شيّع مخيم اليرموك شهداء النكسة الذين سقطوا في الجولان المحتل. تشييع الشهداء الاثنين الماضي تحوّل الى نكسة أخرى، نكسة مصغرة، سقط فيها 5 قتلى، كما أعلن بيان تحالف القوى الفلسطينية. في ذلك اليوم المشؤوم تحول تشييع الشهداء الى مواجهة بين عناصر القيادة العامة واللاجئين الفلسطينيين في المخيم. تضاربت الروايات عن حقيقة ما جرى. بالنسبة الى البعض، فإن ما حصل هو بسبب إرسال الفصائل الفلسطينية الشباب الى الحدود من دون أي خطة مدروسة. آخرون قالوا إنه بسبب فساد الفصائل، بينما قال البعض إن السبب هو دخول أطراف أو خلايا نائمة لفصائل أرادت تصفية حسابات سياسية مع فصائل التحالف، ومنهم من قال إن الهدف مما جرى هو إدخال الفلسطينيين في مواجهة مع النظام السوري. لكن ما حصل خلال تشييع شهداء النكسة لم يكن وليد الساعة، إذ إن النفوس كانت مشحونة منذ ما قبل مسيرة النكسة، بل حتى ما قبل مسيرة النكبة. المشكلة كانت منذ بدء الاحتجاجات في سوريا، حينها استنفر الفلسطينيون جهودهم على ألا يكونوا طرفاً في المعادلة الداخلية السورية. اتّبعوا سياسة لا مع النظام ولا ضده، وأرادوا أن يطبّقوا سياسة الحياد الإيجابي.
في مخيم اليرموك، أكبر المخيمات السورية، حاولت بعض الأطراف جرّ الفلسطينيين إلى الصدام مع النظام السوري، وذلك من خلال الهجمات التي تعرض لها الفلسطينيون والسوريون في منطقة الحجر الأسود المحاذية للمخيم، حينها تصدى سكان المنطقة للمهاجمين، ثم «انتقل معظم كوادر القيادة العامة من تلك المنطقة الى داخل المخيم ليسكنوا عند أقاربهم، وذلك لكي لا تتكرر هذه الصدامات»، كما يقول عضو اللجنة المركزية في القيادة العامة أيمن أبو هاشم. حالة التوتر في المخيم ازدادت تدريجاً، فقبل الهجوم على منطقة الحجر الأسود، كانت مستشارة الرئيس السوري، بثينة شعبان، قد أعلنت أن هناك مشاركين من المخيم في الاحتجاجات ضد النظام. المشكلة لم تنته عند هذا الحد، إذ إن المعارضة السورية، بدورها، قالت إن بعض العناصر الفلسطينيين شاركوا في قمع المحتجين وإن «الشبيحة» ليسوا إلا من القيادة العامة.
التوتر هذا انعكس على أبناء المخيم، فشكّلت القيادة العامة لجنة لمنع وقوع أي صدامات ولمنع «خروج عناصرنا أيام الجمعة من المخيم لكي لا تقع أي إشكالات، ولكي لا نتّهم بشيء»، يقول أبو هاشم. يمرّ شهر على حادثة الحجر الأسود، تأتي ذكرى النكبة في 15 أيار، يتوجه الفلسطينيون الى الجولان المحتل، يسقط لهم شهداء. في 16 أيار يدفنون شهداءهم. ثم تبدأ نقاشات في المخيم، هل كان ما حصل مجرد رسالة سورية الى إسرائيل؟ هل استغلّ الدم الفلسطيني لذلك؟ النقاشات لم تخلص الى نتيجة، لكنها أظهرت أن هناك توجهاً بين أبناء المخيم يرفض توجيه الرسائل من خلالهم.
تأتي ذكرى النكسة، ليل الجمعة في 3 حزيران تخبر السلطات السورية أنه لن يسمح بتوجه أي مسيرة الى الجولان. يبدأ شباب الفصائل والمستقلين ليل 3 و4 حزيران بنشر الخبر بين أبناء المخيم، والعمل على تهدئة نفوس المتحمسين. صباح 5 حزيران، يقف شباب من الفصائل عند نقاط التجمع المفترضة، ليطالبوا من حضر بالرحيل لأن «السلطات لن تسمح بمرور المسيرة، لكننا نفاجأ بقول بعض المستقلين التابعين لياسر قشلق (متمول فلسطيني) إنهم حصلوا على ترخيص من السلطات، وإن الحافلات بانتظار التوجه الى الحدود»، يقول أبو هاشم. لكن إذا لم يكن هناك موافقة من قبل السلطات، كيف استطاعت الحافلات أن تصل الى الجولان. «صراحةً، أنا نفسي أتساءل كيف وصلوا لفوق رغم قرار المنع ورغم تجاوز النقاط الأمنية السورية». يضيف أبو هاشم إن السلطات «لم ترد الصدام مع الشباب، لأنه جرى منع الحافلات من المرور، لكن المحتجّين أكملوا طريقهم سيراً».
أما ياسر قشلق، الذي وجهت الاتهامات له، فيقول لـ«الأخبار» «التزمنا بقرارات القيادة السورية، أما كيف وصل الشباب الى الحدود فهذا السؤال يوجّه للشباب وللقيادة السورية». على الحدود مع الجولان المحتل كان هناك «الموت مجاني»، مشاهد قنص المعتصمين على الحدود زادت من غضب سكان المخيم، إذ كانت كل «طلقة برجل». مشهد دفع ببعض الشباب المستقل وأبناء الفصائل الى ترك مخيماتهم والتوجه الى الحدود «لإرجاع الشباب الى منازلهم لأن حراكهم لن يفيد بشيء، إذ لن تكون هناك خيم للاعتصام أو اقتحام للحدود»، كما قال أحد الشباب الفاعلين في المخيم. في الجولان، ازدادت النقمة تحديداً على القيادة العامة بعد «التصريحات الإعلامية النارية لأنور رجا المسؤول في القيادة العامة»، يقول شاب آخر. هذه التفاصيل أدت الى الانفجار الذي حصل أمام مجمع الخالصة. الاتهامات بما جرى وجّهت لمحمد دحلان ولأفراد في المملكة العربية السعودية. لكن بغضّ النظر عمّن حرّض على ما جرى في اليرموك، من المؤكد أن هناك جهات ستستفيد منه.