القدس المحتلة | منذ عام كامل وهم معزولون عن عائلاتهم وأطفالهم وحياتهم الاجتماعية الطبيعية، بعدما هدّدتهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بسحب هوياتهم المقدسية، بل وإبعادهم عن المدينة المقدسة بحجة ولائهم لغير «دولة إسرائيل». هؤلاء هم النواب الفلسطينيون أحمد عطون، ومحمد طوطح، ومحمد أبو طير، والوزير السابق خالد أبو عرفة، الذين يأكلون ويشربون وينامون داخل خيمة اعتصامهم.
الخيمة اختير لها عنوان محدد لسبب وجيه، وهو قرب مقرّ الصليب الأحمر في حي الشيخ جراح الذي اشتهر بقضية «الخيام» على مر العامين الماضيين؛ فقد مرت على هذا الحي خيمة «أم كامل» وخيمة «حنون» وخيمة «الكرد»، التي هدم الاحتلال بيوت أصحابها، أو صادرها، وها هي خيمة النواب تنضم إليها لتبيان انتهاكات الاحتلال بحق مدينة القدس وأهلها.
وتعود القصة إلى تاريخ قديم؛ فبعد «النكسة»، رفضت سلطات الاحتلال عودة 25 ألف مواطن مقدسي إلى المدينة ممن تركوها وقت الحرب. وهكذا بدأت عملية التهجير من القدس المحتلة. بعدها بقليل، سحبت تل أبيب هويات 14500 مواطن مقدسي، إضافة إلى إخراج 120 ألف مقدسي آخرين من المدينة بعد بناء جدار الفصل العنصري، ليصبحوا معرَّضين في أي لحظة لقرار سحب هوياتهم. من هنا، فإن قضية إبعاد النواب المقدسيين عن المدينة هي سياسة إسرائيلية قديمة جداً لتهجير كافة أهل المدينة من الفلسطينيين وتهويدها. ويقول الوزير خالد أبو عرفة من داخل الخيمة لـ«الأخبار»، إنه «عندما قررت سلطات الاحتلال إبعادنا، علمنا من مصادر صديقة بأن استخبارات الاحتلال تعدّ قائمة من 315 شخصية مقدسية لإبعادهم عن المدينة، وبالتالي قررنا المقاومة والبقاء هنا. وبنصيحة قانونيين، اختير مقرّ الصليب الأحمر، لأن إسرائيل ستجبَر عن التراجع عن قرار كهذا، ولن تستطيع إبعادنا من هناك». وعاد أبو عرفة إلى الحديث عن الخيام، مذكّراً بالنكبة والنكسة، وارتباطهما بمفهوم الخيمة عند الفلسطيني، ليؤكد أن ما يجري اليوم، وتحديداً في مدينة القدس، يؤكد أن «نكبتها وأهلها مستمرة حتى اليوم»، لأن الانتهاكات الإسرائيلية مستمرة وتزداد يومياً.
وعندما صدر قرار إبعاد النواب من قبل إسرائيل، أُعطوا مهلة شهر كامل، بدأوا خلاله بتحركات واسعة، منها لقاءان مع الرئيس محمود عباس، وجرى التوصل تقريباً إلى قرار بوقف إبعادهم شرط أن يمثلوا الشعب في رمزيتهم كنواب للمجلس التشريعي، لا لحركة «حماس». «بقينا في بيوتنا بعد هذه الانفراجة»، يقول أبو عرفة، لكن مع انتهاء المدة، اعتقلت سلطات الاحتلال الشيخ أبو طير، «وبالتالي تأكدنا أن دورنا آتٍ، وتحركنا سريعاً، وكنا بحاجة إلى أسلوب مقاومة متقدم للبقاء في المدينة، لأنه باعتقال الشيخ أبو طير، خُرق الاتفاق الذي حصل مع الرئيس أبو مازن». ويضيف الوزير الفلسطيني أنه «كان هناك تلكّؤ من السلطة الفلسطينية تجاه قضيتنا، كذلك فإن المجلس التشريعي لم يقدم لنا شيئاً على الإطلاق، سوى مخاطبات للبرلمانات الشقيقة والصديقة للإفراج عن النواب المعتقلين في سجون الاحتلال، ووقف قرار إبعاد النواب من القدس».
ويشير أبو عرفة بسعادة إلى أنه وزملاءه تمكنوا من جعل قضيتهم «ملفاً قوياً ومتيناً من خلال الوفود الأجنبية التي تزورهم لتمثلهم في كافة المحافل الدولية، وخاصة بهدف إدخال القضية إلى مجلس الأمن»، وهو ما عجزوا عن فعله، «وكان دائماً هناك جهة ما تمنع وصول ملفنا إلى نيويورك، رغم حدوث قضايا كهذه ونجاحها من قبل، وأهمها قضية مبعدي مرج الزهور في عام 1992». يشدد أبو عرفة على أهمية انعكاس «رياح التغيير» التي تعصف بالوطن العربي على قضيتهم، وكيف أن هذه الرياح أسهمت في المصالحة التاريخية بين حركتي «فتح» و«حماس»، وفتح معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة. وبرأيه، فإنّ هذه المصالحة «جعلت الفلسطينيين بصدد تحقيق وحدة الكلمة، للتمكن من التقدم إلى العالم بطلبات واضحة لا بد لها أن تتحقق لمجرد طلبها، لأن قضيتنا عادلة».
بدورها، لم تتوقف إسرائيل عن محاولاتها لإبعاد النواب. وفي السياق، قررت «محكمة العدل العليا الإسرائيلية» الاستئناف في قضية إبعاد نواب القدس في السادس والعشرين من شهر حزيران الجاري. وبحسب الحملة الدولية للإفراج عن النواب المعتقلين، فإن تأجيل المحكمة النظر في شأن قضية الإبعاد هو دليل واضح على عدم توافر أي ذريعة لإقرار ما قامت به وزارة الداخلية الإسرائيلية من سحب لإقامات النواب ومصادرة هوياتهم الثبوتية.
مُحامون ومُختصون في شؤون القانون الدولي والإسرائيلي أكدوا لـ«الأخبار» أنّ السلطات الإسرائيلية لا يحق لها سحب الإقامة الدائمة (أو الهوية) من المواطنين المقدسيين وتجريدهم من حقوقهم، باعتبار أن القدس مدينة محتلة تسري عليها القوانين الدولية. وتعهد بعض المحامين بأنه «سيجري التوجه إلى المحاكم الدولية للحيلولة دون تنفيذ قرارات سحب هويات نواب القدس»، وذلك بعد استنفاد كافة الإجراءات القانونية الإسرائيلية، كما تنص القوانين الدولية، لافتين إلى أنه في حال رفض المحكمة الإسرائيلية العُليا لالتماس النواب، وموافقتها على سحب هوياتهم، فإن ذلك سيكون سابقة قضائية، وصلاحية مُطلقة لوزير الداخلية الإسرائيلي بسحب إقامة أي مواطن مقدسي بسبب انتمائه السياسي.