غزة | يبدو أن السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس ليست وحدها التي ذهبت صوب إجراء تعديل حكومي بعيداً عن حركة «حماس» والتوافق بينهما، فالحركة أقدمت أيضاً على إجراء تغييرات واسعة داخل المؤسسة الأمنية القائمة في قطاع غزة، من دون التشاور مع «أبو مازن».وفي النظرة الأولى، لا يعلم إن كانت التعديلات الحمساوية تأتي في إطار المناكفة السياسية أو لدواعي الذهاب باتجاه «الانفصال التام» عن الضفة وما فيها، وهي حالة سبقت تشكيل ما اصطلح عليه حكومة «الوفاق» الوطني (حزيران 2014)، قبل أن تنعتها «حماس» بأوصاف أخرى بعد التعديلات الأخيرة.

صحيح أن «حماس» لم تعلن أنها تنقض اتفاق المصالحة أو تمتنع عن التعاطي مع الحكومة المعدلة بتاتاً، رغم رفضها العلني لذلك، لكن ما وراء هذا «الصبر» قد يكون أمراً أعظم، وإلا ما كان السكوت عن هذا التعديل ورفضه ظاهرياً.
وتبعث التحولات الجذرية داخل المنظومة الأمنية التي تقوم عليها «حماس» في غزة، من تعيينات جديدة وتدوير لقيادات الأجهزة الأمنية، على الاستغراب، خاصة أنه للمرة الأولى منذ سيطرة الحركة على القطاع يُعلن تشكيل جهاز أمني سمّي «المخابرات العامة»، بعيداً عن ذلك الذي يقوده اللواء ماجد فرج في الضفة المحتلة.
ويعرف ضمنياً أن جهازاً كالمخابرات العامة يقوم بأدوار داخلية وخارجية تمس الأمن الفلسطيني، لهذا يتساءل مراقبون إن كانت قد حصلت حماس على ضوء أخضر عربي للتعاطي مع منظومتها الأمنية بصورة منفصلة تماماً عن تلك التابعة للسلطة، وهل لما يجري في سيناء علاقة بذلك؟ فيما ذهب آخرون إلى النظر في القضية على أنها «بدايات تشكيل لكيان دولة في غزة».
في وقت بدأت فيه مسألة التغييرات الأمنية تأخذ حيزاً في وسائل الإعلام، كشف مصدر أمني مطلع لـ«الأخبار» عن أن جهاز المخابرات كان قائماً منذ وقت في غزة، ولكن بصورة غير معلنة، نافياً أن تكون لهذا الجهاز ارتباطات أمنية مع دول عربية أو غيرها.
وقال المصدر الأمني إن «استحداث جهاز المخابرات وإجراء التدوير في صفوف قيادات الأجهزة الأمنية جاءا كإجراء روتيني بناءً على تعليمات من وكيل وزارة الداخلية»، معتبراً أن أمراً كهذا لا يحتاج إلى التعاطي بزخم عبر وسائل الإعلام.

لم تعلن الحركة
فرط العقد مع «التوافق»
لكنها رفضتها ظاهرياً

وفق المعلومات، شملت التغييرات قيادات رفيعة في الأجهزة الأمنية، كتعيين اللواء سامي نوفل مديراً لجهاز «المخابرات العامة»، بعدما كان قد تولى منصب «مراقب عام وزارة الداخلية» لعدة سنوات، فيما جرى تعيين محمد لافي مراقباً عاماً لـ«الداخلية»، بعدما كان مديراً لجهاز «الأمن الداخلي».كذلك تقلد سامي عودة منصب المدير العام لـ«الأمن الداخلي» بعدما كان مديراً لـ«المخابرات العامة»، إضافة إلى تعيين ماهر بنات لجهاز «الإصلاح والتأهيل» (السجون) بدلاً من عطية منصور، فيما شغل الأخير منصب مدير «العمليات المشتركة» بين الأجهزة الأمنية.
وعُلم أيضاً أنه تم تعيين نائب مدير جهاز الشرطة السابق العقيد محمد أبو زايد مسؤولاً على «هيئة المعابر والحدود» بدلاً من ماهر أبو صبحة، فيما تولى نعيم الغول قيادة جهاز «الأمن الوطني» بدلاً من أبو عبيدة الجراح. وطبقاً للمصدر نفسه، فإن التغييرات ربما تشمل في المرحلة المقبلة المدير العام لجهاز الشرطة، اللواء تيسير البطش.
في هذا الإطار، يربط المحلل السياسي أكرم عطاالله التغييرات الأمنية في غزة بالمفاوضات غير المباشرة بين حركة «حماس» وإسرائيل، التي قال إنها ستنتهي بتشكيل حالة منفصلة في غزة عن الضفة المحتلة. ورأى عطاالله أن التغييرات التي شملت المؤسسة الأمنية جاءت لمسألتين: الأولى تتعلق بعملية ضخ دماء جديدة في هذه المؤسسة «حتى لا تصبح هناك استكانة»، والثانية تتعلق بأن تكون هذه التغييرات تمهيداً لاتفاق مرتقب مع إسرائيل يخصّ التهدئة.
أما بشأن الكشف عن تشكيل جهاز «المخابرات العامة»، فأشار المحلل السياسي إلى أن هذا الجهاز قد تم تشكيله منذ ولادة حكومة الوفاق الوطني الصيف الماضي، ولم يعلن في ذلك الوقت، لكنه رأى أن الغاية من تشكيله هو أن «يكون لحماس حصة في جهاز المخابرات العامة التابع للسلطة» في رام الله. كذلك توقع عطاالله أن يكون الإعلان في هذا التوقيت «دلالة على نهاية التفاوض مع إسرائيل حول التهدئة»، مقدّراً أن «تصبح غزة حالة مستقلة عن باقي الأراضي الفلسطينية... ربما تؤسس هذه الفكرة لما هو أبعد من الانقسام بوصفه انفصالاً». يشار إلى أن هذه التغييرات سبقها نحو أربع دورات لتخريج ضباط وضباط صف، نفت «حماس» أن تكون بهدف الحصول على حصص في الترقيات العسكرية في حال تمت المصالحة.