عكار | في المخيم القديم، لم تكد تحل فرحة تسلم وحدات القسم الأول من الرزمة الأولى، حتى انكشف المستور ليفصح عن منازل هي أقرب للزنازين، وعن صفقات وسمسرات، جرى التغاضي عنها، كما يقول عوني م. لأن الناس «لم يصدقوا أن مخيماً في لبنان يدمر ثم يعمر». تسلم عوني مبناه المكوّن من ثلاث طبقات والمخصص لسكن عائلتين. وكان قد عاين الطبقة الثانية فوجدها مقبولة، باعتبارها مكونة من غرفتين ومطبخ وحمام بمساحة إجمالية قدرها 56 متراً مربعاً. لكنه لم يكن يدرك أن الطبقة الأولى التي يسكن فيها حالياً، ستحسم منه المدخل والدرج. لذلك، لم يستطع إدخال مفروشات المنزل إلى المبنى، فباعها إلى أخيه الذي أدخلها بدوره عبر شباك الطبقة الثانية بواسطة رافعة. ولتعويضه خسارة مساحة المدخل والدرج، أعطي غرفة إضافية فوق السطح ليصبح منزله غرفة ونصف غرفة في الطبقة الأولى وغرفة في الطبقة الأخيرة. أما أبو خليل الذي كان يملك محلاً تجارياً مكوناً من غرفتين كبيرتين مساحة الواحدة منهما 25 متراً، فقد حصل على نصفي محلين تجاريين، مساحتهما الإجمالية تساوي مساحة غرفة واحدة، أي غرفتين متلاصقتين عرض الواحدة متران ونصف متر، وتتخللهما أعمدة المبنى والمقلب الخلفي للدرج.ويدخل المحل الحاج محمد وقد سئم التحدث إلى الإعلام، بل يبدو أنه يخشى فقدان القليل مما حصل عليه. وقد تسلم الحاج مبناه المكون من أربع طبقات، مساحة الواحدة 90 متراً، علماً بأنه كان يملك أربع طبقات، لكن بمساحة 140 متراً، والطبقات الأربع مخصصة لسكن ثماني عائلات. عادت إلى المخيم القديم ستون أسرة بعد تسليم 103 وحدات في البلوك N2 من الرزمة الأولى. أما البلوكات N3, N4, N5 فقد أصبحت جاهزة وينتظر تسليمها في غضون شهر، بينما سيتأخر تسليم البلوك N1 حتى نهاية آب المقبل بسبب سحب شركة الجهاد المتعهدة ونقل التعهد إلى أربع شركات آخرى، مع العلم بأنه كان من المفترض تسليم كامل الرزمة الأولى مع نهاية عام 2010، ويتوقع أن تستوعب 540 عائلة. هكذا بدا واقع الوحدات المسلمة في المخيم القديم. وهناك، رغم مأساوية الواقع، كان الحاج محمد يتحدث بفخر عن الخامس عشر من أيار، وعن تمكن الصغار والعجزة من قطع مسافة عشرة كيلومترات سيراً من بنت جبيل حتى مارون الراس، وأنه «لو أحضروا ما يكفي من الباصات لخرج المخيم للمشاركة عن بكرة أبيه». وفي داخل الأقفاص الحديدية «البراكسات»، حيث يقيم الصحافي عثمان بدر، يربط هذا الأخير وهو يتواصل مع قيادات الاتحاد الديموقراطي الفلسطيني عبر «السكايب» بين عرقلة مسيرة يوم النكسة وتزايد الحصار على مخيم البارد لإبقاء الملف الفلسطيني في إطاره الأمني. وهو يرى أن المماطلة في إعادة الإعمار تهدف إلى أمرين: الأول تطبيع الواقع الفلسطيني خارج مخيم البارد، أو جعل العودة إليه معقدة. فـ«الذي استأجر أو اشترى وأقام خارج البارد ورتب أوضاعه الحياتية، قد لا يعود إلى المخيم». وبالتالي، إن الأمر الثاني الذي سينتج من ذلك هو إبقاء ذوي القدرات الاقتصادية خارج المخيم، «أليس تدمير الموقع الاقتصادي وعلاقاته مع محيطه في المنية وعكار جزءاً من أهداف تدمير المخيم؟». لذلك، يرى بدر أن المماطلة في إعادة الإعمار والإجراءات الأمنية المشددة رغم أنه لم يُلقَ القبض على شخص واحد حاول تهريب حتى مجرد شفرة إلى المخيم، سياسة ممنهجة ترتبط بأهداف ومشروعات أخرى، كما يصر الرجل على الاستنتاج.



الفساد في البارد

يتوزع المخيم القديم على 8 رزم. يتوقع تسليم الثانية في شباط 2012. وليس هناك تمويل إلا للرزمة الثانية، ولنصف الرزمة الثالثة. مع ذلك، يتحدث متابع لملف الإعمار عن سمسرات واستنسابية في منح الوحدات السكنية. فهناك من كان يملك منزلاً وغرفة مستقلة قبل تدمير المخيم، لكنه حصل على وحدتين سكنيتين، وآخر كان يملك منزلاً من 4 غرف، ادعى أن كل غرفة مسجلة باسم أحد أبنائه، فحصل على 4 وحدات سكنية. ويعود هذا الأمر إلى الفساد المستشري بين اللجان الأهلية وإلى تواطؤ الجهات المسؤولة عن ملف إعادة الإعمار.