صنعاء | مع بداية دخول الرئيس علي عبد الله صالح في لعبة الجيش والتلويح بالورقة الأمنية بشدة، لم يكن أمام مجموعة من قادة الجيش اليمني غير التحرك خطوة إلى الأمام، وذلك بإعلان «البيان رقم 1»، وخصوصاً مع خطوة صالح التي قام بها، بتسليم مدينة زنجبار لمجاميع مسلحة قيل إنها تابعة لتنظيم «القاعدة»، رغم تأكيدات لمواطنين هناك قالت إنهم ليسوا سوى مسلحين اعتادوا السير في شوارع زنجبار بسلاحهم الشخصي تحت أنظار السلطات المحلية هناك.ويمكن قراءة أهمية البيان من حيث الأسماء، التي وقّعته واعتباره نقطة قوة كبيرة، بسبب انتماء هؤلاء القادة العسكريين لمختلف المناطق اليمنية، وبالتالي يمكن اعتبار هذا التنوع الذي حمله بمثابة رسالة طمأنة لليمنيين في المحافظات الجنوبية، والقول إن مسألة التفرد المناطقي بكيان القوات المسلحة اليمنية، بحسب ما كان قائماً، لن يكون له مجال في الأيام المقبلة بعد رحيل نظام صالح. فنجد اللواء الركن عبد الله علي عليوه، وزير الدفاع السابق، مستشار القائد الأعلى للقوات المسلحة، من منطقة أبين بقي وزيراً للدفاع نحو خمس سنوات وفي عهد وزارته بدأ التحايل على مستحقات المسرحين الجنوبيين من الخدمة، من دون علمه.
كذلك، وقّع البيان اللواء الركن حسين محمد عرب، وزير الداخلية الأسبق، وهو من أبناء منطقة أبين، وقد تحدث يوم أمس عن اتصال هاتفي تلقاه من الرئيس يطلب منه تسلّم مهمات محافظ المحافظة، لكنه رفض ذلك. كذلك يبرز اللواء الركن سيف محسن الضالعي قائد المنطقة العسكرية المركزية، منتمياً إلى منطقة الضالع المشهورة بتصدير الثوار ونصرتهم.
أما اللواء الركن الظاهري الشدادي، رئيس أركان المنطقة الشمالية الغربية، فينتمي إلى محافظة البيضاء الواقعة في مساحة فاصلة بين المناطق الجنوبية والشمالية، وقد شهدت حوادث كثيرة أثناء الصراع المسلح بين قوات الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية. وينتمي اللواء عبد الملك السياني، وزير الدفاع الأسبق إلى منطقة الرئيس صالح، وقد تعرض لصفعات كثيرة من ناحيته، وذلك بداية من عام 1995 بعدما سقطت جزر حنيش في يد القوات الأريترية أيام كان وزيراً للدفاع. قام الرئيس بعدها، وفي نوع من الإهانة الشخصية له، بعزله من الوزارة وتعيينه وزيراً للنقل التي لم يستمر فيها طويلاً، ليُنحّى ويُعيَّن مستشاراً بغير وظيفة. لكن اللافت تعرض السياني لعدد من محاولات الاعتداء في فترات متباعدة، وخصوصاً في مسكنه الشخصي القريب من ميدان السبعين دونما اعتبار لعلاقة القرابة التي تجمع بينهما. وربما هذا ما دفعه إلى إعلان انضمامه مبكراً إلى ثورة الشباب، ومن ثم ظهوره في قائمة الموقعين البيان رقم واحد.
كذلك نجد اللواء الركن صالح علي الضنين، مستشار القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي ينتمي إلى منطقة الرئيس أيضاً، وكان إلى قبل ثلاث سنوات يُعَدّ يد الرئيس اليمنى في مدينة تعز بقيادته للمحور العسكري هناك، لكنه عزله نتيجة تورط الضنين في اشتباك مسلح راح ضحيته أحد المستثمرين العرب في صنعاء. ويمكن ملاحظة اسم اللواء الركن محمد علي المقدشي، قائد المنطقة العسكرية الوسطى، وهو من أبناء مدينة ذمار (جنوبي صنعاء) المشهورة بقدرة المنحدرين منها على الوقوف في وجه الرئيس صالح، وهي من المناطق التي طالما أعلن خشيته منها، لذلك سعى إلى الارتباط بها أسرياً من طريق نجله أحمد المتزوج بواحدة من قبائل ذمار الكبيرة.
وبمجرد ظهور البيان وما يعكسه من سيطرة تامة على مفاصل القوات المسلحة، ظهرت العديد من التساؤلات، ولعل أولها لماذا لا يستعيد أصحاب البيان رقم واحد مدينة زنجبار، حيث لم يعد هناك احتمال لنشوء صدام مع قوات الحرس الجمهوري بعد انسحابها، وبهذا لن يكون هناك تعارض مع مفهوم سلمية الثورة. ويظهر سؤال يقول بمدى قدرة القوة العسكرية التابعة للفرقة أولى مدرع، ومن انضم إليها من القوات الأخرى الموقعة للبيان، الصمود في وجه الاستفزازات المتكررة التي يقوم بها عناصر تابعون للرئيس علي عبد الله صالح من خلال مهاجمتهم لموقع المعسكر، وهي الهجمات التي تكثفت بعد الاشتباكات التي وقعت بين قوات صالح والعناصر القبليين الموالين للشيخ صادق الأحمر.
