكل ثقة ولامبالاة! من أين أتتني كل هذة البرودة؟ فعادة اشتعل بسرعة لقلة احتمالي غباء البروباغندا التي يحاججون بها. مثلاً عندما تناقشهم، ضمن حصة الدرس بالطبع، في شرعية هدم بيوت أهالي الاستشهاديين، يقف أحدهم قائلاً إن «الإرهاب الفلسطيني» أشد خطورة من «القوة التي تستخدمها إسرائيل للدفاع عن نفسها» مثلاً، وإن «قتل العرب مبرر لأنه غالباً دفاع عن النفس»، إذ إن اعتداءات اليهود هي «دائماً دفاع مشروع عن أنفسهم ودولتهم». تذكّرهم بمجرميهم الذين يعدّونهم «أبطالاً»، أسماء تنضح بالفكر العنصري والإرهاب المتأصّل، كباروخ غولدشتاين منفّذ مذبحة الحرم الإبراهيمي، وناتان زادة منفّذ مذبحة شفا عمرو، وغيرهما من أسماء لا أذكرها لكثرتها...
لا تصمت أفواههم عن علك البروباغندا التي تربّوا عليها في مدارسهم. تدرك في النهاية أنك تحادث عقولاً غُرست بفكر عسكري لا يجيد إلا تنفيذ الأوامر، وتكرار الكلام. عقول تربّت على العمل بآلية مطلقة، ليصير القتل لعبة روتينية، مبرراً وشرعياً تماماً.

الجليل ـــــــ أنهار حجازي

■ ■ ■

أين أجدادكم؟

خيتي العزيزة أنهار، هل تذكرين عندما قابلتِ هؤلاء «الإسرائيليين» أول مرة في الطفولة، في بعض البرامج التعليمية المختلطة التي تموّلها وزارة الثقافة تلك؟ لقد كان سؤالهم الأحمق الأول كفيلاً بمعرفة كيف يفكّر هؤلاء: لماذا لون بشرة العرب المسلمين سمراء، بينما المسيحيون بشرتهم بيضاء؟ تماماً كالدعاية التي أطلقها الإخوان المسلمون على الشيوعيين في الأردن في الأربعينيات بالقول إنهم يتزوجون أخواتهم، وانتشرت المقولة بين الناس، لأن الناس، بكل بساطة، أعداء ما جهلوا. لكن هؤلاء الصهاينة أعداء ما جهلوا وما علموا. ردّك كان بسيطاً ومنطقياً في ذلك الدرس الروتيني الذي اعتدناه، أنت ونحن كلنا، ولكن....ماذا لو رددت بهدوء وبرودة أعصاب أكثر على هؤلاء المحتفلين باستقلالهم على أنقاض نكبتنا بالآتي: منذ 500 عام لم تسجّل هجرة كبيرة إلى فلسطين من خارجها، ولكن هجرتكم إليها فقط من كل أصقاع الدنيا. أنا وجدي ووالده وجده مدفونون في فلسطين، أنتم أين أجدادكم منذ جيلين فقط؟ أنا فلسطينية وجذوري الأكيدة في هذه الأرض، ويقال إن بعض الفلسطينيين قدموا من بلدان مجاورة قبل 300 عام، وهذا ليس مسجّلاً، لكن أفلام البواخر التي حملتكم من أوروبا الشرقية وبقية العالم ما زالت موجودة. لماذا تتحدثون بلغاتكم الأصلية في مجتمعاتكم المغلقة؟ ولماذا ما زالت بعض المحال التجارية تحمل اللغتين العبرية ولغة المنبت كالروسية والفارسية والإثيوبية؟
عندما تتوقفون عن سؤال بعضكم بعضاً عن المكان مثل «من أين أنت؟» أو «من أين أصلك؟»، وتتوقفون عن إضافة عبارة «في البلاد»، ساعتها تستطيعون أن تتحدثوا عن بلاد ووطن. خيتي أنهار، خلال أعوامي الـ27 قابلت أجناساً كثيرة، لكني لم ألتق قط أوقح من هؤلاء. كنت في يافا في منزل أحد أقاربي الذين بقوا هناك، وكان أحد الصبية «يفرقع» بالعلكة بصوت عال، فأطلّت عجوز يهودية مستاءة من الصوت وصاحت بنا: «ارجعوا إلى غزة». أراد قريبي أن يشتمها فاستوقفته لأجيبها: نحن مستعدون للرجوع إلى غزة التي تحتاج إلى ساعتين بالسيارة من هنا، لكن أنت كيف سترجعين إلى بولندا؟
أغلقت الشباك، لكن ابنها عاد وأطلّ شاتماً، وهو يصيح نحن أصحاب هذه البلاد. فأجابه قريبي:جدّي مدفون في شارع سلمة قرب يافا ...أمك أين ولدت؟

الأردن ـــــــ معاذ عابد