لا يمكن اختصار المشهد الليبي الحالي بقوة العقيد معمر القذافي العسكرية والأمنية كسبب لاستمراره في السلطة حتى هذا الحين، ولم يعد الموضوع القبائلي ورقة رابحة في يد السلطة، كما كانت الصورة عليه في بداية ثورة 17 شباط. ففي نظر المتحدث باسم المجلس المحلي لمدينة سرت، التابع للمجلس الوطني الانتقالي المعارض، أبو بكر الفرجاني، يتقدم حلف شمال الأطلسي نفسه ببطء في عمليته العسكرية ضد كتائب القذافي، بهدف إبقائه فترة أطول في السلطة، وبالتالي ارتفاع قيمة الفاتورة المطلوب من المعارضة دفعها للدول العظمى والشركات الكبرى التي تقف خلفها.المعارض الليبي، الذي خرج حديثاً من مدينة سرت (معقل قبيلة القذافي)، يرى أن «المناطق التي تسيطر عليها الكتائب سيطرة شبه تامة الآن هي طرابلس وسرت وسبها، لكن هذه السيطرة لا تعني تأييد القبائل الموجودة في هذه المناطق كلياً للنظام». ثمة ثلاث قبائل كبرى في ليبيا هي الورفلة والمقارحة والفرجان، لكن ما يمكن استنتاجه الآن أن القذافي لا يتمتع على المستوى القبائلي سوى بدعم القذاذفة، ومنهم فخذ «بيت القحوص»، فيما تراجع تأييد المقارحة للنظام، بسبب مقتل وزير الاتصالات السابق عضو اللجان الثورية الفاعل، سعيد راشد المقرحي، على يد القذافي. وراشد هو ابن عم الرجل الثاني في النظام (سابقاً) عبد السلام جلود، وقريب مدير الاستخبارات عبد الله السنوسي، والأخيران يخضعان للإقامة الجبرية بسبب خلافهما مع العقيد.
إضافةً الى مماطلة الأطلسي في تسريع الحسم، ثمة عوامل ذاتية قد تكون أحد أسباب استمرار العقيد في السلطة، هي قوته العسكرية والأمنية وما لديه من أسلحة وعناصر مرتزقة. عن هذه العوامل يوضح الفرجاني في حديثه لـ «الأخبار»، أن هنيبعل معمر القذافي قائد الفوج (32) المسؤول عن الحرس الثوري أيضاً (الجمهوري)، هو الشخصية العسكرية الأقوى في النظام الآن، وخصوصاً بعد المشاكل التي حصلت بين شقيقيه خميس وسيف الإسلام، لذلك يحظى هنيبعل بدعم قوي من والده ومن رجال السلطة.
وفي ما يتعلق بنجل القذافي الأكبر، يؤكد الناشط الليبي أن محمد القذافي، الذي يبتعد من الأصل عن السياسة، انشقّ عن والده، وهو يقيم في تونس إلى جانب شقيقته عائشة، وزوجة القذافي صفيّة. أما ما قيل عن مقتل نجل العقيد سيف العرب، في الغارات الجوية، فيدحض هذه الأقوال، مؤكداً أن سيف العرب كان يعاني مشاكل صحية، لذلك ضحّى فيه القذافي ودفع الى قتله لاستغلال ذلك في تعبئة الجماهير ضد الأطلسي.
وعن المرتزقة، يوضح الفرجاني أن النظام استقدم في الفترة الأخيرة عدداً كبيراً من الموريتانيين ومنحهم الجنسية الليبية ليقاتلوا في صفوف الجيش الليبي. على كل حال، يبدو أن النظام بات في مأزق صعب هذه الأيام، حسب الأجواء التي يرسمها الفرجاني. ففي العاصمة التي تسيطر عليها السلطة يطلق معارضون بالونات تحمل شعارات الثوار بين حين وآخر، ما يدل على تغييرات تحصل على الأرض. في الوقت نفسه يقدّم العقيد تنازلات منها استعداده لوقف إطلاق النار، خوفاً من ضربات المروحيات التابعة للأطلسي. لذلك «يتنقّل القذافي متخفيّاً بين الفنادق التي يصلها بأنفاق من مقره في باب العزيزية».
ورغم انتقاده أداء الحلف الأطلسي، يعترف الناشط الليبي بأن هذه القوات تتقدم خطوات إلى الأمام ولو ببطء، فمن حظر التحليق الجوي لطائرات السلطة مروراً باستخدام طائرات أميركية من دون طيار، وصولاً الى استخدام مروحيات «الأباتشي» الهجومية في الأيام الأخيرة، تتحرك الأوضاع لمصلحة المعارضة ولتحقيق هدف حماية المدنيين.
لكن الوضع لن يتغير بسرعة في حال عدم تسليح الثوار، إذ إنّ ضعف الاتصالات بين المعارضين في المناطق الغربية ومعقل الثوار في الشرق، وخصوصاً بعد قصف قوات الأطلسي لمجمع الاتصالات في البريقة، لا يصب في مصلحة المعارضة. يؤكد الفرجاني أن الثوار انتظموا الآن في جيش وطني، وباتت الفصائل الأخرى خاضعة لهذا الجيش وتعمل بإمرته. وعن الخشية من تحول العلاقة مع الغرب الى علاقة تبعية، يشدّد المعارض الليبي على أن «القضية الفلسطينية بالنسبة إلى الثوار هي القضية الأولى»، وأن العلاقة مع أميركا أو فرنسا أو بريطانيا لا تعني التنازل عن هذه القضية، بل «هذه العلاقة لا تتعدى علاقات مصالح، ذات طابع اقتصادي». بمعنى إعطاء الأولوية لشركات من هذه الدول للاستثمار في قطاعات النفط والغاز في ليبيا.
وينفي الفرجاني الصورة التي يزرعها القذافي عن رجالات المعارضة بأنهم يقيمون في فنادق بأنّهم مرفّهون، ويعلّمون أبناءهم في أفضل المدارس، فيما يدفعون بالشباب الليبي الى القتال. ولا ينسى الناشط الليبي في نهاية حديثه لـ «الأخبار» توجيه بعض اللوم الى المسؤولين اللبنانيين، الذين لم يحددوا موقفهم مما يجري في ليبيا بوضوح.
على ما يبدو فإن موقف الثوار الليبيين يمر بمرحلة دقيقة هذه الأيام، تراوح بين الحفاظ على استقلاليتهم ودفع فواتير دعم الأطلسي لقضيتهم. لعل النفط الذي يثير شهية الغرب هو نفسه التعزية للثوار، لدفع فواتير التدخل الغربي من دون ارتهان.