غزة | يتنسم قطاع غزة منذ السبت (أول من أمس) نسيم الحرية، إثر قرار «مصر الثورة» بفتح معبر رفح البري دائماً، وإدخال تسهيلات على حركة تنقل الفلسطينيين من القطاع وإلىه، لتكسر بذلك أشد حلقات الحصار المضروب على القطاع الساحلي منذ سيطرة حركة «حماس» عليه بالقوة في منتصف حزيران 2007.
وشهد معبر رفح، وهو المنفذ الوحيد لسكان القطاع على العالم الخارجي عبر الأراضي المصرية، حركة نشطة خلال اليومين الماضيين، ابتهاجاً من الفلسطينيين بحريتهم، وكثير منهم لم يحالفه الحظ بالسفر على مدار سنوات الحصار الأربعة. وقال مسافرون لـ«الأخبار» إن تعامل السلطات المصرية اختلف معهم من «النقيض للنقيض»، وبدا تغير ملموس في السياسة التي ينتهجها الموظفون المصريون في المعبر مع المسافرين.
وقال مسافر، اكتفى بتعريف نفسه بكنيته «أبو محمود»، إنه سافر مراراً عبر معبر رفح، وكان يواجه «إهانات» بالغة من جانب السلطات المصرية، لكنه شعر بقيمته كإنسان أخيراً مع تغير السياسة والنظام المصريين.
وقال المنسق الفلسطيني في معبر رفح أسامة أبو لبدة، إن الأمور في المعبر تسير بنحو سلس حيث تُنهى إجراءات العبور في أسرع وقت. وعدّ القرار المصري بفتح المعبر «جزءاً من فك الحصار عن أبناء قطاع غزة»، مشيراً إلى أن هذا القرار أعاد الأمل لدى أبناء غزة بأنهم يعيشون في وطنهم، وأن عزلتهم الطويلة بسبب الحصار في طريقها إلى الزوال.
وقال المدير العام لهيئة الحدود والمعابر في الحكومة المقالة التي تديرها حركة «حماس»، المقدم سلامة بركة، إن المعبر يعمل بإيجابية. وذكر أن الإجراءات المصرية الجديدة لم تتضمن تحديد سقف محدد لعدد المسافرين، حيث سيترك الأمر حسب طاقة العمل في المعبر، متوقعاً إقبالاً أكبر على السفر بعد انتهاء فترة الامتحانات وحلول الإجازة الصيفية.
وتجاوز عدد المسافرين يومياً حاجز 400 مسافر من قطاع غزة إلى الخارج، فيما كانت السلطات المصرية في السابق تصر على سفر 300 مسافر فقط، وتعيد ما يراوح بين 30 إلى 60 مسافراً منهم، لدواع أمنية. وقال مصدر مسؤول لـ«الأخبار» إن التسهيلات المصرية تستثني المدرجين على قوائم الممنوعين أمنياً؛ إذ يجب على هؤلاء الحصول على تنسيق خاص مسبقاً كي يتمكنوا من اجتياز المعبر.
وكشف المصدر عن مباحثات تدور حالياً بين حكومة «حماس» والسلطات المصرية لـ«غربلة» هذه القوائم التي وصفها بـ«السوداء»، وكان المسؤول الأول عنها في عهد النظام المصري السابق جهاز أمن الدولة «المنحل». وأكد المصدر أن المباحثات مع الجانب المصري تهدف إلى «تصفية» هذه القوائم، وإنصاف المظلومين والأبرياء الذين أضيفوا إليها ظلماً وبتقارير أمنية كيدية، بحيث لا يبقى على هذه القوائم إلا من يمثّلون خطراً حقيقياً وفعلياً على أمن مصر وسلامتها، متوقعاً إنجازها تماماً في غضون ثلاثة أشهر.
