ما بين تكاليف معدّات عسكرية وقنابل ذكية وطلعات طائرات مقاتلة ودعم لوجستي للثوار في بنغازي، ومساعدات إنسانية، قد تصل تكاليف الحرب ضد نظام الزعيم الليبي معمر القذافي الى مليارات الدولارات. تكلفة قد تضع المعارضة الليبية (إذا نجحت في بسط سيطرتها على طول البلاد وعرضها)، أمام وضع صعب يجعلها مرتهنة للدول الغربية في سياساتها الداخلية والخارجية وثروات الشعب.فما كشفه رئيس المكتب التنفيذي في المجلس الوطني الانتقالي المعارض، محمود جبريل، في واشنطن، هو أن المجلس المذكور بحاجة إلى 3 مليارات دولار في الأشهر المقبلة لسد حاجاته المالية. ورغم المكاسب الكبيرة التي جنتها الشركات الأميركية جراء غزو العراق وأفغانستان والسيطرة على منابع النفط، يبدو أن الاقتصاد الأميركي يعاني تكاليف هاتين الحربين. فقد أكد خبراء أنه إذا زادت تكلفة الحرب على ليبيا على 548 مليار دولار، فإن الرئيس باراك أوباما، سيضطر الى اللجوء إلى الكونغرس لطلب سلطات إنفاق إضافية.
الأزمة المقبلة استشرفها المسؤول السابق في قسم الموازنة بالبنتاغون، دول زاخايم، إذ رأى أن الإدارات الأميركية تشعر بالقلق عندما تبدأ التكلفة في الزيادة على مليار دولار. وتشير التقارير الاقتصادية إلى أن عمليات فرض الحظر الجوي على البوسنة عام 1996 كلفت الولايات المتحدة 3.4 مليارات دولار، بينما كلفت العملية في العراق 2.1 مليار وفي كوسوفو 2.4 مليار.
من الواضح أن المشاركة الأميركية هي الأكبر في هذه الحرب «الأطلسية» على ليبيا، فقد أعلن وزير الدفاع الأميركي، روبرت غيتس، في الثاني عشر من أيار الجاري، أن الجيش الأميركي أنفق نحو 750 مليون دولار حتى تاريخه، على العمليات في الهضبة الأفريقية. وتتضمن تكاليف هذه الحرب العديد من الأمور، منها النقل وبناء ثكن عسكرية وتكلفة نشر جنود في الخارج.
وزارة الدفاع الأميركية، أكدت من جهتها، أن الولايات المتحدة أنفقت خمسمئة مليون دولار خلال شهر (الفترة التي قادت فيها العمليات مع بريطانيا وفرنسا قبل تسليم القيادة لحلف شمالي الأطلسي في 20 آذار الماضي). لكن «البنتاغون» توقع أن تستقر التكلفة عند أربعين مليوناً شهرياًَ، بعد خفض عدد القوات الأميركية في ظل قيادة الحلف للعمليات.
ومن اللافت أن جزءاً كبيراً من تكاليف الحرب يذهب ثمناً لصواريخ وقنابل واستخدام طائرات مقاتلة، فقد أشار «البنتاغون» إلى أن 60 في المئة من الأموال أنفقت على صواريخ وقنابل. وطبقاً لتقرير نشرته صحيفة «يو إس إي توداي» فإن تكلفة العمليات خلال أسابيع قد تصل إلى مليار دولار.
ويبدو أن الواقع يتجاوز مضمون التصريحات الرسمية بكثير، ففي تقارير الخبراء تأكيد أن أكبر تكلفة للقوات الأميركية تتمثل في إطلاق صواريخ «توماهوك» حيث تصل تكلفة الصاروخ الواحد منها، إلى ما بين مليون ومليون ونصف دولار، والذي يطلق من السفن الأميركية في البحر الأبيض المتوسط. وزاد عدد الصواريخ التي أطلقت على 191 صاروخاً تبلغ تكلفتها نحو 268.8 مليون دولار.
كذلك تطلق القوات الأميركية القنابل «الذكية» التي يصل وزن الواحدة منها ألفي باوند، وتعرف باسم ذخائر الهجوم المباشر المشترك. وتكلّف كل واحدة من هذه القنابل المضادة للدبابات ثلاثين ألف دولار. وقد ألقت الطائرات الأميركية منها 455 واحدة حتى منتصف أيار الماضي. أما تكلفة كل طلعة من طلعات طائرات «بي 2» فتصل إلى عشرة آلاف دولار لكل ساعة. وتنفّذ مئتا طائرة أميركية الحظر على ليبيا أو مهاجمة قوات العقيد القذافي.
