في موازاة رغبتها في ملاحقة عناصر تنظيم «قاعدة الجهاد في جزيرة العرب»، ترى الولايات المتحدة أنه لا بد من ضمان استقرار البيئة السياسية في جنوب اليمن، حيث من المفترض أن تنشط قواتها لمكافحة عناصر التنظيم، ولا سيما أن العلاقة بين النظام اليمني، والمواطنين الجنوبيّين قد تردّت إلى درجة باتت معها قدرتهم على التعايش مع النظام بتركيبته الحالية مستحيلة، وهو ما دفعهم إلى رفع مطالب سياسية بضرورة التغيير في مقابل لجوء البعض إلى رفع السلاح في بعض المناطق، وإخراجها عن سلطة الدولة المركزية.
وتدرك الولايات المتحدة جيداً أن تيارين رئيسيّين يتنازعان المشهد على الساحة الجنوبية. الأول يصر على مطلب فك الارتباط بين الشمال والجنوب، ويتزعمه نائب الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض، من مبدأ أن الوحدة التي كان البيض طرفاً في إقرارها، أثبتت فشلها بعدما عمد النظام اليمني، وتحديداً الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، إلى محاولة إلغاء الهوية الجنوبية، وتهميش الجنوبيين. وبالتالي يصر المنضوون في هذا التيار على أن تغيير النظام إن حصل، لن يثنيهم عن المطالبة بفك الارتباط، وخصوصاً أنهم يرون أن التظاهرات التي أطلقها الحراك الجنوبي منذ عام 2007، قوبلت طوال السنوات السابقة بآذان صمّاء في الشمال، وغاب معها أي تضامن مع أعضاء الحراك الجنوبي، الذين واجهوا الاعتقال والسجن وحتى القتل في إطار تصدي السلطات لهم على غرار غياب التضامن الذي عايشه أبناء الجنوب خلال حرب عام 1994، عندما ثُبّتت الوحدة بالقوة.
في المقابل، يجادل التيار الثاني، بأن فشل الوحدة يتحمله صالح نفسه، لأن خطواته الإقصائية كانت نابعة بالدرجة الأولى من نزعته إلى التفرد في حكم البلاد شمالاً وجنوباً، على حد سواء، وأنّ الشماليين قد عانوا ممارسات صالح بالقدر نفسه الذي عاناه الجنوبيون، وبالتالي فإن الوحدة اليمنية تستحق أن تنال فرصة جديدة في حال سقوط النظام، على أن تكون مبينة على أسس جديدة، ومن بينها النظام الفدرالي.
وفي السياق، يرى هذا التيار نفسه طرفاً لا يتجزأ من الثورة التي تشهدها البلاد حالياً، بل يذهب إلى أبعد من ذلك باعتبار أنه كان له الدور المركزي في تهيئة البيئة اليمنية أمام استخدام ورقة الشارع ضد النظام، نتيجة التظاهرات المتعددة التي شهدتها المحافظات الجنوبية منذ أكثر من ثلاث سنوات، والتي تدرجت من مطالبات بمجموعة من الحقوق الاجتماعية إلى مطالب سياسية، حاول مؤيدو فك الارتباط أن يكون صوتهم هو الأعلى فيها.
وتأسيساً على ذلك، تبدي واشنطن منذ فترة انفتاحاً على الاجتماع بمختلف الأطياف السياسية المعنية بالوضع الجنوبي، سواء تلك المقيمة داخل اليمن أو خارجه، ولا سيما أن التيارين بدآ منذ فترة بترتيب أوراقهما لمرحلة ما بعد صالح.
وبعد أقل من شهر على انعقاد مؤتمر «القضية الجنوبية» في القاهرة، بحضور الرئيس الجنوبي السابق علي ناصر محمد ورئيس وزراء اليمن الأسبق حيدر أبو بكر العطاس، اللذين يعملان على اعتماد الخيار الفدرالي حلاً للأزمة الجنوبية، أعلن أحمد عمر بن فريد، المنضوي ضمن تيار الاستقلال الجنوبي، أن «عدداً كبيراً من أبناء الجنوب في الخارج سيعقدون لقاءً تشاورياً في مدينة بروكسل البلجيكية يومي 25و26 من هذا الشهر لتبادل الأفكار والتصورات»، وصولاً إلى عقد «مؤتمر وطني جنوبي» يجمع «المؤمنين بهدف الاستقلال لشعب الجنوب على نحو واضح لا لبس فيه»، مؤكداً أن اللقاء يحظى بمباركة البيض.
وعلى صعيد متصل، تحدثت معلومات عن أن دبلوماسيين أميركيين أجروا لقاءات قبل فترة وجيزة بالبيض في إحدى العواصم الأوروبية، ركّزوا خلالها على الاستماع إلى وجهة نظره بشأن الأحداث، حيث أعاد التأكيد على مطلب فك الارتباط، مقدّماً إياه على أنه الحل الوحيد للأزمة الجنوبية.
في المقابل، أكد مصدر محسوب على تيار المطالبين بمنح الوحدة بين الشمال والجنوب فرصة ثانية، وجود تواصل مع الأميركيين، نافياً في الوقت نفسه ما أشيع عن قيام وفد بريطاني سياسي بزيارة الجنوب ولقاء عدد من قادة الحراك، مؤكّداً أن الزيارة كانت لوفد إعلامي فقط.
وشدد المصدر على وجود «تواصل مع من يهتم بالوضع اليمني، ولا سيما في ظل الموقع الاستراتيجي الذي يتمتع به الجنوب»، مؤكداً أن الحل للجنوب يجب أن يقوم على دولة مدنية حديثة تقوم على إعادة هيكلة النظام السياسي لليمن، بما يسمح بإرضاء الجنوبيين ويضمن إبقاء الوحدة على أسس جديدة. ووفقاً للمصدر «تحولت الوحدة من مشروع حضاري إلى مشروع ذل واستنزاف للأرض، وبعدما كان الملايين قد خرجوا للاحتفال بها انتقلوا خلال سنوات معدودة إلى انتقادها ورفضها».
أما عن البديل الذي يطرحه تيار البيض، فلم ينكر المصدر أن هناك قطاعاً واسعاً يطالب بفك الارتباط، مشيراً الى أن حسم أيّ من الخيارين يجب أن يجري بالاستماع إلى أبناء الجنوب ومعرفة ماذا يريدون، وخصوصاً أن الثورة على وشك الانتهاء، محذراً في الوقت نفسه مما يجري من أحداث راهنة في اليمن. وأشار إلى أن «الوضع مأساوي في عموم البلاد، ولا سيما أن البلاد في حالة ثورة، وأنها دخلت في متاهات عدة نتيجة ما يحدث، أما في الجنوب، فالمأساة مضاعفة، لأنه مهمل في الأساس منذ قيام الوحدة، فيما لطالما كانت الدولة غائبة بمؤسساتها عنه».