ورأى المتحدث باسم حركة «حماس» سامي أبو زهري قرار فتح المعبر «خطوة مهمة في طريق تطوير العلاقات بين القاهرة وغزة، وبين «حماس» والقيادة المصرية». وقال في وقفة شكر وتقدير للقرار المصري شارك فيها المئات من أنصار حركة «حماس» أمام معبر رفح من الجانب الفلسطيني، إن هذه الخطوة هي «جزء من موقف مصري أكبر لتخفيف وطأة الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني». وأضاف: «هي خطوة تعكس الفارق بين القيادتين المصريتين، السابقة التي كانت تصر على إغلاق المعبر والتضييق على المسافرين، والحالية التي تسعى إلى أن يتنقل المواطنون بنحو أفضل وبطريقة متدرجة».
ورأت إسرائيل أن قرار فتح المعبر دائماً وإدخال تسهيلات على حركة السفر فيه «يأتي مخالفاً للاتفاقات الموقعة بين إسرائيل ومصر». ونقلت الإذاعة الإسرائيلية العامة عن مصادر سياسية مسؤولة في الحكومة الإسرائيلية قولها إن إسرائيل «تخشى من أن يستخدم المعبر لتسلل عناصر إرهابيين إلى قطاع غزة ما لم تخضع حركة العبور لأي مراقبة».
ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون قوله، إن «لإسرائيل ومصر مصالح مشتركة في محاربة الإرهاب الدولي والممارسات العدائية التي تقوم بها حركة حماس». وأعرب عن اعتقاده بأن التعاون بين البلدين سيستمر لمصلحة جميع الأطراف.
بدورها، رأت صحيفة «معاريف» العبرية في فتح معبر رفح مفاجأة جديدة تضاف إلى سلسلة مفاجآت لم يستطع أن يتوقعها النظام الأمني الإسرائيلي، بما فيه أجهزة الاستخبارات. وقالت «معاريف» إن هذا الفشل في توقع السلوك المصري تجاه معبر رفح، يضاف إلى سلسلة إخفاقات استخبارية في الفترة الأخيرة، من بينها تصريحات رئيس قسم الاستخبارات الذي أعلن قبل الثورة في مصر بأيام أن نظام الرئيس السابق حسني مبارك مستقر.
وذكرت أن هذا الفشل يضاف إليه أيضاً اتفاق المصالحة بين حركتي «فتح» و«حماس»، الذي أبرم رغم «أنف إسرائيل»، وأيضاً أحداث سفينة «مرمرة» التركية، وما ارتكبته قوات الكوماندوس الإسرائيلية. ولفتت إلى تصريحات مدير الفرع السياسي والأمني في وزارة الأمن الإسرائيلية عاموس جلعاد، قبل أسابيع قليلة، حين قال فيها إنه «لا نية لدى المصريين بتغيير الواقع في معبر رفح، بما هو مخالف للتصريحات العلنية للمسؤولين المصريين الذين تعهدوا بفتح المعبر خلال الأيام المقبلة».



المعبر والأنفاق

يأمل الغزيون المحاصرون أن يمثّل قرار مصر بفتح معبر رفح البري، خطوة رئيسية نحو فك العزلة المفروضة على قطاع غزة منذ فرض الحصار عليه قبل نحو أربع سنوات. ويعد معبر رفح «الرئة التي تتنفس منها غزة»، فهو المنفذ الوحيد لنحو مليون ونصف مليون فلسطيني يقطنون في قطاع ساحلي صغير منبسط على مساحة 360 كيلومتراً مربعاً، بمحاذاة البحر، فيما تغلق إسرائيل المعابر الستة الخاضعة لسيطرتها، وكلها تجارية، باستثناء معبر بيت حانون «إيرز» المخصص لحالات إنسانية نادرة، وتنقل شخصيات ورجال أعمال «قلائل» من خارج «القائمة السوداء» التي تضم معظم أهالي القطاع وتحرمهم إسرائيل من التنقل من الضفة الغربية وإلىها.
ويرى مراقبون أن من شأن القرار المصري بفتح المعبر أن يحسن صورة مصر لدى أهل القطاع، كما سيمثّل القرار «مسماراً» إضافياً في نعش ظاهرة أنفاق التهريب، وخصوصاً إن تطور من اقتصاره على حركة الأفراد إلى التبادل التجاري.