«باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطيني، نعلن قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشريف». ربما يعيد التاريخ تكرار نفسه، لنسمع العبارة نفسها التي قالها الشهيد ياسر عرفات يوم أعلن استقلال دولة فلسطين في الجزائر عام 1988. محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، الذي كان موجوداً في تلك الجلسة، قد يقف مجدداً امام المجلس الوطني الفلسطيني، ليعيد قراءة بيان الاستقلال نفسه معلناً قيام الدولة، لكن ذلك سيكون في...2011. حينها، أي في 15/11/1988 حدد «أبو عمار» ملامح هذه الدولة وشكلها لكنه لم يعلن حدودها النهائية، هذه المرة، الدولة معروفة حدودها وهي ضمن أراضي عام 1967. هكذا، وبعد مرور 23 عاماً على إعلان الاستقلال الاول، عاد الحديث مجدداً عن توجه الفلسطينيين الى مجلس الامن لنيل الاعتراف بدولتهم المفترضة. لكن ماذا يعني وجود هذه الدولة بالنسبة إلى اللاجئين؟ هل يتحولون في «ليلة ما فيها ضو قمر» من لاجئين الى مواطنين مهاجرين في «بلاد الاغتراب»؟ هل سيحمل هؤلاء جوزات سفر فلسطينية؟ هل سيتمكنون من زيارة دولتهم بحرية، إذا أراد أحدهم ذلك؟ ما هي توقعاتهم للدولة المفترضة؟ كيف يرونها، وخصوصاً أن «دولة فلسطين» وقيامها هو حلم بالنسبة إليهم؟ أما السؤال الاهم فهو ماذا سيحّل بحق العودة، وخصوصاً أن غالبية اللاجئين هم ممن هجروا من أراضي الـ1948، اراضٍ بالطبع لن تقع ضمن أراضي الدولة الفلسطينية المزعومة؟ تدخل الى مخيم برج البراجنة. اللافتات تملأ فضاء المخيم، وهي هنا تعكس الجو العام الذي يعيشه أبناء المخيم، فمنها يمكنك ان تكتشف مزاج الشارع الفلسطيني. تتأملها فلا تجد واحدة تؤيد او تشجب خطوة السلطة الفلسطينية القاضية بالتوجه الى الأمم المتحدة للمطالبة بالاعتراف بدولة فلسطين في ايلول المقبل. تسأل عما تعنيه الدولة الفلسطينية بالنسبة إلى اللاجئين؟ يلتفت ابو فادي اليك عند سماعه سؤالك. يضحك الرجل وهو يربت كتفك، مشيراً بإصبعه إلى الأعلى. «اطلع لفوق، شايف شرايط الكهربا والميّ، معقول عم تسأل ناس عايشة بهيك وضع عن دولة فلسطين» يقول. يرفض الرجل جملة وتفصيلاً كل ما يدور عن قيام الدولة الفلسطينية، لماذا؟ «لأنني من سخنين، ولن أذهب الى اي مكان آخر غير قريتي، حتى ولو كان ذلك ضمن أراضي دولة فلسطين». يصمت الرجل قليلاً، كمن انتقل الى المستقبل ليعيش فعلاً إعلان قيام تلك الدولة. «أعترف بأنها خطوة مهمة أن نعلن قيام دولتنا، ونتحدى بذلك أميركا واسرائيل، لكننا لن نكون مستقلّين عن الكيان الصهيوني، اذ سيبقى اقتصادنا يعتمد على الشيكل الإسرائيلي، كما أن كهرباءنا وماءنا ستكونان من إسرائيل» يقول.
تغوص اكثر في أزقّة المخيم. تكتشف أن غالبية اللاجئين غير مهتمين بما يدور عن «قيامة» الدولة الفلسطينية؟ «نريد أن نعمل وأن نعيش حياة طبيعية»، يقول وليد صاحب الدكان الصغير على باب المخيم. بالنسبة إليه «مش واصلني إشي اذا صار في دولة أو لا». يتولّى الرجل مهمتك، يوجه أسئلته اليك. «هل ستؤمن الدولة قسط المدرسة للأولاد؟ هل سأستطيع حينها إدخال والدتي الى المستشفى دون تقبيل الأيادي؟». يكمل «ماذا سيعني قيام دولة فلسطينية لنا؟ لا شيء، من قد يستفيد منها هم من في الداخل لا نحن».
