أتى تسريب مسؤولين في الإدارة الأميركية، قبل أيام، لنبأ بناء واشنطن قاعدة عسكرية سرية في الخليج العربي، ليؤكد أن الولايات المتحدة قد عزمت منذ مدة غير قصيرة على أن تتولى بنفسها مهمة ضمان أن لا يمثّل اليمن تهديداً لأمنها القومي، أو أمن حليفتها إسرائيل. وتمثّل القاعدة محطة انطلاق للطائرات الأميركية بهدف تنفيذ مهمات في هذا البلد، وذلك بعدما عززت التطورات السياسية والأمنية في البلاد مخاوف الإدارة الأميركية من انفلات الوضع اليمني واستشراء الفوضى.
أول المخاطر، تقول الولايات المتحدة إنها تأتي من تنظيم «قاعدة الجهاد في جزيرة العرب». ورغم أن سلسلة الهجمات التي تبناها التنظيم منذ عام ٢٠٠٩ أسهمت في جعل واشنطن تحسم موقفها لجهة امتلاك التنظيم القدرة المستدامة على تهديد أمنها القومي، إلا أن المعلومات التي يبدو أن السلطات الأمنية الأميركية استخرجتها من مخبأ زعيم تنظيم «القاعدة»، أسامة بن لادن في أبوت أباد بعد مقتله أكدت مدى عمق العلاقة بين الطرفين، الأمر الذي عجّل في التحرك الأميركي الحاسم، بعدما حاولت الأجهزة الأميركية طوال السنوات الماضية تقليص قدراته من خلال التعاون الأمني مع الحكومة اليمنية، ولا سيما بعد الهجوم الذي استهدف المدمرة الأميركية كول في عام ٢٠٠٠ خلال رسوها في مرفأ عدن، ومقتل ١٧ جندياً أميركياً في الحادث، ومن ثم هجمات الحادي عشر من أيلول.
هذه الهجمات سلطت الضوء على اليمن بوصفه إحدى الجبهات في المعركة ضد تنظيم «القاعدة»، ما انعكس ارتفاعاً في مستوى التعاون الاستخباري والأمني، ولا سيما أن النظام اليمني استغل الأحداث لمحاولة إعادة توطيد العلاقة مع واشنطن، والحصول على أكبر قدر ممكن من الدعم العسكري، بعدما توترت العلاقات بين البلدين في فترة التسعينيات نتيجة موقف النظام الداعم لغزو الرئيس العراقي صدام حسين الكويت.
والتعاون الذي بدأ من خلال تقديم المساعدة لإرساء حرس بحري، وتطور ليسمح باستهداف طائرة أميركية في عام ٢٠٠٢ القيادي في تنظيم القاعدة أبو علي الحارثي، إلى جانب عدد من مرافقيه، سرعان ما انتقل ليشمل تقديم المساعدات التقنية والتجهيزات والتدريبات لقوات مكافحة الإرهاب التي أُنشئت في عام ٢٠٠٣، وعُهدت مهمة إدارتها إلى رئيس قوات الأمن المركزي يحيى محمد عبد الله صالح، نجل شقيق الرئيس اليمني.
وفي ظل تمكن هذه القوات من تحقيق بعض العمليات الناجحة في تعقب عناصر التنظيم، جاءت الحرب الأولى مع الحوثيين في صيف عام ٢٠٠٤، لتضع القوات اليمنية موضع اختبار فشلت في اجتيازه، بعدما قرر النظام الاستعانة بها في المعركة، في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تريد منها أن تركز جهودها على تتبع عناصر القاعدة والجهاديين اليمنيين والسعوديين، الذين كانوا قد بدأوا منذ غزو العراق عام ٢٠٠٣ يتخذون من اليمن منطلقاً لتوجههم إلى جبهة القتال الجديدة.
وفي موازاة ذلك، كان تعمد النظام اليمني التعاطي المزدوج مع الجهاديين، فيسجنهم حيناً ويفرج عنهم حيناً آخر، تبعاً لما تقتضيه مصلحته، إلى جانب تردي الأوضاع اليمنية وتعزز التعاون مع واشنطن، يخلق شيئاً فشيئاً جيلاً جديداً من عناصر التنظيم الذين لا يريدون فقط الاكتفاء بمهاجمة الأهداف الأميركية، بل الحكومة اليمنية المتعاونة معها.
