سجّلت أنقرة، أمس، بمسؤوليها الثلاثة الأرفع شأناً، الموقف التركي الأقوى بحق النظام السوري حتى اليوم، مع تلويحها باستعدادات لمواجهة السيناريوات العسكرية كما المدنية، وتسميتها لمسؤولي «الفظاعات» من بين رموز النظام السوريقطع المسؤولون الأتراك كل الخطوط الحمراء التي كانت لا تزال تحكم مواقفهم القوية المنتقدة للنظام السوري في تعاطيه مع التظاهرات التي تشهدها البلاد؛ فللمرة الأولى منذ انطلاق الحراك السوري، خرج الكلام التركي الذي كان مقتصراً على تقارير صحافية حول استعدادات للتدخل وإنشاء منطقة عازلة بين سوريا وتركيا، إلى العلن، مع تلويح الرئيس التركي عبد الله غول، ولذلك رمزية كبيرة، بأن أنقرة تدرس كل الاستعدادات لكل السيناريوات، المدنية والعسكرية منها، في ما قد يشير إلى ما أوردته صحيفة «حرييت» عن أن الحكومة والجيش التركيين يستعدان للتدخل في الأراضي السورية لإقامة منطقة فاصلة بين تركيا وسوريا. كلام لا يقل أهمية عن موقف لرئيس الحكومة، رجب طيب أردوغان، الذي حمّل شقيق الرئيس السوري، ماهر الأسد، مسؤولية «الفظاعات» التي ترتكبها أجهزة الأمن السورية، وهو ما يجعل من تركيا «عاجزة عن الدفاع عن سوريا في مجلس الأمن»، بالتزامن مع استمرار تدفق السوريين الهاربين من العنف إلى الأراضي التركية.
ومن المرات النادرة، تحدث الرئيس التركي، الذي يقتصر تدخله على الشؤون ذات الأهمية الكبيرة جداً، عن الأزمة السورية، أمس، فقال «نحن نتابع التطورات السورية عن كثب وبحزن، ونتلقى تقارير استخبارية على مدار الساعة، وقد اتخذنا كل الاستعدادات المدنية والعسكرية لمواجهة أسوأ السيناريوات. طبعاً لا نتمنى أبداً حصول الأمور السيئة، لكن من الواضح أن الأحداث لا تسير بالاتجاه السليم، لذلك اتخذت تركيا وستتخذ كل الاجراءات لمواجهة كل شيء». وبحسب ترجمة وكالة «فرانس برس»، فإن غول قال «إن القيادتين المدنية والعسكرية التركيتين مستعدتان لمواجهة أسوأ السيناريوات»، من دون أن يكشف عن تفاصيل.
بدوره، رفع أردوغان من سقف لهجته إزاء نظام الأسد، موضحاً أنّ النظام يرتكب «فظاعات»، واصفاً قمع المحتجين في سوريا بأنه «غير مقبول». ونقلت وكالة أنباء الأناضول الجمعة عن أردوغان قوله، في مقابلة تلفزيونية مساء الخميس، «تحدثت مع (الرئيس السوري بشار) الأسد قبل أربعة أو خمسة أيام، لكنهم (السوريون) يقللون من أهمية الوضع ويتعاطون معه ببساطة، وللأسف لا يتصرفون بطريقة إنسانية، ويقولون لنا أموراً ويفعلون أشياء أخرى». وقال «إن عائلة الأسد، وبالأخص شقيق الرئيس ماهر الأسد، لا تتصرف بطريقة انسانية. إنهم يقتلون أشقاءنا وشقيقاتنا بعنف وبلا رحمة، حتى إنهم يصوّرون جرائمهم». وتابع «هل تتصورون؟ إنهم يلتقطون صوراً بشعة لرؤوس النساء اللواتي قتلوهن. إنّ هذه الصور غير مقبولة أبداً».