تترك مخيم البرج لتتجه الى شاتيلا. هنا في المخيم، الجميع مهتمّ بموضوعين لا ثالث لهما، الحفريات التي كانت قائمة في المخيم، وأخبار مسيرة العودة. تسأل عما يعنيه لهم الاعتراف بالدولة المفترضة. «أنا مع خطوة كهذه»، يقول مصطفى عربيدي. يشرح الشاب موقفه، بأن «المسألة كلها لا تعنيني اذا كان هناك دولة أو لا، المسألة بالنسبة إلي هي مجرد تحد لأوباما ولنتنياهو اللذين كانا استفزازيين برفضهما مثل هذه الخطوة»، يقول الشاب. أبناء المخيمات لا يهتمون لشكل الدولة، أو كيف سيكون نظامها. فبالنسبة اليهم اهم ما في تلك الدولة حدودها، وبمجرد طرح فكرة أن تلك الدولة ستقع ضمن اراضي 1967 يثير استفزازهم. «شو بصير فينا إحنا ولاد 1948؟ يعني هيك ببطل فينا نرجع على أراضينا»، يسأل محمد الدلباني. ترتفع نبرة الشاب تدريجاً «جماعة الداخل شو فارقة معهم، مش سألين علينا احنا ولاد المخيمات». يبدأ الدلباني بكيل الشتائم لممثلي السلطة، ثم يقول «كانوا سيبيعوننا خلال المفاوضات، وكانوا سيتخلون عن حق العودة، أغلب من في السلطة هم من رام الله او غزة وليسوا من اراضي 1848، لذلك لا يهتمّون بنا».
أمام باب منزلها تجلس ام محمود ياسين لترتشف فنجان قهوتها. عندما تسألها عن الدولة ترتسم على شفتيها ابتسامة صغيرة. تقول قد «يعدّونني عميلة، لكن فلسطين بالنسبة إليّ هي حلم جميل، علوّاه لو استطيع العودة اليها، لكنني اعرف انه اذا عدنا فإننا سنعمل على تدميرها بأنفسنا، سنصبح مثل باقي الشعوب نتصارع على حصص سخيفة». تضيف ياسين السيدة الستينية «ليك يا ابني، ما بقا من العمر الا القليل، اعطونا سلطة مفترضة وعم نتخانق عليها، كيف لو صار عنا دولة مزبوط؟». تتجه الى اطراف المخيم، هناك على الحدود مع منطقة صبرا، الحياة اشبه بخلية نحل. تسأل احد الباعة الفلسطينيين، وهو يصرخ مروجاً لبضاعته، عن آماله من الدولة المفترضة في ايلول. «تسألني عن ايلول ونحن في حزيران، اتركني أسترزق الله يخليك»، يقول، لكنه يعود ليصرخ لك. «نحن في المخيمات نعيش كل يوم بيومه، اذا عملنا اكلنا، واذا لم نعمل نموت من الجوع»، يضيف «اذا قامت الدولة، فسنصبح متسولين اكثر مما نحن الآن، سنطلب المال من الدول المانحة وسنكون دولة تقوم على المساعدات، وعلى الهبات الخارجية، اذ إننا لا نملك اقتصاد دولة نستطيع أن نعتمد عليه»، يقول.
المشكلة بالنسبة الى اغلب اللاجئين انهم لا يعرفون شيئاً عن هذه الدولة، اسئلتهم واستفساراتهم عنها اكثر من اجاباتهم. تخرج من المخيم، يستوقفك احد الشبان الذين كانوا قد سمعوك تسأل عن الدولة الفلسطينية. «انظر الى اميركا ماذا تريد، إن كانت توافق على قيام الدولة الفلسطينية فسيكون لدينا دولة غداً». تجيبه أن الرئيس الاميركي رفض فكرة الدولة الفلسطينية. يضيف الشاب ضاحكاً «يعني ما في دولة، اميركا يا حبيبي حاكمة العالم، كل الحكي عن الدولة مسخرة». قبل ذهابه يتلو عليك الشاب مقطعاً من قصيدة محمود درويش «حالة حصار». «نحن مختلفون على كل شيء: على صورة العلم الوطني، ستحسن صنعاً لو اخترت يا شعبي الحيّ رمز الحمار البسيط، ومختلفون على كلمات النشيد الجديد، ستحسن صنعاً لو اخترت أغنية عن زواج الحمام، ومختلفون على واجبات النساء ستحسن صنعاً لو اخترت سيدة لرئاسة أجهزة الأمن». يضحك الشاب ليقول لك «هادي دولة بس بدك شاعر يحكمها».