صنعاء| كان الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى ما قبل اندلاع ثورة الشباب اليمنية يتحدث بصفته الناطق الوحيد باسم اليمن، رغم وجود تعددية سياسية وإن كانت شكلية. لكنه كان يعرف جيداً أن المعارضة لم تصل بعد إلى المستوى الذي يمثل خطراً مهدداً لحكمه. إضافةً إلى حشره قوة الجيش والقوات المسلحة في أي خطاب له، ظل صالح يستخدم موضوع الجيش فزاعةً في وجه الآخرين وأنه «الحامي المتين لأمن اليمن واستقراره».
لكن ظهر الأمر وقد اختلف جذرياً مع اندلاع ثورة الشباب اليمنية، وقدرتها على خلق تمايزات داخل بنى يمنية متعددة؛ قبلية وعسكرية وسياسية، وهو ما أعاد تشكيل هذه البنى، وأعاد ترتيب أوراقها على الساحة اليمنية. فعلى مستوى القبيلة، ظهر أن ورقة العصبية القبلية لم تعد صالحة لأن يلعب عليها صالح، الذي أمعن في انتهاك الأعراف القبلية وسعى طول فترة حكمه إلى تدمير قيمها العالية المختصة بحفظ سير الحياة الاجتماعية وتنظيمها بين القبائل. هذا الانتهاك الذي ارتكبه صالح جعل القبائل تتخذ منه موقفاً معارضاً، وظهر جليّاً أو تبلور خلال الاشتباكات التي اندلعت بين قواته وبين أنصار آل الأحمر. وقد جاء هذا الموقف نتيجة لتأكد تلك القوى القبلية أن صالح لم يحترم يوماً أعراف القبيلة ولا مشايخها، وأنه كان يستخدمهم لضربهم بعضهم ببعض وإثارة المشاكل باستمرار فيما بينهم، ما يشغلهم عنه فيما يقف هو متفرجاً من بعيد.
ومن خلال النظر إلى المواجهات الدائرة اليوم بين قوات صالح وآل الأحمر، نجد أن الأول قد تعرض لضربات موجعة وعمليات لكسر لتلك الصورة، التي كان يروجها للقوات التي في حوزته، وقدرتها على حسم أي صراع مسلح لمصلحته بسهولة.
فمن خلال مجريات الأمور على الأرض، ظهرت قدرات قتالية عالية لعناصر القبائل الموالية لآل الأحمر ونجحوا في تكبيد قوات صالح خسائر فادحة، إضافةً إلى قدرتهم على احتلال مواقع حكومية مهمة في النصف الشمالي من العاصمة وفي وقت قياسي. وفي النتيجة، تبدو مواجهات قبائل آل الأحمر وقدرتهم على استعراض قوتهم مؤشراً إلى دور مستقبلي، قد لا يكون من السهل أن يتخلوا عنه لاحقاً خصوصاً مع حتمية إبقاء آل الأحمر موضع قدم لأنفسهم في بنية الدولة اليمنية القادمة.
لكن هناك من يقول إن الرئيس علي عبد الله صالح ومن خلفه قوات الحرس الجمهوري والحرس الخاص، لم يدخلا المعركة بعد، وإن هذه الخسائر التي تتكبدها قوات صالح لم تكن إلا لعبة منه، كان يريد من خلالها إدارة الأنظار عن إشكالية توقيعه لاتفاق التنحي عن السلطة، فضلاً عن توجيه النقاش نحو ثورة الشباب اليمنية وتدويرها باتجاه تظهير الأحداث الجارية على أنها نوع من الصراع على السلطة بينه وبين آل الأحمر، وهو ما نجح فيه إلى حد بعيد.
وقد يبدو هذا الطرح أكثر مقاربة للوضع الراهن، وما يجري فعلاً على الأرض من خلال عدم اشتراك قوات «الفرقة أولى مدرع» التابعة لعلي محسن الأحمر، لعلمه الأكيد أنّ قوات الحرس الجمهوري الخاصة لم تنزل بعد، وأنها تراقب فقط وتنتظر لحظة إنهاك الطرف الآخر لتنزل حاسمة المسألة. لكن رغم القوة المفترضة لقوات الحرس الجمهوري التابعة لنجل الرئيس صالح وتجهيزاتها العالية ومستواها التدريبي العالي، لا يمكن القول إنها ستكون نقطة حاسمة وقوة فاصلة في الصراع الحالي، نظراً لاختلاف طبيعة الصراع الدائر اليوم واقترابه من حالة الحرب الأهلية، التي لا يمكن فرقة نظامية أن تتصرف فيها على نحو طبيعي، كما لو كانت تواجه فرقاً نظامية مثلها.