لكن في اتجاه آخر، وفي ضوء ما يترتب على إعلان مثل هذا البيان، ظهرت أسئلة عن مدى استفادة ثورة الشباب منه وقدرته على حماية ثورتهم السلمية، وعدم جرهم لأتون صراع مسلح قد ينشب في أي وقت، وذلك على اعتبار أن قدرة الجندي محدودة على احتمال الاستفزاز، وأنه لن يبقى حتى النهاية في موقع الدفاع عن النفس، مكتفياً برد الهجمات التي تستهدفه، وخصوصاً أنه يرى هشاشة تلك القوات وعدم قدرتها على الصمود في وجه العناصر القبليين الموالين للشيخ صادق الأحمر، الذين استطاعوا في ظرف ثلاثة أيام الاستيلاء على جميع المباني الحكومية الواقعة في النصف الشمالي من العاصمة صنعاء، دونما بذلهم لمجهود كبير في ذلك.
ويبقى السؤال الأبرز في ما يخص الضوء الخارجي المحتمل من أن إعلان البيان رقم واحد قد حصل عليه، وخصوصاً من السعودية، حيث لا يمكن اتخاذ خطوة كهذه من دون حتى التشاور معها، وذلك على قياس حجم التقارب الأخير الذي حدث بين اللواء علي محسن الأحمر مع أبناء الشيخ الأحمر، والذي أدى إلى إعلان تكتلهم ضد الرئيس صالح ودعم ثورة الشباب. كذلك يمكن تأكيد هذا من خلال حالة الفتور التي وصلت إليها علاقة صالح بالمملكة، بعدما أعلن الأخير أنه لم يعد على علاقة جيدة بغير الملك عبد الله، فيما يقف الآخرون في موقف معارض له. لكن الأنباء الأخيرة التي وردت عن اتصال هاتفي جرى بينه وبين الملك عبد الله، أفادت بأن هذا الأخير طالبه بأنه قد حان الوقت لإعلانه التنحي عن السلطة، ما يعني أن المملكة قد وضعت لنفسها موطئ قدم في مساحة جهة أخرى غير جهة علي عبد الله صالح، الذي لم يعد صالحاً لقادم الأيام. ولعل إعلان البيان رقم واحد ينبئ بهوية أصحاب تلك الجهة الجديدة.



57 قتيلاً في مجزرة جديدة للنظام في تعز



نجحت قوات الأمن اليمنية في فضّ اعتصام ساحة الحرية في مدينة تعز، بعد ارتكاب مجزرة أودت بحياة 57 من المعتصمين، من دون أن تتمكن من كسر عزيمة الثوار على مواصلة الاحتجاج حتى رحيل علي عبد الله صالح
يبدو أن مدينة تعز اليمنية على موعد مستمر مع مجازر النظام كلما اشتد الخناق من حوله، في مشهد لا تتبدل تفاصيله، باستثناء عدد الضحايا الذي يتحكم فيه مزاج الرئيس اليمني علي عبد الله صالح. وهو مزاج تبيّن أن «البيان رقم 1» الذي أصدره كبار الضباط في الجيش اليمني، وأعلنوا فيه تأييدهم الكامل للثورة، عكّره إلى أقصى الحدود.
وبينما كان صالح مجتمعاً بعد ساعات من إصدار البيان مع من بقي من قيادات القوات المسلحة له ليدعوهم إلى «الصمود ومواجهة التحدي بالتحدي»، في تأكيد جديد لعزمه على التمسك بالسلطة مهما كلف الأمر، كانت قواته تستعد لاقتحام ساحة التغيير في تعز، وارتكاب مجزرة بحق المعتصمين امتدت لعشر ساعات، وأسفرت في نهاية المطاف عن مقتل 57 محتجّاً، فضلاً عن سقوط قرابة ألف جريح.
أما المعتصمون فكانوا، جرياً على عادتهم منذ اندلاع الاحتجاجات، يفترشون ساحة الحرية في أعقاب عودتهم من مسيرة طالبت بإطلاق سراح سجناء احتُجزوا في أمن مديرية القاهرة، قبل أن يفاجأوا بقوات الأمن المركزي والحرس الجمهوري المنتشرة على أسطح المنازل، عند السادسة من مساء أول من أمس، تستفزّهم من خلال رمي الحجارة وإطلاق الرصاص، قبل أن تعمد إلى محاولة اقتحام الساحة مستعينةً بجرافات.