من جهة ثانية، يؤكد الخبير زاخايم أن خسارة طائرة «أف 35» واحدة تكلّف الولايات المتحدة ما بين 50 مليوناً و100 مليون دولار، ولا سيما أن طائرة أميركية واحدة من طراز «أف 15» سقطت في صحراء ليبيا تصل تكلفتها إلى ستين مليوناً.
الخبر اليقين جاء على لسان المتحدث باسم «البنتاغون»، ديفيد لابان، حين أعلن أن الولايات المتحدة قدمت للحلف الأطلسي منذ الأول من نيسان، ما قيمته 24,3 مليون دولار من «قطع الغيار والذخائر والدعم التقني».
هذا في الجانب العسكري، أما في الجانب اللوجستي، فقد أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما، رسمياً في 26 نيسان الماضي، السماح بإرسال مساعدة بقيمة 25 مليون دولار للثوار الليبيين؛ مساعدة تشمل تجهيزات طبية وخيماً وألبسة وستراً واقية للرصاص وأكياس رمل ومعدات جاهزة لبناء الحواجز.
المسؤولون الأميركيون باتوا في موقع من يثير المخاوف حول حجم الإنفاق الدفاعي، فيما يتوقع أن يصل العجز في الموازنة الاتحادية إلى 1.4 تريليون دولار السنة المالية الحالية التي تنتهي مع نهاية أيلول المقبل. ولذلك ستخفض موازنة الدفاع الأميركية بمقدار 23 مليار دولار عما تطلبه الإدارة لسنة 2011، وهو 708.3 مليارات دولار بما في ذلك 159.3 ملياراً تخصص لحربي أفغانستان والعراق.
بريطانيا من جهتها، تتحمل جزءاً من تكاليف هذه الحرب، ويزيد من هذه التكاليف تقديم تجهيزات لشرطة بنغازي، إضافة الى معدات اتصال بقيمة بضعة ملايين من الجنيهات الاسترلينية. محللون وخبراء بريطانيون يعتقدون من جهتهم بأن الحرب في ليبيا ستكلّف دافعي الضرائب في بلادهم ما يصل إلى مليار جنيه استرليني إذا استمرت حتى الخريف المقبل.
وقد يؤكد ذلك ما كشفته صحيفة «ديلي ميل» في 7 حزيران الجاري، من أن بريطانيا تنفق 6 ملايين جنيه استرليني في الأسبوع على القنابل والصواريخ في حرب ليبيا. وقالت الصحيفة إن بريطانيا تنفق 285 ألف جنيه استرليني في الأسبوع على سكن طواقم سلاحها الجوي، بما في ذلك سكنها في قاعدة «جيويا ديل كولي» الجوية في جنوب إيطاليا، أي ما مجموعه 3.1 مليون جنيه، فضلاً عن 300 ألف جنيه في الأسبوع على وقود الطائرات الحربية، و131 ألف جنيه في الأسبوع على علاوات الجنود، منذ مشاركتها في العمليات الجوية.
وأشارت إلى أن مجموع ما أنفقته بريطانيا على عمليات قواتها في ليبيا بلغ نحو 75 مليون جنيه استرليني، أي ما يعادل 123 مليون دولار حتى الآن، وهو رقم يفوق بكثير المبلغ الذي خصصه وزير المال البريطاني جورج أوزبورن في آذار الماضي لعمليات القوات البريطانية في ليبيا.
بدورها، صحيفة «الغارديان» أكدت أن بريطانيا أنفقت 100 مليون جنيه استرليني (163 مليون دولار) على إلقاء عشرات القنابل وتنفيذ مئات الطلعات الجوية ونشر أكثر من 1000 موظف في الجماهيرية، بعد شهرين من بدء القوى الغربية بقصف أهداف لقوات العقيد القذافي، وفقاً لتقديرات مسؤولين في وزارة الدفاع البريطانية.
لكن خبراء في شؤون الدفاع، بينهم رئيس تحرير نشرة «تحليل الدفاع» فرانسيس توسا، قدّروا أن تكاليف المشاركة البريطانية في العمليات وصلت إلى 300 مليون جنيه (491 مليون دولار تقريباً) بنهاية نيسان الماضي.
كذلك تشير «الغارديان» إلى أن قادة عسكريين بريطانيين اعترفوا بأن الحملة الجوية في ليبيا ستستمر ستة أشهر وستصل تكاليفها إلى 400 مليون جنيه (653 مليون دولار)، فيما قدّر خبراء في مجال الدفاع أن الرقم سيتجاوز مليار جنيه (ملياراً وستمئة وتسعين مليون دولار تقريباً) بحلول أيلول المقبل.