ولفت رئيس الحكومة التركية إلى أنه «لا يمكن تركيا أن تدافع عن سوريا» في إشارة إلى الجهود الدولية لنقل الملف السوري إلى مجلس الأمن الدولي. وعن هذا الموضوع قال «بشكل غير ضروري، هذه الوحشية تدفع باتجاه تدخل مجلس الأمن. هناك (في نيويورك) تتمّ الاستعدادات، وفي مواجهة هذه المساعي لا يمكننا كأتراك أن نواصل دفاعنا عن سوريا».
وفيما طمأن أردوغان إلى أن تركيا «ستبقي حدودها مفتوحة أمام اللاجئين السوريين»، عاد ليتساءل «لكن إلى أين سيصل ذلك؟ وحتى متى نبقي أبوابنا مفتوحة؟ هذه مسألة أخرى»، مذكراً بأن «الأحداث في سوريا تختلف عن ليبيا، إنها بأهمية الشؤون الداخلية التركية».
بدوره، أعلن وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو أن بلاده «تعلق أهمية كبيرة على الاستقرار في سوريا»، مؤكداً استمرار دعم الشعب السوري واستضافته على الأراضي التركية «حتى تعود الأمور إلى طبيعتها». ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن داوود أوغلو قوله إنه عقد اجتماعاً مع حاكم إقليم هاتاي لمناقشة حاجات اللاجئين السوريين، كاشفاً أن 2800 لاجئ سوري عبروا الحدود إلى تركيا خلال الأيام الثلاثة الماضية، غالبيتهم أطفال ونساء ومسنون. ولفت إلى أن «بعض التطورات حصلت في جسر الشغور، وفي بلدة قريبة من الحدود بين تركيا وسوريا»، مؤكداً تلقيه «معلومات عن سقوط عدد كبير من القتلى».
في المقابل، كشفت صحيفة «حرييت» أن تركيا «تفكر في إقامة منطقة عازلة على حدودها مع سوريا إذا فرّ مئات الآلاف من العنف هناك». وجاء في الصحيفة أن «مسؤولي وزارة الخارجية قالوا إن من بين السيناريوات التي نوقشت إنشاء منطقة عازلة إذا سعى مئات آلاف من السوريين للجوء إلى تركيا».
وعلى وقع الحملة العسكرية في جسر الشغور، ذكرت وكالة أنباء الأناضول أن عدد السوريين اللاجئين إلى تركيا هرباً من أعمال العنف في بلادهم ارتفع إلى نحو 3000 شخص، مؤكدة أن مصلحة إدارة الطوارئ التركية أرسلت مبلغ 475 ألف دولار لمكتب حاكم هتاي لكي تتمكن السلطات المحلية من تأمين احتياجات اللاجئين، علماً بأنه تم نصب 600 خيمة في المنطقة وإرسال 6000 بطانية و3000 سرير إضافة، إلى مطابخ وحمامات متحركة. كما أشارت إلى أن جرحى سوريين لا يزالون يتلقون العلاج في المستشفيات التركية.
وذكر مسؤول في الحكومة التركية أن أنقرة اتخذت «اجراءات لمنع الإرهابيين من التسلل» من سوريا إلى تركيا، في إشارة الى حزب العمال الكردستاني. ورفض المسؤول الكشف عن تفاصيل الإجراءات، إلا أنه طمأن إلى أنه «لم يطرأ أي تطور يثير القلق حتى الآن»، مشدداً على أنه «ليست لدينا أي مشكلة في ايواء الناس وتلبية احتياجاتهم، فالأعداد التي تصل الآن هي أقل كثيراً من الأعداد التي يمكننا أن نستوعبها». وخلص إلى أن تركيا «لا تحتاج إلى مساعدة دولية».
في هذا الوقت، اشتبك متظاهرون أتراك مع أنصار للنظام السوري أمام السفارة السورية في أنقرة، ما أوقع جريحين على وقع تدخل قوات الشرطة للفصل بين الطرفين، بحسب ما نقلته وكالة أنياء «جيهان» التركية الخاصة.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)