I الأمن أفيون الشعوب، الديكتاتور ترك حكمته هذه قبل أن يغادر الى الزنزانة الطبية. تركها وهو يدرك بحاسة الملتصق بالسلطة، والمستمتع بانتشار كيمياء الإقامة الطويلة في قصر الأمر والنهي، أن البديل منه فوضى، لأن كل شيء في البلد افتقد الصلابة، واستبدلها بمعجون الاستبداد والفساد. معجون فريد استطاع مبارك أن يرمم الشروخ في بناء دولة تحت الإنشاء. ترميم يمنع السقوط، لكنه لا يصنع حياة آمنة، أبنية معطوبة، مرتبطة كلها بمعجون الديكتاتور.
هناك فارق كبير بين عبد الناصر ومبارك، ناصر ساحر يخرج من بين ضباط تموز، يوازن بين حكام إقطاعياته بمشروعية الجاذبية الجماهيرية، والأبوة الحنونة القادرة على صنع معجزات في مجالات محددة، لكنها لم تستطع بناء الدولة... أو استكمال البناء. مبارك تعامل بمنطق كبير الموظفين، ويدير إقطاعياته موظف، نصف مستشار، لرئيس تحميه بيروقراطيته، وخلفيته في الإدارة العسكرية، ومعادلته في الحكم قادت الى تآكل الدولة التي لم تنشأ بعد، بعدما امتصت دمها وحوش مهووسة بالمال والسلطة. وحوش لا تشبع، ولا تكتفي من الثروات المنهوبة بغير حساب.
الأمن تحول الى جهاز سياسي كبير لا يحقق الأمن، لكنه يدير الجريمة، ويسيطر على أدواتها. ومن هنا ولدت معادلة: الأمن مقابل الكرامة.
II
القتل لم يكن الهدف، لكنها القوة الغاشمة تعود، في أول أيام عودة الأمن، مأمور قسم الأزبكية قتل هو ورجاله سائقاً اعترض على إهانته، وقطع الطريق.
وتختلف الروايات حول لحظة القتل: إحداها أنه صفع المأمور، فردّ عليه بالسحل والضرب والحرق، وأخرى هي أن السائق مارس بلطجة، واقتيد بقوة الشرطة الى القسم، وهناك خرجت وسائل التعذيب التي لم تستخدم منذ يوم ٢٨ كانون الثاني. والرواية الرسمية تقول إن القتل تم بواسطة جمهور كبير اعترض على قطع الطريق.
النتيجة قتيل وحريق لقسم الشرطة. عادة قديمة في التعذيب الذي يؤدي الى القتل، ومتغير جديد هو أن الناس يرفضون العلاقة القديمة: الأمن مقابل الكرامة.
هذا درس تعجز المؤسسات الكسيحة عن تفهمه، مصر تغيرت إلا بالنسبة إلى عقلية الإدارة المحبوسة في معادلاتها القديمة. وعندما تحول المجلس العسكري الى هدف من أهداف المتظاهرين، لم يجد المجلس سوى تقنية المؤامرة ليضمن بها صفّ الشعب خلفه صفاً واحداً. أعلن عن مؤامرة تقسيم مصر الى ٣ دول: واحدة في النوبة، والثانية للمسيحيين في الصعيد، والثالثة للمسلمين في الشمال. مؤامرة قديمة، لكنها تصلح لمن لا يقدر إلا على التفكير بمنطق السيطرة، لا بناء جمهورية جديدة.
III
الوقت ليس كافياً لتحويل الإقطاعيات الى مؤسسات فعلية، لكن القرارات والإجراءات تسير باتجاه تغيير اللافتات فقط، مع استمرار بنية المؤسسة /الإقطاعية. الأمن لا يعرف سوى الإهانة ليحكم السيطرة، كما أن الإعلام لا يعرف سوى تلقّي الأوامر وتلقين الجمهور ورسم صورة للواقع يحددها مزاج ساكن القصر.
العقلية السلطوية خرجت من حقيبة الأزمات، لأنه ليس أمام مجلس، كله من العسكر، إلا هذه العقلية، وتقسيم الشعب الى «شرفاء» و«قوى شر وظلام»،
لغة ليست سياسية، وكراهية لاختلاف أو خروج عن الصف.