في المقابل لا يمكن الاستهانة بقدرات «الفرقة أولى مدرع» التابعة لعلي محسن الأحمر، والفرق الأخرى التي انضمت إليه وشاركته معه في إعلان البيان الرقم واحد. فرغم تعمد الرئيس صالح إهمال مسألة تحديث الآليات والبنى التحتية لقوات علي محسن الأحمر، وكان هذا يحدث بنحو منظم ومبرمج بعد عودة نجله أحمد من الخارج إثر إتمام دراسته وبدء التمهيد لمشوار التوريث، كان علي محسن الأحمر متنبهاً لما يجري، واستطاع بطرقه الخاصة مواصلة تحديث تجهيزات قواته الخاصة.
في المقلب الآخر، تبدو القوى السياسية المعارضة في اليمن في حالة لا تسمح لها بأن تكون طرفاً حاسماً على مستوى ما بعد حسم الصراع اليوم. فرصيد هذه القوى المعارضة لدى الجماهير لا يبدو جيداً للغاية، حيث نالت ثورة الشباب اليمنية منهم الكثير، وذلك عبر إظهارهم تابعين للفعل لا صانعين، حتى وإن أكد بعض قادة المعارضة أنهم كانوا منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة مع الشباب في الشارع، وأن هؤلاء الشباب في الأساس هم من كوادر أحزاب المعارضة نفسها.
كذلك ظهر موقف المعارضة هزيلاً، في نظر العامة، وهي تذهب في التفاوض مع الرئيس صالح وتساهم في إعطاء ثورة الشباب صبغة الأزمة وتدويرها في الخارج على هذا الأساس، وهو ما استغّله مجلس دول التعاون الخليجي وأعاد تقديمه على شكل مبادرة لاقت رفضاً شعبياً وشبابياً كبيراً. وبالتالي لم تنجح هذه الأحزاب في خلق علاقة متينة لها مع مختلف الفئات الشعبية، خصوصاً أنها على ثقة ويقين أن نظام الرئيس علي عبد الله صالح في أيامه الأخيرة، وبالتالي كان عليها أن تلعب جيداً بأوراقها، من دون أن تهمل الورقة الشعبية من حساباتها على أنها ورقة حاسمة من أوراق الفترة المقبلة.
وأظهرت أحزاب المعارضة اليمنية نفسها موقفاً هلامياً من الصراع الدائر اليوم بين عناصر آل الأحمر وبين قوات علي عبد الله صالح، بقولها إنها لا تقف موقفاً منحازاً لأحد من الطرفين لكنها ضد الاعتداءات التي حصلت على منزل الشيخ صادق الأحمر. وكان يمكن القبول بطرح أحزاب المعارضة هذا في الأيام الأولى للصراع، لكن لم يكن مقبولاً أن يستمر هذا حتى اليوم إذ ظهرت المعارك، وقد انتقلت باليمن الى صورة قبلية شاملة وهذا ما يتناقض مع نظرة بعض الأحزاب التقدمية المكونة لأحزاب المعارضة تلك. وبالتالي سوف يعمل هذا على تأكيد تلك الصورة المهزوزة عنها في نظر كوادرها بدرجة أولى، وفي نظر كوادر الأحزاب الأخرى، وهو ما يؤثر على مسألة أدائها دوراً فاعلاً بعد رحيل النظام الحالي.



السعودية تدعم جميع أطراف الصراع

يبدو أن الموقف السعودي سيكون حاسماً لجهة المنحى الذي ستأخذه التطورات على الساحة اليمنية خلال المقبل من الأيام. وفي السياق، أوضحت وكالة «رويترز» أن الكثير من الوسطاء المشاركين في المحادثات لضمان رحيل الرئيس اليمني، علي عبد الله صالح، يقولون إن السياسة السعودية تجاه اليمن متأثرة بانقسام في الرياض بشأن أي فصيل يمني تنحاز إليه، وأن فروعاً مختلفة من الأسرة السعودية الحاكمة تموّل اللاعبين الثلاثة الرئيسيين في الصراع وهم أولاد الأحمر والرئيس اليمني واللواء علي محسن الأحمر. من جهة ثانية، نقلت وكالة «فرانس برس» عن مدير قسم دراسات الأمن والدفاع في مركز الخليج للأبحاث في دبي، مصطفى العاني، قوله إن «الميزان العسكري ما زال يميل الى صالح الذي يسيطر على قوات النخبة، فيما القوات المتمردة تمثل القوات التقليدية»، مشيراً إلى أن القوات المنشقّة بقيادة اللواء علي محسن الأحمر «قررت عدم التورط في مواجهات عسكرية وهي لا تتواجد بكثافة في صنعاء». بدوره، أوضح الخبير في معهد بروكينغز في الدوحة، ابراهيم شرقية، أن صالح «يعتقد أنه ما زال يسيطر على الجيش»، مشيراً إلى أن «هذا صحيح إلى درجة كبيرة، لأنه يسيطر على ثلثي الجيش اليوم، وحتى الآن لم نشهد حركة انشقاق أكبر لتغيير الموقف».
(رويترز، أ ف ب)