الخرطوم | في الوقت الذي تمضي فيه اتفاقية نيفاشا نحو خواتيمها، وذلك بإعلان دولة الجنوب رسمياً في التاسع من تموز المقبل، بعد ست سنوات من السلام بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لجنوب السودان، اللتين خاضتا أطول حرب أهلية في القارة الأفريقية، عادت أجواء الحرب مجدداً بين الشمال والجنوب، بعدما شهدت منطقتا أبيي وجنوب كردفان اشتباكات عسكرية أدت إلى مقتل العشرات، ونزوح عشرات الآلاف من مناطقهم بسبب المعارك العسكرية. والمنطقتان، أبيي الغنية بالنفط، وجنوب كردفان الولاية الشمالية المجاورة لجنوب السودان ودارفور، ذواتا خصوصية، ما جعلهما تحظيان ببروتوكولات خاصة مفصولة عن اتفاقية نيفاشا التي وقّعت في عام 2005. ولكن الوضع فيهما لم يبق هادئاً بعد الاتفاق، إذ إن المناطق التي ضمّها بروتوكول المناطق الثلاث ـــــ أبيي جنوب كردفان والنيل الأزرق ـــــ لطالما كانت ملتهبة، إضافة إلى أن القوات المسلحة والجيش الشعبي موجودان فيها بكثافة.
لكن ذلك ليس السبب الوحيد لاندلاع المعارك، بل هناك أكثر من سبب، بحسب المحللين، أدى إلى أن تمضي نيفاشا في طريق غير الذي رسمت لها. فالقضايا العالقة بين الجانبين قبل شهر من انفصال الجنوب الحتمي تشجع على تصاعد التوتر، بينما يرى خبراء في التخطيط الاستراتيجي أن الأزمة الحالية ما هي إلا نتيجة للاتفاق تحت ضغوط المجتمع الدولي.
وفي مقاربته لذلك، أوضح المحلل السياسي الطيب زين العابدين، في حديث إلى «الأخبار»، أن المؤتمر الوطني تسرّع في الموافقة على بروتوكول أبيي في ما يخصّ مسألة ترسيم الحدود التي تعتبر إحدى نقاط الاختلاف بين الشريكين، بعدما وافق الحزب الحاكم في الشمال على أن تؤول قضية ترسيم حدود أبيي إلى لجنة أجنبية بإيعاز من المبعوث الأميركي جون دانفورث. وينتمي معظم أفراد اللجنة التي لها الرأي الفصل في تحديد حدود المنطقة، إلى دول معادية للحكومة السودانية. ولفت إلى أن «بروتوكول أبيي صيغ على عجل، والحكومة لم تدرسه جيداً»، مؤكداً أنه «لا يوجد عاقل يسلّم قضية محلية إلى مجموعة من الأجانب».
وبدا أن منطقة النيل الأزرق تحافظ على هدوئها حتى الآن، مع تأكيدات والي الولاية، رئيس قطاع الشمال في الحركة الشعبية، مالك عقار، أن الحرب بين الشمال والجنوب لن تنطلق من ولايته التي تمضي نحو الحكم الذاتي وفق ما أقرّته المشورة الشعبية التي احتكم إليها الطرفان وفقاً للبروتوكول الخاص بالمنطقة.
ويرجّح المراقبون أن حكومة الخرطوم أخطأت مرتين؛ الأولى عند قبولها صياغة بروتوكولات منفصلة لتلك المناطق الثلاث خارج اتفاقية نيفاشا، والمرة الثانية عند تطبيق تلك البروتوكولات على أرض الواقع. والشاهد على ذلك ما جرى في ولاية جنوب كردفان التي تشهد اقتتالاً عنيفاً هذه الأيام بين الجيش السوداني والجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية.
ويرى زين العابدين أن حكومة المركز لم تراع خصوصية المكوّن البشري المشترك لأفراد الجيش الشعبي في جنوب كردفان، والذي يتكون بغالبيته من أبناء جبال النوبة الموجودين داخل حدودهم في نطاق الولاية المشتعلة هذه الأيام، لافتاً إلى أن «الحكومة طلبت من الجيش الشعبي الانسحاب جنوباً، من دون أن تأخذ في الاعتبار أنهم من أهل المنطقة. فكيف تطالب الحكومة مواطنين بمغادرة بلداتهم؟».