ومع إصرار المعتصمين على الثبات في أماكنهم، صعّدت السلطات من العنف، ففتحت النار باتجاههم من أكثر من اتجاه، من الحارات المطلة على ساحة الاعتصام، مستخدمةً الرشاشات الثقيلة من عيار 12.7 وقنابل الغاز، قبل أن تكرر محاولة اقتحام الساحة، وتحديداً المستشفى الميداني الذي كان يؤوي 200 مصاب في داخله.
وبالتزامن، تولّت مجموعات أخرى إطلاق النار بكثافة في الشوارع المجاورة للساحة، لمنع المواطنين الذين حاولوا القدوم لإنقاذ المحتجين، من الوصول. كذلك تولّت القوات الأمنية التي نجحت في الوصول إلى خيم المعتصمين وإضرام النيران فيها، ملاحقة المحتجين الذين اضطروا إلى الفرار، واعتقال عدد منهم، إضافة إلى اعتقال عدة صحافيين كانوا موجودين في فندق يقع بالقرب من الساحة، بينهم مصوّر قناة العربية محمود طه.
ومع انتهاء جولة العنف غير المسبوقة ضد المحتجين، بدأ حجم المجزرة يتكشّف، بعدما أكد الطبيب أحمد عقلان، أحد أطباء المستشفى الميداني في تعز، أن عدد القتلى وصل إلى 50، مرجّحاً ارتفاع الحصيلة، إذ إن «عدد الجرحى وصل إلى نحو ألف جريح، بينهم المئات في حالات حرجة».
ولفت إلى أن عشرات المحتجين لم يُسعَفوا نتيجة اقتحام القوات الأمنية للساحة، فيما نقل موقع «التغيير» اليمني عن مصادر متطابقة تأكيدها إشراف مدير أمن تعز عبد الله قيران، إلى جانب عدد من كبار ضباط المدينة، على عملية اقتحام ساحة الحرية.
في هذه الأثناء، ذكر شهود عيان أن الدبابات والمدرعات انتشرت في الساحة، بعدما طُرد المحتجون المعتصمون، فيما تجمع المتظاهرون على أسطح البنايات المجاورة، مؤكدين أن «الحركة الاحتجاجية لن تتوقف أبداً».
وفي السياق، أدان التحالف المدني للثورة الشبابية استمرار النظام اليمني بانتهاج العنف، داعياً إلى تصعيد سلمي في مختلف ساحات الحرية والتغيير في المحافظات، مشدداً على أن «المسيرات السلمية هي الوسيلة الوحيدة والمثلى لإسقاط نظام مستبد لا مجد له ولا بقاء إلا بالفتن والحروب».
بدورها، أصدرت أحزاب اللقاء المشترك بياناً أكدت فيه استنكارها لـ«استمرار الرئيس صالح، وما بقي له من قوات عسكرية وأمنية وميليشيات مسلحة، بارتكاب مزيد من الجرائم ضد الإنسانية، المستهدفة شباب الثورة الشعبية السلمية في ساحات التغيير وميادين الحرية، والآمنين من النساء والأطفال والشيوخ في منازلهم وقراهم».
وناشدت المعارضة المجتمع الدولي ومجلس الأمن «اتخاذ قرارات ومواقف حاسمة تحمي أبناء اليمن من هذه الهستيريا، وإيقاف نزف الدم وإحباط مخططات صالح الرامية إلى إحداث فوضى عارمة وإشعال الفتن والحروب»، في وقت طغت فيه أنباء المجزرة في تعز على ساحة التغيير في صنعاء، حيث اتهم المعتصمون صالح باللجوء إلى العنف في محاولة لترويعهم، متوعدينه بالبقاء حتى تحقق مطلب رحيله.
في غضون ذلك، استمرت المعارك في مدينة زنجبار التي أحكمت عناصر مسلحة، يُعتقد أنها تتبع لتنظيم القاعدة، السيطرة عليها. وواصل عناصر اللواء 25 ميكانيكي التصدي للمسلحين بالتعاون مع عدد من رجال القبائل، فيما أوضح مصدر أمني أن أربعة عسكريين، بينهم عقيد، قتلوا في كمين نصبه عناصر القاعدة على بعد كيلومتر واحد من زنجبار. وقُتل جنديان يمنيان في انفجار قذيفة صاروخية أطلقها مسلحون على ثكنة اللواء 25 ميكانيكي المحاصر في المدينة.
كذلك أفاد مصدر أمني آخر بأن أربعة مسلحين من القاعدة قتلوا خلال المعارك مع جنود اللواء 25 الذين يدعمهم قرابة مئتي مسلح من قبائل أبين، فيما تحدث سكان عن قصف السلاح الجوي اليمني منطقتي باجدار والخلا، شرق زنجبار، حيث يعتقد أن مسلحين من القاعدة يتحصّنون في هاتين المنطقتين.
إلى ذلك، كثّفت قوى الأمن اليمنية أعمال البحث عن ثلاثة فرنسيين اختفوا في جنوب شرق البلاد. ونفى وكيل محافظة حضرموت عمير مبارك عمير، حيث اختفى الفرنسيون الثلاثة، وجود «أي دليل على اختطافهم»، مشيراً إلى أنهم «فُقدوا بين عملهم وسكنهم».
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)