في غضون ذلك، كانت الحملة الأمنية السعودية تجاه «الفئة الضالة»، وهو مصطلح اعتادت السلطات إطلاقه على عناصر تنظيم القاعدة، قد وصلت إلى أوجها، دافعةً الأعضاء السعوديين إلى الفرار باتجاه اليمن، ليتعزز حضورهم في البلاد من جهة ويعملوا على تنظيم صفوفهم. وسرعان ما جاء عام ٢٠٠٩ ليمثّل تحولاً دراماتيكياً مع إعلان الفرعين اليمني والسعودي للتنظيم اندماجهما تحت مسمى «تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب»، في خطوة لم تكن لتحدث لولا مباركة التنظيم الأم، ولا سيما أن السنوات الأخيرة شهدت تضييقاً للخناق على التنظيم في أفغانستان وباكستان، وسمحت بالحديث عن أن اليمن قد يتحوّل إلى مأوى لعناصره الفارين، فضلاً عن أن عدداً من القياديين الحاليين للتنظيم كانوا على معرفة مباشرة ببن لادن، وبينهم ناصر الوحيشي الذي يعرف عنه أنه كان سكرتير زعيم تنظيم القاعدة، وعثمان الغامدي الذي شارك في قتال الأميركيين بعد غزو أفغانستان.
في موازاة ذلك، كان واضحاً أن التنظيم قد وسع دائرة أهدافه، الثابت فيها استهداف المصالح الأميركية والغربية؛ فتعرضت السفارة الأميركية لهجومين عام ٢٠٠٨، فيما حاول التنظيم اغتيال السفير البريطاني تيموثي تورلوت عام ٢٠١٠، واستهدف سيارة تابعة للسفارة البريطانية في تشرين الأول ٢٠١٠، واستُهدفت كذلك سيارة دبلوماسية أميركية في كانون الأول من العام نفسه.
ومنذ عام ٢٠٠٩، سُجل تطوّر نوعي باستهداف الولايات المتحدة والغربيين في عقر دارهم؛ مجزرة فورت هورد، التي قتل فيها الميجور نضال حسن 13 من أقرانه العسكريين في القاعدة العسكرية في تشرين الثاني، ومن ثم محاولة الشاب النيجيري، عمر فاروق عبد المطلب الذي زار اليمن، تفجير طائرة أميركية فوق ديترويت يوم عيد الميلاد، وأخيراً حادثة الطرود المفخخة في تشرين الثاني 2010 التي عمدت بعدها واشنطن إلى مطالبة صنعاء برفع مستوى أمن المطارات، وزيادة حجم تبادل المعلومات عن المسافرين من اليمن وإلىه.
كذلك عمل تنظيم «القاعدة» على استهداف المسؤولين اليمنيين أنفسهم، مستفيداً من تردي الوضع الأمني في الجنوب، في موازاة التطور الذي برز عام ٢٠٠٩ بتسجيل أول محاولة لاستهداف العائلة المالكة السعودية، وتحديداً من خلال محاولة الاغتيال الفاشلة التي طاولت مساعد وزير الداخلية السعودي محمد بن نايف، المكلّف ملف ملاحقة عناصر «القاعدة».
أما العام الماضي، فشهد أيضاً تطوراً بارزاً، لم يكرر حتى اللحظة، تمثل باستهداف اليمنيين المحسوبين على الحوثيين، عندما تبنى التنظيم تفجير سيارة مفخخة في محافظة صعدة ادعى أنها سببت مقتل الزعيم الروحي للحوثيين بدر الدين الحوثي، فيما أعلن مكتب الحوثي أن الانفجار استهدف شيعة كانوا يحتفلون بيوم الغدير.
