منذ أن لجأ الرئيس اليمني، علي عبد الله صالح، إلى محاولة تحوير مسار الاحتجاجات السلمية التي اندلعت لمطالبته بالتنحّي عن الحكم، من خلال استفزاز أبناء الأحمر محاولاً اللعب بالورقة القبلية، أدرك اليمنيون أن الآتي من الأيام لن يحمل معه سوى المزيد من الاقتتال، بعدما تيقنوا أن صالح اختار اعتماد سياسة الأرض المحروقة، وعدم مغادرة كرسي الحكم إلّا بعد اعادتة البلاد سنوات إلى الوراء، على غرار اللحظة التي تسلّم فيها السلطة في عام 1978 عندما كان اليمن غارقاً في الفوضى والحرب الأهلية.
وبالفعل أدخل التفجر غير المسبوق للعنف، الذي شهدته العاصمة اليمنية صنعاء أمس بعد القصف الذي تعرض له المقر الرئاسي، البلاد في نقطة اللاعودة، رغم تضارب المعلومات حول من يقف وراء القصف. فبينما كان اليمنيون، جرياً على عادتهم كل يوم جمعة، منقسمين بين ساحة ميدان السبعين حيث كان أنصار الرئيس يحيون «جمعة الوفاء»، وبين ساحة التغيير في صنعاء حيث تظاهر الثوار تحت شعار «جمعة الوفاء لتعز» وشيعوا 50 محتجاً قتلوا خلال الأيام الماضية على ايدي النظام، أتت الأنباء عن تعرض القصر الرئاسي للقصف لتطغى على ما عداها من أحداث. ووسط تضارب الأنباء حول وفاة صالح من عدمها، بعدما لجأت قناة «سهيل»، المحسوبة على الشيخ حميد الأحمر، إلى إعلان أن الرئيس توفي أثناء محاولته الفرار من القصر الرئاسي، سعى حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم على مدى ساعات إلى نفي الخبر، مؤكداً أن الرئيس تعرض لإصابات طفيفة في رأسه.
وعلى وقع تأكيد مسؤولي الحزب أن صالح سيظهر علناً لتأكيد أنه بصحة جيدة، خرج الرئيس مساءً برسالة صوتيّة غابت عنها صورته، رغم أنه سبق لنائب وزير الإعلام عبده الجندي أن جزم بأنّ الرئيس سيظهر بالصوت والصورة، وسيلتقي الصحافيين. وأكّد صالح أنّه بخير، محمِّلاً «عناصر خارجة على القانون»، في إشارة إلى آل الأحمر، «لا علاقة لها بما يسمّى ثورة الشباب»، مسؤولية الهجوم، «ما أدى إلى إصابة عدد من المسؤولين، واستشهاد 7 ضباط وعناصر حراسة»، على حد تعبيره. وفي حين تعهّد الرئيس اليمني بمواصلة محاربة «العصابات المتمردة»، في إشارة إلى عشائر «حاشد»، فقد وضع الهجوم في خانة «الانقلاب والحماقة»، وتحدث عن أن الهجوم حصل «في ظل مساعي بعض الشخصيات مع عصابة التمرد أبناء الأحمر»، لتثبيت هدنة، وهو ما وُضع في إطار تحميل عشائر آل الأحمر مسؤولية قصف القصر الرئاسي. وكان لافتاً أن صالح لم يأتِ على ذكر نوع إصابته من قريب ولا من بعيد.
وعُرف من المصابين السياسيين رئيس الوزراء علي محمد مجور، ونائبه رشاد العليمي، ورئيس مجلس النواب يحيى الراعي، الذي وُصفت إصابته بالخطرة، ومحافظ صنعاء نعمان دويد والبرلماني ياسر العواضي.
في غضون ذلك، تضاربت الروايات حول من يقف خلف القصف، على الرغم من أنه جاء بعد اشتداد المعارك بين مسلحي الشيخ صادق الأحمر، زعيم قبائل حاشد النافذة، والقوات الحكومية اليمنية، حيث قصفت وحدات الحرس الجمهوري، قوات النخبة في الجيش اليمني، بكثافة منزل الشيخ حميد الأحمر في جنوب صنعاء، بالإضافة إلى منزل قائد «الفرقة أولى مدرع»، اللواء علي محسن الأحمر ودمرتهما. ونفى مكتب الشيخ صادق الأحمر أي علاقه له بالقصف، محمّلاً الرئيس اليمني المسؤولية عن الهجوم. وبعدما قال مكتب الأحمر إن صالح نفذ الهجوم لتبرير تصعيد الحكومة للمعارك في شوارع العاصمة صنعاء، اتهم الشيخ حميد الاحمر، شقيق صادق، الرئيس اليمني بمحاولة اشعال حرب اهلية في اليمن، مشيراً إلى أن هذه العملية نفذت بعدما «مارس الرئيس ضغوطاً على أخي للتوقيع على هدنة بطريقة غامضة مهد بها لهذه العملية المدبرة والتي استهدفت عدداً من المسؤولين ذريعةً لتدمير بيتي وبيت أخي حُمير واخي مذحج وبيت علي محسن الاحمر في خطوة لتفجير حرب اهلية في اليمن». من جهتها، أفادت قناة «العربية» بأن القصف أتى بعد وقت قصير من زيارة شقيق الأحمر، حُمَيْر، القصر الرئاسي، فيما تحدثت معلومات عن تورط مقربين من الرئيس اليمني، في محاولة انقلابية على أساس أن القصف أتى من جبل النهدين المطل على القصر الرئاسي الذي تتولى القوات الأمنية الموالية لصالح السيطرة عليه.
