تدخل الى مخيم مار إلياس من بابه الشرقي. تشعر بأنه يختلف هذه المرة عن المرات السابقة التي زرته فيها. تجول بنظرك في أزقته، تجد الطرقات أنظف، حتى الجدران أنظف. الصور التي كانت تنتشر على الجدران بعشوائية لم تعد موجودة، أما أشعة الشمس فترتمي عليك حرة بدون أي عوائق. تنتشي بكل ذلك. ترتسم ابتسامة على وجهك وأنت تغوص أكثر في أزقة المخيم. ما هذا؟ تشمّ رائحة طلاء جديد تمدّد ناصعاً على الجدران. تبدو الشوارع للعين بعد نظافة الجدران أوسع. أما الأسلاك الكهربائية التي تنسج بيوتاً عنكبوتية سميكة في فضاء المخيم عادة، فقد اختفت تقريباً. لم يعد تمديدها تحت الأرض، بالطبع، بل حزمت بشكل رزم وثبتت على زوايا الجدران. تتساءل: مَن مِن الفصائل قرر هذا؟ من هو خلف هذه المبادرة؟ وهل قامت الفصائل واللجان الشعبية أخيراً بمهماتها، وقررت إعادة ترتيب المخيم؟ الإجابة هي لا، بالتأكيد. فالقرار بإعادة ترتيب المخيّم وتجميله أخذته مجموعة من الشباب الذين تولوا المسؤولية بأنفسهم بسبب «غياب دور الفصائل والأونروا واللجان الشعبية»، كما يقول وليد أحمد أحد أعضاء هذه التجمعات. هكذا، قرر 40 شاباً من أبناء مخيم مار إلياس إطلاق تجمع جديد سمّوه «تجمع شباب مخيم مار الياس». التجمع هدفه الأساسي هو إنماء المخيم. وضع الشباب خطة عمل طموحة جداً. أرادوا إعادة ترتيب الأسلاك الكهربائية، تجميل المخيم من خلال طلائه، وإجراء انتخابات للجان الشعبية لإضافة العنصر الشبابي إليها. بالطبع موضوع إجراء الانتخابات رفضته بعض الفصائل، والرفض لم يكن حكراً على الفصائل التابعة لقوى التحالف أو تلك التابعة للمنظمة، إذ رفضت بعض الفصائل في كلا الطرفين هذه الفكرة. لكن الشباب قرروا المضيّ قدماً بالنقاط التي وضعوها. خطوتهم الأولى كانت ادّخار الأموال من معاشاتهم الشهرية الخاصة لشراء طلاء لدهن جدران المخيم. يوم عطلتهم كان يوم عمل في المخيم. الجميع شارك في تنظيف الجدران من الصور. نزعوا صور الشهداء باحترام، رفضوا تمزيقها ورميها على الأرض، بل وضعوها جانباً. الجميع شارك في طلاء جدران المخيم. هنا لا داعي للاحتراف بعملية الطلاء، فالأهم هو إضافة بعض الألوان الموحدة لكسب مساحة لا تزعج العين بالثرثرة البصرية. بعد العمل على الأرض، جاء دور السماء. فكانت خطوتهم الثانية، التي تبين لهم أنها مكلفة أكثر، كانت إعادة ترتيب الأسلاك الكهربائية، لا لأسباب جمالية فقط، بل لدواعٍ تتعلق بسلامة الناس. تولى بعض الشباب مهمة التنسيق مع الجمعيات الموجودة في المخيم للحصول على تمويل منها، وخصوصاً أن مخيم مار الياس معروف بأنه المركز الإعلامي لأغلب الجمعيات والفصائل الفلسطينية. المبالغ الضئيلة التي جمعوها لم تكن تكفي لتطبيق خطة العمل التي وضعوها كاملة. إذ قسموا المخيم الى 12 مربعاً، ولكل مربع علبة كهربائية وكابل خاص به. أما الأموال التي جرى تأمينها فكانت تكفي لوضع علبتين في المخيم، إذ كانت تكلفة كل علبة تقدر بـ 1500 دولار. المبادرات الفردية مثل التي قام بها شباب مار إلياس ليست حكراً عليهم فقط. فمخيم شاتيلا كان قد سبق الجميع إلى مثل هذه الفكرة، إذ عمدت مجموعة شبابية منه إلى إعادة ترتيب الأسلاك الكهربائية في المخيم. كما قام الشباب بحملة توعية لكيفية استهلاك الكهرباء. هذه المبادرات لم تأت من فراغ، بل كانت بسبب الغياب المستمر للجان الشعبية والفصائل الفلسطينية عن دورها، بالإضافة إلى الأونروا في المخيم. تقبّل هؤلاء الشباب واقعهم السيئ، وأن أحداً لن يساعدهم قبل أنفسهم على تحسينه. بعض سكان المخيم كانوا يجمعون الأموال لشراء الكابلات الكهربائية وذلك لتخفيف الضغط عن شبكة الكهرباء الرئيسية. أخيراً حذا أبناء مخيم برج البراجنة حذو باقي مخيمات بيروت. فعمد الشباب الى تجميع الأسلاك الكهربائية على شكل حزم وربطها معاً، بالإضافة الى فصلها عن خراطيم المياه التي تتقاسم الفضاء مع تلك الأسلاك. هذه الخطوة رغم أنها أتت متأخرة، إلا أنها ساهمت في تقليل حالات الموت صعقاً بالكهرباء نتيجة التماس مع تمديدات المياه التي كانت تقع في المخيم والتي راح ضحيتها 10 أشخاص. اليوم بإمكان من يسير في مخيم برج البراجنة أن يلاحظ الفرق بين قبل وبعد إعادة ترتيب الأسلاك. هذه المشاريع التحسينية الصغيرة لن تنتهي هنا. إذ سيعقد شباب «تجمع مخيم مار الياس» اجتماعات مع اللجان الشبابية في المخيمات الأخرى للتنسيق في ما بينها للقيام بنشاطات مشتركة في الأيام المقبلة. أخيراً، تداولت هذه المجموعات الأفكار في ما بينها إلكترونياً، وكانت قد استفادت من تجارب من سبقها لجهة عدم الوقوع في الأخطاء نفسها. هكذا، تولى شباب المخيمات زمام المبادرة بأنفسهم، واستطاعوا أن يجسدوا أعمالهم على الأرض، على الرغم من الشح المالي الذي يعانونه، متخطّين الإجراءات البيروقراطية المعتمدة في اللجان الشعبية وعند الفصائل الفلسطينية في النشاطات التي تقوم بها. أما ما يتمناه هؤلاء الشباب فهو أن تتم الموافقة على إجراء انتخابات للجان الشعبية لتغذيتها بدم جديد، وخصوصاً أن الشباب كانوا المحركين الأساس لكل تغيير، ولا سيما في ثورات الربيع العربي.


«الشباب يريدون التغيير» شعار طرح في المخيمات أخيراً. الشباب يريدون إجراء انتخابات للجان الشعبية في المخيم. فكرتهم هذه جوبهت بالرفض، وإجراء الانتخابات لا يزال خطاً أحمر في المخيم. بعض مسؤولي اللجان الشعبية رفضوا هذه الفكرة، معتبرين أن هؤلاء الشباب لا يستطيعون تقديم الخدمات التي تقدمها اللجان الشعبية الحالية لأنهم لن يكونوا متفرغين لهذه المهمة. البعض طرح فكرة تطعيم هذه اللجان بالعنصر الشبابي، وزيادة عدد أعضاء اللجان الشعبية الى 8، لكن على شرط إيجاد شباب مستعدين للتفرغ لهذه المهمة.