وفي مقابل تصاعد نوعية عمليات التنظيم، رغم محدوديتها، سعت الولايات المتحدة إلى محاولة احتواء خطر التنظيم، معتمدةً على استراتيجية موزعة على المديين القريب والمتوسط. فهي من جهة تسعى إلى القضاء على التنظيم، لذلك لم تتوانَ في شنّ عدد من الغارات على عدد من المناطق اليمنية، مستفيدةً من توفير النظام اليمني «باباً مفتوحاً» لها لمحاربة القاعدة، مقابل تعهده تحمل مسؤولية هذه العمليات. وبينما نجحت في اغتيال بعض قادة التنظيم، وآخرهم علي عبد الله حصيان، المعروف بأبو علي الحارثي، عجزت عن الوصول إلى البعض الآخر، وبينهم رجل الدين الأميركي الأصل، أنور العولقي، أو قادة الصف الأول.
كذلك لجأت في موازاة رفع المساعدات العسكرية إلى زيادة المساعدات الاقتصادية. وبعدما كان حجم المساعدات يقتصر على ١٨,٧ مليون دولار عام ٢٠٠٦، ارتفع إلى ٢٩٠ مليوناً عام ٢٠١٠، خصص أكثر من نصفها لمساعدات عسكرية، فيما تخطط الإدارة الأميركية لاستثمار قرابة ١,٢ مليار دولار خلال الخمس إلى ست سنوات المقبلة.
وعلى الخط نفسه لرفع مستوى التعاون، كانت الإدارة الأميركية قد توصلت إلى مجموعة من الخلاصات بشأن مدى الدور الذي من الممكن أن تؤديه الحكومة اليمنية في حماية المصالح الأميركية، وأسهمت الوثائق المسربة من موقع «ويكيليكس» الخاصة باليمن في إيضاح بعض منها، وبينها أن (09STATE67105) الإرادة السياسية الضعيفة للبلد المضيف في مكافحة تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب «تسهم في توفير بيئة عمل متساهلة للغاية للعناصر المتطرفين، ما يشير إلى أن التهديدات للمصالح الأميركية وغيرها من المصالح الأجنبية في اليمن ستتواصل في المديين القريب والمتوسط».
كذلك كشفت الوثائق الامتعاض الأميركي من عدم التعاون في ملف اليمنيين المعتقلين بتهم الإرهاب، وخصوصاً المعتقلين داخل السجون اليمنية، الذين استطاع البعض منهم في عملية مريبة الفرار في عام ٢٠٠٦، فيما تولت السلطات إطلاق سراح البعض الآخر، وبينهم جمال البدوي، المتهم من مكتب التحقيقات الفدرالي «أف بي آي» بتولي مهمة اختيار منفذي هجوم المدمرة كول، إلى جانب فهد القوسو المتهم بدوره في التورط بالهجوم.
ومن بين المسلمات التي خلصت إليها الوثائق كذلك، فساد الجيش اليمني (09SANAA2186) وتوليه في بعض الفترات شراء أسلحة، ومن ثم إعادة بيعها في السوق السوداء، لتصل إلى أيدي عناصر القاعدة، بما في ذلك صواريخ الكاتيوشا التي وصلت إلى عناصر صومالية عام ٢٠٠٧، ومنظومات الدفاع الجوي المحمولة على الكتف التي استخدمت عام 2002 في هجمات على طائرة مدنية في كينيا، ومجموعة من الأسلحة التي استخدمت للهجوم على القنصلية الأميركية في جدة، عام 2004 (09STATE72112).
في هذه الأثناء، جاءت الثورة اليمنية لتعزز المخاوف الأميركية، ولا سيما مع انزلاق البلاد أكثر فأكثر نحو الفوضى من جهة، وانهماك قوات مكافحة الإرهاب اليمنية المدربة من قبل الولايات المتحدة، في قتال الشوارع خلال المعارك بين القوات الموالية لصالح وأنصار الشيخ صادق الأحمر في صنعاء، مقابل ترك الجنوب حيث يواجه «اللواء الميكانيكي ٢٥» عناصر مسلحين يشتبه في أنهم من تنظيم القاعدة.
ومن هذا المنطلق لجأت الولايات المتحدة إلى تسريب خبر تنفيذها أكثر من مرة ضربات جوية، بالتوازي مع خبر إقامة القاعدة العسكرية والسعي إلى نقل مسؤولية العمليات في اليمن من قيادة العمليات الخاصة المشتركة، إلى وكالة الاستخبارات الأميركية «سي آي إيه» وحدها. وهي خطوة أرادت الولايات المتحدة منها توجيه أكثر من رسالة. الرسالة الأولى وجهت إلى النظام اليمني الحالي، ومفادها أن الإدارة الأميركية غير مستعدة للسماح بتراخي قوات مكافحة الإرهاب في القيام بمهماتها وانزلاقها إلى الاقتتال الداخلي لتضيع معها سنوات من التدريبات.
