عند أطراف الجليل في فلسطين المحتلة، سقط خليل أحمد محمد، ابن مخيم الجليل في بعلبك، شهيداً. سقط ابن العشرين ربيعاً على عجل. فالحياة لم تتمكن بمغرياتها من كبح جماح ذلك العشق الكبير لحبيبته فلسطين. صحيح أنها المرة الأولى التي ينظر فيها إليها، ويكحّل عينيه برؤيتها، لكنها كانت دائماً في تفكيره وعلى صفحات دفاتره الدراسية «والفايسبوكية» أنشودة يتغنّى بها، وحلماً ضائعاً يحاول استنهاض الهمم لاسترجاعه من غاصب بشع. نزل إليها لاهثاً مع أول فرصة، صلّى بالقرب منها. تغزّل بها. ورشق محتلها، لكنه أطبق عينيه نازفاً بين أحضانها فحلّقت روحه في فضائها، فيما عاد جسده إلى جليل بعلبك.بعد أكثر من أسبوعين على استشهاد خليل، لا تزال صوره تلفّ أزقة المخيم، وكذلك مدخل المنزل وغرفه. في الداخل عائلة فقدت صغيرها «الخلوق والهادئ والمحبوب»، كما يقول والده أحمد محمد. كيف لا، وهناك خصوصية لتعلق العائلة الكبير به. «فهو تعرّض في طفولته لحادثين. بدايةً مع مشاكل صحية خطيرة في الكبد (تشمّع الكبد)، وهو في عمر سنة ونصف سنة، إذ لم يمنحه أحد أطباء الجامعة الأميركية يومها أكثر من سنة حدّاً أقصى لحياته بالنظر إلى حالته السيئة، لكن حكمة رب العالمين، ويقين وإيمان الوالدة، دفعت به جميعها إلى الطب العربي والأعشاب، ليشفى من بعدها بسرعة كبيرة».
أما الحادثة الثانية، فكانت عندما تعرّض لصعقة التيار الكهربائي وهو في عمر ستّ سنوات، لكنه نجا بأعجوبة. في كلّ ذلك لا يرى محمد سوى «حكمة» بأن ينجو، حتى «يُرزق بالشهادة في سبيل فلسطين، اللي مهرها غالي، وحتى ينكسر جدار النكبة وتعود فلسطين» يقول.
«نازلين حتى نرجّع فلسطين، ويوم العودة، هو يوم الزحف إلى فلسطين، وأنا واحد منهم، وسيكون هناك شهداء بالتأكيد، ويمكن أن أكون أنا واحداً منهم». صدقت العبارة التي كتبها طالب السنة أولى تمريض، والتي ما زالت موجودة على صفحة الفايسبوك الخاصة بخليل حتى اليوم. شقيقه خالد يحرص على إطلالته اليومية على صفحة أخيه، التي يؤكد أنها «رح تبقى لأنها كانت بالنسبة إليه المتنفس الوحيد للتعبير عن حبه لفلسطين».
أرشيف كتابات خليل الأخيرة قبل 15 أيار، تركزت جميعها على دعوة سائر أصدقائه إلى المشاركة، ليس في مخيمات الشتات في لبنان فقط، بل في سوريا والإمارات والدنمارك والأردن أيضاً، في ظل إصرار واضح منه على «محو كلمة نكبة، واستبدالها بكلمة العودة»، بحسب شقيقه، الذي شدّد على أن ما كان يكتبه الشهيد «ليس أقاويل يطلقها»، بل عبارة عن «شيء غريب يحصل» كما يقول، فمن سعيه الدؤوب إلى توسيع نطاق المشاركة، وتأكيده لزملائه وأصدقائه أنه «سوف يشارك ولن يعود إلى بعلبك إلا شهيداً أو جريحاً»، إلى حركته وشوقه في الباص إلى الوصول، وركضه والعَلَم بيده طيلة المسافة الوعرة من بنت جبيل حتى مارون الراس حتى السياج، «حيث صلّى هناك إلى جانبي، واستشهد من بعدها» كما يقول خالد.
«الحمساوي»، والعضو في الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين، كان شديد التعلق بكلّ الحركات المقاومة يصل إلى حدّ «التطرّف» في بعض الأوقات، فهي بحسب شقيقه كانت من «المسلّمات التي لا نقاش فيها»، محاولاً في الفترة الأخيرة «الأخذ بتجربة الثورات الشبابية العربية، ومحاولة إسقاطها على واقع فلسطين من أجل تحريرها والعودة إليها» يقول.
أمس، أحيا المخيم ذكرى خليل باحتفال تأبيني أقامته حركة حماس.