مع مرور الأيام، يقترب الخطر السوري من الأراضي التركية والحدود المشتركة الممتدة على طول 880 كيلومتراً، وهو ما كانت السلطات في أنقرة تتحسّب له وتحذّر منه. وجاءت أحداث جسر الشغور لترفع من المخاوف على الطرف الآخر من الحدود السورية، إذ استقبلت الأراضي التركية في اليومين الماضيين أكثر من 180 لاجئاً سورياً من تلك المنطقة، بينهم جرحى توفِّي 2 منهم في أحد المستشفيات التركية، وسط طمأنة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى أنه «من غير المطروح» أن تقفل تركيا أبوابها في وجه اللاجئين السوريين.
وقال أردوغان «في هذه المرحلة، ليس مطروحاً أن نقفل الأبواب» (الحدود)، مجدداً دعوة الرئيس بشار الاسد إلى إجراء الاصلاحات التي يطالب بها شعبه.
وأوضح أردوغان، في معرض ردّه على أسئلة الصحافيين في أنقرة، أنه يتابع «بقلق» الأحداث في سوريا المجاورة، مضيفاً «قلقنا يتزايد، فلنأمل أن يقوم (النظام) السوري بخطوات عاجلة على صعيد الاصلاحات وبطريقة تقنع المدنيين». وتابع: «على سوريا أن تغيّر موقفها تجاه المدنيين، ويجب أن تنتقل بموقفها إلى مستوى أكثر تسامحاً في أسرع وقت ممكن».
وكان أردوغان يعلّق على وصول مجموعة جديدة من نحو 180 لاجئاً سورياً فروا في الساعات الماضية من منطقة جسر الشغور خوفاً من حملة عسكرية كبيرة يتوقع أن تستهدف المدينة. وأشارت المعلومات إلى أن معظم اللاجئين من النساء والأطفال الذين نُقلوا إلى مخيم للاجئين أقامه الهلال الأحمر التركي بيايلاداجي، في منطقة هاتاي الحدودية، وذلك بعدما دقّق عناصر الشرطة التركية في هويات اللاجئين السوريين. وتحدثت مصادر دبلوماسية عن وصول 41 لاجئاً في نهاية الأسبوع الماضي، منهم 20 جريحاً أُصيبوا بالرصاص، علماً أن هذا المخيم استقبل في أواخر شهر نيسان مجموعة من نحو 250 سورياً من سكان القرى الحدودية. ومن بين الوافدين الـ180 الجدد الذين دخلوا ليل الثل اثاء إلى الأراضي التركية، 30 جريحاً، توفي منهم اثنان في مستشفى تركي.
وقال رئيس بلدية يايلاداغي المحاذية للحدود السورية، مصطفى كمال داغستانلي، إنّ اللاجئين السوريين لم يتوقفوا عن الدخول إلى بلدته منذ شهر ونصف الشهر هرباً من العنف الدائر في بلادهم، مشيراً إلى أن معظمهم لا يبقون طويلاً في تركيا، إذ عاد منهم عدد كبير إلى قراهم وبلداتهم، علماً أن السلطات التركية تشدد رقابتها على حركة النزوح لأنّ جزءاً كبيراً من الحدود البالغة مساحتها 880 كيلومتراً لا يزال مليئاً بالألغام المزروعة منذ ثمانينيات القرن الماضي عندما كانت الحرب بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني مشتعلة، وبالتالي تخاف أنقرة من وقوع ضحايا سوريين إضافيين.
ونقلت وكالة «فرانس برس» بعض شهادات الجرحى السوريين من أسرّتهم في مستشفياتهم التركية. وقال محمد (31 عاماً) الذي يعمل في طلاء المباني، «أطلق علي عناصر أمن بملابس مدنية النار يوم الأحد. اخترقت رصاصة يدي اليمنى وشلت حركة ثلاث من أصابعي». وتابع «بعد ساعة كنت على الحدود التركية. نُقلت في سيارة الى المعبر، وبعد اجتياز الاسلاك الشائكة نقلتني سيارة إسعاف تركية إلى المستشفى». وأضاف محمد «يوم السبت، كنّا ندفن موتانا. بعد الانتهاء من الدفن، بدأت القوى الأمنية بإطلاق النار. استهدفونا من مبنى البريد المركزي، ومن جميع الجهات». وتابع «شاهدت الكثير من الجثث، لكنني كنت أحاول الاختباء».
بدوره، كرّر وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو تأكيد مخاوف بلاده من اضطرارها إلى مواجهة تدفق اللاجئين السوريين. وقال داوود أوغلو لشبكة «إن تي في» الإخبارية التلفزيونية التركية، «لقد اتخذنا كل التدابير الاحتياطية الضرورية على الحدود»، مشيراً إلى أن السلطات التركية «تسيطر على الوضع» في الوقت الراهن، من دون أن ينسى تكرار أمله أن يحرز النظام السوري «تقدماً في اتجاه اصلاحات سياسية واسعة في إطار جدول زمني محدد يمكن تبريره للشعب»، ذلك «لأن السوريين يأملون انتهاء الأزمة ويجب أن تعلن دمشق خطة عمل». وفي السياق، جدّد رئيس الدبلوماسية التركية نفي أي اتصال لحكومته بالمعارضة السورية. ونقلت وكالة «آكي» الإيطالية عنه قوله إن حكومة بلاده «تنظر إلى الحكومة السورية على أنها نظيرتها الشرعية»، لذا فإن أنقرة «لا تسعى إلى الشروع في أي اتصال مع جماعات المعارضة السورية». وتابع «نحن نتابع عن كثب التطورات في سوريا، فهي بلد مهم في المنطقة، وإحدى أهم الدول المجاورة التي لدينا معها علاقات متعددة الأبعاد على مر السنين»، ليخلص إلى أن «هذا هو السبب الذي يجعلنا نعلق أهمية كبيرة على الحفاظ على السلام الاجتماعي والاستقرار في سوريا، فضلاً عن تحقيق التطلعات الشرعية للشعب في الإصلاح وإرساء ديموقراطية أكبر». وشدد على ضرورة «تجنب العنف والاستخدام المفرط للقوة»، متوقعاً أن «تتقدم عملية التحول الديموقراطي الحقيقية في سوريا عاجلاً وليس آجلاً».
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي، الأخبار)