أما الرسالة الثانية فموجهة إلى الأطراف السياسية اليمنية، وتحديداً بعض أطراف المعارضة التي أبدت امتعاضها مراراً من التدخل العسكري الأميركي في اليمن، وفحواها أن الأمن القومي الأميركي هو فوق كل اعتبار، ولذلك فإن تكليف الـ«سي آي إيه» مهمة إدارة عمليات اليمن، سيسمح بالالتفاف على أي اعتراض قد يصادف الإدارة الأميركية من قبل قادم جديد إلى السلطة، سواء لجهة رغبتها في استهداف عناصر القاعدة أو القيام بأي مهمات أخرى.
هذه المهمات تتعدد بتعدد المصالح القومية، وبينها ضمان أمن الطاقة العالمي في ظل الموقع الاستراتيجي، الذي يتمتع به اليمن على جهة باب المندب حيث يلتقي البحر الأحمر بخليج عدن، ويمر من خلاله ما يزيد على ٣ ملايين برميل نفط يومياً، في موازاة الحد من عمليات القرصنة المتصاعدة بعدما تمددت من قرب المياه الإقليمية الصومالية إلى مقربة من سواحل سلطنة عمان، وأدت إلى مقتل أميركيين.
كذلك ترغب الولايات المتحدة بضمان منع انتقال المقاتلين أو الأسلحة بين الصومال واليمن، ولا سيما في ظل المخاوف من توطيد حركة الشباب الصومالية، التي تقاتل الحكومة المركزية بهدف إسقاطها، لعلاقتها مع الفرع اليمني من تنظيم «القاعدة»، بعد إعلانها في عام ٢٠١٠ مبايعتها لأسامة بن لادن. إلا أن الأهم يبقى توفير موطئ قدم ثابت لها في الخليج العربي لمراقبة تهريب الأسلحة إلى حركات المقاومة في الدول العربية، وتحديداً غزة من طريق البحر الأحمر.
وفي السياق، أظهرت إحدى وثائق ويكيليكس الصادرة عن الخارجية الأميركية(09STATE72112) أهمية هذا الموضوع، من خلال إشارتها إلى مسار تهريب الأسلحة «عبر البحر الأحمر من اليمن إلى السودان، لنقلها إلى حركة حماس»، عبر مراكب شراعية صغيرة، وتشديدها على أهمية نيل موافقة الحكومة اليمنية لتحليق الطائرات الأميركية من دون طيار وطائرات الهليكوبتر فوق المياه الإقليمية اليمنية، لما يوفره هذا الأمر من تعزيز للقدرة على جمع المعلومات الاستخبارية اللازمة لتحديد المراكب الشراعية وتعقبها بمجرد دخولها المياه الدولية.




الغامدي إرهابياً عالمياً

صنّفت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، عثمان الغامدي، القيادي في تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، على لائحة الإرهابيين العالميين. وذكر بيان لوزارة الخارجية الأميركية، أن كلينتون صنّفت الغامدي «إرهابياً عالمياً»بموجب الأمر التنفيذي 13224 الذي يستهدف الإرهابيين ومن يدعمهم، أو أعمال الإرهاب، وذلك بعد قرابة عام من تصنيف الولايات المتحدة تنظيم قاعدة الجهاد في الجزيرة العربية منظمةً إرهابية أجنبية.
ووفقاً للبيان، فإن «الغامدي شارك في عمليات جمع تبرعات لعمليات التنظيم وأنشطته في اليمن، وعمل أيضاً مع أعضائه في شبه الجزيرة العربية بالتخطيط وجمع الأسلحة لهجمات مستقبلية».
بدورها، اتخذت الأمم المتحدة الموقف نفسه، وأدرجت الغامدي، الذي سبق أن اعتقل في غوانتانامو على لائحة العقوبات التي تطلب من الدول الأعضاء فرض تجميد لأرصدته ومنعه من السفر وحيازة الأسلحة.
(يو بي آي)