المجلس العسكري استولى على موقع الأبوة الوطنية، ومدمنو التقديس اكتشفوا ضالّتهم، بل إن الإخوان المسلمين ركبوا حافلات المجلس والتصقوا بها الى درجة رفع لافتات في أحياء شعبية تقول إن الجيش حرّر مصر في ٢٥ أبريل وفي ٢٥ يناير. جماعة الإخوان مرتبكة في تحوّلها من «تنظيم سري» يطفو في العلن، الى جماعة سياسية لا تعاني من اضطهاد النظام. السرية منحت معنى لثقافة السمع والطاعة الحاكمة بريفيّتها لتقاليد عبادة صاحب السلطة. العبادة بمعناها السياسي، لا تبحث عن نظام جديد، لكن عن أشخاص جدد، موديلات على الموضة السياسية، وهذا ما يربك الجماعة: كيف تدخل العصر الحديث، وتتميز عن المزاج الليبرالي السائد سياسياً؟ ليس أمامها إلا التطرف، والمزيد من الحدّة في التحدث عن مشروع يتعلق بهوية الدولة، وكلام في الجلسات المغلقة عن خطة لاختطاف البرلمان، لا من أجل البرلمان ذاته، بل من أجل كتابة الدستور .
لم تحتجّ الجماعة العتيدة في معاناة الاضطهاد على قانون تجريم التظاهرات والاحتجاجات، ولم تتوقف عند تطبيقه على ١٠ عمال وفلاحين اعتصموا في شارع القصر العيني من أجل حقوق منسيّة وضائعة. القانون يذكّر بحادثة خميس والبقري، العاملين بمصنع كفر الدوار، اللذين أعدمهما مجلس قيادة الثورة ومحكمته بعد أسابيع قليلة جداً من نجاح الضباط الأحرار في الوصول الى الحكم.
أول حكم بالإعدام بعد «الثورة» اتخذه المجلس ضد عاملين قادا إضراباً من أجل الحقوق العادلة لعمال المصنع، وهو ما لم يفسّره نظام دافع عن حق العمال والفلاحين في المشاركة بالبرلمان، ولم يجر الاعتذار عنه حتى الآن. التفسير الوحيد هو أن الإضراب كان جزءاً من مؤامرة، والاعتذار ليس وارداً باعتبار أن الإعدام طبيعي للحفاظ على الأمن.
شبح خميس والبقري لا يزال ماثلاً، في عقلية تستحضر أشباحها من الماضي القريب، ويعجبها مزاج «الشعب» الخائف على الأمن ويتنازل عن حريته في مقابل عودة الأمن. وهل كان هناك أمن أيام مبارك؟ لا أحد يسأل وكأن الثورة مسؤولة عن انفلات البلطجيّة خارج السيطرة. بلطجيّة ميري صنعهم النظام ولم يجد غيرهم للدفاع عنه في موقعته الأخيرة التي استخدمت فيها الجمال والبغال تحت إشراف الحرس الجمهوري، كما كشفت تسجيلات مصوّرة التقطتها كاميرات مراقبة أعلى مبنى التلفزيون الرسمي سجلت كل وقائع أيام الثورة في إطار تجسسها على شوارع القاهرة. وحاول المسؤولون محو هذه الذاكرة، لكنها أنقذت وكشفت عن مخطط «أمن الرئيس» لقتل المتظاهرين بفيالق من العصور البدائية وضعت الجمل في واجهة الفيسبوك. هل كان نظام مبارك أكثر أمناً؟ أم أنه كان أكثر قدرة في السيطرة على عصابات البلطجة؟
سؤال أهمّ من: كيف يعود الأمن؟ لأنه ليس المهم عودة الأمن. ولكن كيف يعود؟



مصر تستأنف تصدير الغاز إلى إسرائيل

ذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية أن مصر استأنفت تصدير الغاز الطبيعي إلى إسرائيل أمس، بعد توقف الإمدادات في نيسان الماضي، عقب هجوم على خط للأنابيب. وقالت شركة «أمبال أميركان إسرائيل» إن الضخ التجريبي للغاز إلى إسرائيل والأردن بدأ يوم الثلاثاء الماضي، بعد القيام بإصلاحات في الخط الذي تعرض للهجوم في 27 من نيسان الماضي، بعد أسبوعين من هجوم سابق بقنبلة استهدف مركز التوزيع وخط أنابيب لإمداد إسرائيل والأردن على مشارف قرية السبيل في العريش في صحراء سيناء المصرية. وجاء الهجومان في أعقاب قرار السلطات المصرية الجديدة إعادة النظر في كل اتفاقيات الغاز القديمة، وفتح تحقيقات حول عقود بيع الغاز لإسرائيل، التي أُبرمت قبل فترة قصيرة من سقوط نظام الرئيس المصري، حسني مبارك، تحت ضغط الشارع المصري في 11 من شباط الماضي.
وتمد مصر إسرائيل بـ 43 في المئة من مجمل الغاز المستهلك فيها، وتنتج إسرائيل 40 في المئة من الكهرباء من الغاز الطبيعي المصري.
وتصدير الغاز إلى إسرائيل مسألة مثيرة للجدل في مصر منذ فترة طويلة، حيث يتهم الإعلام وعامة المصريين نظام مبارك ببيع الغاز لإسرائيل بأسعار بخسة.
(رويترز، أ ف ب)