في المقابل، ذهب آخرون إلى أن ما نصّت عليه البروتوكولات لم يكن وراء تجدد الحرب بين شريكي السلام، بقدر ما يعود إلى عدم التمسك من الجانبين بآليات التنفيذ. ووفقاً لمصدر في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، فإن الحركة الشعبية هي من تقف وراء تأزّم الأوضاع فى جنوب كردفان، برفضها توفيق أوضاع أبناء منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان المنتمين إلى الجيش الشعبي، طبقاً لما تنص عليه البروتوكولات الخاصة بالمنطقتين. وأوضح المصدر لـ«الأخبار» أن الحكومة طلبت من الحركة الشعبية تجريد 35 ألف جندي ينتمون إلى صفوفها من أصول شمالية من السلاح وإعطاءهم مستحقاتهم المالية، مثلما التزمت رئاسة الجمهورية في مقابل ذلك بإعطاء المنتمين إلى الجيش الشعبي في القوات المسلحة حقوقهم كاملة.
وفيما كانت الأوضاع تزداد حساسية وتوتراً باقتراب موعد إعلان قيام دولة الجنوب بعد أقل من شهر، كانت الجهود الإقليمية والدولية لحل معضلة القضايا العالقة بين شريكي الاتفاقية تتعرض لعراقيل من الجانبين، بسبب البروتوكولات الخاصة بالمناطق الثلاث، وفي مقدمتها جنوب كردفان.
لكن قيادات الحركة الشعبية من أبناء الولاية يرفضون اتهامهم بجر الشمال والجنوب إلى الحرب من جديد، وتفجير الاستقرار في جنوب كردفان للضغط على الحكومة في الخرطوم والحركة في الجنوب على حدّ سواء لتقديم تنازلات بدعوى عدم تسوية أوضاع العسكريين ونزع أسلحتهم. ويؤكد القيادي في الحركة، عمار أموم، أنهم لا يسعون إلى التصعيد والعودة إلى الحرب في الولاية مرة أخرى، وأنهم يأملون أن تؤدي اجتماعات الرئيس السوداني عمر البشير ورئيس حكومة الجنوب سيلفا كير ميارديت، في أديس أبابا، إلى الوصول إلى اتفاق سريع على وقف إطلاق النار. وأكد أموم لـ«الأخبار»، من مدينة كادوقلي، أن أبناء النوبة لا يسعون إلى حل قضيتهم باستخدام السلاح، وأنهم مع الحل السلمي للقضية. غير أن أوساطاً سياسية مختلفة في العاصمة السودانية تعتقد أن أبناء جبال النوبة يسعون وراء الحكم الذاتي، ولذلك يحرصون على عدم تجريدهم من أسلحتهم قبل حلول انفصال الجنوب.



دعوة أوروبية لحلّ تفاوضي

حضّت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الحكومة السودانية على وقف الأعمال الحربية، والبحث عن حل تفاوضي للأزمة في ولاية جنوب كردفان. وطالبت أشتون السلطات السودانية بـ«وقف البحث عن حل عسكري لنزع سلاح الجيش الشعبي لتحرير السودان في جنوب كردفان وحل القوات الخاصة المشتركة»، وبالبحث عن اتفاق في مجال الأمن «عبر مفاوضات مباشرة على مستوى رفيع، وليس من خلال استخدام القوة». كذلك أعربت عن قلقها إزاء أعمال العنف التي تجري بحق الأشخاص بسبب اقتناعاتهم السياسية أو أصولهم الإثنية، وطالبت بأن «تتوقف» هذه الأعمال وأن تكون «موضع تحقيقات من جانب الأمم المتحدة». في غضون ذلك، نفى الجيش السوداني إسقاط أي مروحية عسكرية في ولاية جنوب كردفان، بعدما أعلن مسؤول في فرع جنوب كردفان في الحركة الشعبية لتحرير السودان أن مقاتلين أسقطوا طائرتين حربيتين شماليتين في الولاية.
(أ ف ب، رويترز)