وبعد تصريحات المسؤولين البريطانيين بضرورة تشديد الضربات ضد قوات القذافي، كثّفت المقاتلات البريطانية في الآونة الأخيرة مشاركتها في العمليات الجوية للأطلسي إلى جانب المقاتلات الفرنسية والإيطالية. وقالت الصحيفة البريطانية السابقة الذكر، إن بريطانيا استأثرت بنسبة 25 في المئة من نحو 6000 طلعة جوية لمقاتلات حلف الأطلسي. وجاءت في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة خلال ستة أسابيع من العمليات الجوية حتى الخامس من أيار الماضي، لكن طلعاتها الجوية فاقت أي بلد آخر على مدى الأسابيع الخمسة المنتهية في الخامس من أيار.
أمّا تكلفة مشاركة بريطانيا في العمليات الليبية، فيمكن أن تصل إلى عشرات الملايين من الجنيهات، حسبما يقدّر وزير المال، جورج أوزبورن.
كذلك، يرى المعهد الملكي للخدمات المتحدة أن تكلفة الحرب بالنسبة إلى بريطانيا قد تصل إلى مئة مليون جنيه (163 مليون دولار) خلال أربعة إلى ستة أسابيع، أي ما بين مليونين وثلاثة ملايين جنيه يومياً.
وطبقاً لوزارة الدفاع فإن تكلفة طيران ساعة واحدة لطائرة «تورنيد» تصل إلى 35 ألف جنيه (ما يزيد على 57 الف دولار)، بينما تصل تكلفة ساعة طيران الطائرة تايفون إلى سبعين ألفاً (نحو 114 الف دولار).
ومثل الولايات المتحدة، تواجه بريطانيا أيضاً عجزاً مالياً، يدفعها الى أن تُدرج هذه التكلفة ضمن موازنة طارئة وليست موازنة وزارة الدفاع.
على الجانب الفرنسي، وبعد شهر ونصف من بدء الهجمات على ليبيا، تكلفت باريس نحو 50 مليون يورو (ما يزيد على 70 مليون دولار)، حسبما أعلن وزير الدفاع جيرارد لونغيه. فتكاليف تشغيل طائرة «رافال» تقدر بـ40000 يورو (نحو 56 الف دولار)، أما حاملة الطائرات «شارل ديغول» فتكلف نحو 50000 يورو (قرابة70 الف دولار).
هذه بعض النماذج المتعلقة بثلاث دول قادت الحرب على ليبيا قبل ان يتسلمها حلف شمالي الأطلسي ،الذي يضم دولاً أخرى تشارك في تنفيذ القرار 1973 لفرض حظر جوي على ليبيا وربما تتجاوز مضمون هذا القرار في بعض ممارساتها لتصبح مسألة حماية المدنيين اعتداءً سافراً عليهم.
في كل الأحوال، لن يتضح في الوقت القريب الرقم النهائي لتكلفة الحرب على «الجماهيرية العظمى»، فالدول الكبرى من مصلحتها زيادة الفواتير لتقبض من المعارضة، في ما بعد، أضعاف المبالغ التي دفعتها وستدفعها في حربها على نظام العقيد القذافي. فالسؤال دائماً يتكرر حين تتدخل الدول العظمى في بلد ما، عن حجم ايرادته من الغاز والنفط والثروات الطبيعية التي تثير لعاب هذه الدول لتُشبع جشعها في التهام ما تبقى من ثروات الشعوب الفقيرة.



الأموال المجمّدة

فيما أقرّت مجموعة الاتصال تأسيس صندوق دولي لدعم المعارضة المتمركزة في شرق ليبيا، ينصبّ الجهد الفرنسي على استخدام الأموال المُجمّدة لنظام القذافي، والمقدرة بـ60 مليار دولار، لتمويل المعارضة وعملياتها المُسلّحة. لكن هذا الخيار يواجه صعوبات قانونية تتعلق ببقاء نظام القذافي حتى الآن، نظاماً شرعياً، فيما لم يعترف بالمعارضة سوى عدد من الدول.
مع ذلك، جمّدت الولايات المتحدة في شباط الماضي 33 مليون دولار من أصول نقلها نظام القذافي الى خارج ليبيا. وخلال اجتماع مجموعة الاتصال الأخير في روما، تعهدت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، إتاحة الأصول المجمدة أو ابتكار خطة تمويل بديلة.
وشددت على الحاجة «بشدة» إلى هذا المال، سواء من خلال قروض أو صناديق ائتمان أو آليات أخرى.
أما المصادر المُقرَّبة من الإدارة الأميركية، فترى أن واشنطن قد تدفع على المدى القصير أكثر من 150 مليون دولار للمعارضة الليبية.