واللافت أن هذه التطورات أتت في وقت سرت فيه شائعات منذ ساعات صباح أمس عن أن الرئيس اليمني، الذي رفض عرضاً قدمه له الرئيس السنغالي عبد الله واد خلال اتصال هاتفي بالانتقال إلى السنغال، قد غادر القصر وتوجه إلى مسقط رأسه في سنحان، فيما عادت معلومات أخرى لتتحدث عن توجهه إلى عدن. وفيما نقل بيان للرئاسة السنغالية أن صالح طلب من واد التدخل «لدى فرنسا والولايات المتحدة والسعودية والإمارات، ولدى دول اخرى من اجل توفير شروط وقف اطلاق نار فوري ووضع برنامج انتخابات حرة وشفافة يتعهد صالح بقبول نتائجها»، بعدما اتهم صالح قوى خارجية بالتعاون مع القاعدة لنشر الفوضى في البلاد، سجل تطور لافت مرتبط بالقضية الجنوبية، اذ كشفت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» عن مغادرة وزير الدفاع اليمني، اللواء الركن محمد ناصر احمد، برفقة عدد من السياسيين الجنوبيين المقيمين في صنعاء، بينهم محمد حيدره مدسوس، باتجاه المناطق الجنوبية لتدارس اوضاع الجنوب نتيجة ما يمر به اليمن في الوقت الراهن، بعدما انتقل الوضع اليمني من وجهة نظرهم إلى حالة جديدة أكثر خطورة.
وفي السياق، تتحدث المصادر عن ضرورة التنبه إلى الموقف الذي اتخذه وزير الدفاع في الآونة الأخيرة، مشيرةً إلى أن عدم انضمامه إلى مجموعة الضباط الـ10، الذين اصدروا البيان الرقم 1، دليل على وجود شيء ما يُعدّ للجنوب، وهو ما تأكد مع انتقال المجموعة السياسية إلى الجنوب، ليس فقط في محاولة لتدارس الأوضاع، بل كذلك لضبط الوضع في الجنوب وترتيبه استعداداً للأسوأ، وسط حديث عن تصاعد الاستعدادات للمضي قدماً في خطوة إسقاط المحافظات الجنوبية.
(الأخبار)



دعوات إلى وقف فوري للعنف

مع تصاعد التطوّرات الأمنية في اليمن، طالبت الولايات المتحدة بوقف إطلاق نار «فوري» في اليمن، مندّدة بالعنف «الأعمى» ومجددةً دعوة الرئيس علي عبد الله صالح الى الاستجابة للنداءات الداعية الى تنحّيه. وأوضح المتحدث باسم مجلس الامن القومي، تومي فيتور، أن الولايات المتحدة تراقب تقارير تفيد بأن الرئيس أصيب بجروح، لكنه لا يستطيع تأكيد إصابته، مشدداً في الوقت نفسه على أن النزاع لا يمكن حله إلا من خلال المفاوضات.
من جهةٍ ثانية، اشار فيتور إلى أن مستشار الرئيس الأميركي لشؤون مكافحة الارهاب، جون برينان، سيناقش الخيارات المطروحة لمعالجة الوضع المتدهور في اليمن خلال اجتماعات مع المسؤولين الحكوميين في الشرق الاوسط هذا الأسبوع. وفي السياق، دعا الامين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني (الصورة) كل الاطراف في اليمن الى وقف القتال. وقال في مقابلة مع تلفزيون العربية إن المجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي يتابع بقلق وأسف تدهور الموقف واستمرار القتال، مشيراً إلى أن الموقف مؤسف ولا يفيد أحداً، معرباً عن استعداد دول المجلس لبذل كل الجهود الممكنة لمساعدة اليمن في هذه الظروف.
(أ ف ب، رويترز)