في تاريخ 17 كانون الأول 1965، أصدر قاضي الأمور المستعجلة في بيروت حكماً يطلب من الفلسطينيين إخلاء العقار 2608. العقار المذكور لا يزال موضوع خلاف منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا بين الفلسطينيين وجمعية المقاصد. أما العقار المذكور المطلوب إخلاؤه فهو «تجمع الداعوق» الواقع بالقرب من مخيم شاتيلا. في 14/1/1966 استأنف الفلسطينيون الحكم بوجه جمعية المقاصد. قدموا الأسباب التي دفعتهم الى الاستئناف بأن «إشغال الأرض حصل بموافقة الجمعية بدليل أن الإشغال استمر سبع عشرة سنة متوالية بدون أي اعتراض، ما يزيل عنصر التعدي والإشغال غير الشرعي». كما أن «التسامح بالإشغال لم يكن مقروناً بأي شرط سوى انتهاء أزمة اللاجئين، ما يدل على أن الإشغال يبقى مقروناً طيلة المدة التي يتطلبها حل أزمتهم وتشردهم». الاستئناف تم قبوله «شكلاً ورده أساساً وتصديق الحكم المستأنف برمته»، أي إخلاء منطقة الداعوق. تنفيذاً للحكم، تطلب دائرة تنفيذ بيروت مؤازرة قوى الامن الداخلي من اجل اخلاء العقار. القوى الامنية ترفض هذا الطلب، اذ بحسب المذكرة الرقم 1908/15ف الصادرة بتاريخ 19/4/1968 يرسل المدير العام لقوى الامن الداخلي بالوكالة «الزعيم» الركن ميشال نوفل الى وزير الداخلية حينها بدر المعوشي مذكرة يطلب فيها توجيهاته، قائلاً ان «الأحكام القضائية لا بد من تنفيذها، انما تنفيذ هذه الأحكام قد يؤدي الى الإخلال بالأمن ويتوجب اذ ذاك، أن تبدي الحكومة رأيها بالموضوع بعد استشارة مجلس الامن (المركزي)». في الرسالة نفسها، يشير نوفل لوزير الداخلية الى أن «الاخلاء في حال تنفيذه سوف يؤدي الى مضاعفات على صعيد الأمن اذا لم يتدبر مسبقاً أمر ايواء العائلات التي تشغل العقار المشار اليه». يعيد المعوشي الرسالة لنوفل في اليوم نفسه قائلاً «مع الإفادة أنه بالنظر الى العدد الكبير للأشخاص المطلوب تخليتهم العقار ولعدم إعداد منازل لهم، فإن التنفيذ بواسطة قوى الامن الداخلي من شأنه ان يؤدي الى الإخلال بالنظام العام، ولذلك لا يسعنا والحالة هذه أن نضع القوى تحت تصرف دائرة الإجراء للتنفيذ جبراً». بعد هذه المشاورات، يوجه المدير العام بالوكالة كتاباً الى رئيس دائرة التنفيذ في بيروت مرفقاً بصورة عن توجيهات وزير الداخلية الرافضة لتنفيذ القرار قائلاً له «بالإشارة الى كتابكم الرقم 917/210 تاريخ 20/2/1967 (...) والمتعلق بطلب تأمين مؤازرة موظفي دائرتكم في تنفيذ اخلاء عقار في محلة المزرعة. أتشرف بإعلامكم أن العقار المشار اليه يشغله حالياً ما يقارب ثلاثة الاف لاجئ فلسطيني وعملية إخلائه يمكن ان تؤدي الى مضاعفات على صعيد الأمن بالنظر الى تشريد عائلات هؤلاء اللاجئين الذين لم تدرس قضية تأمين المساكن اللازمة لإيوائهم». هذه المراسلات كانت في عام 1967، ورفض تنفيذ الحكم من قبل قوى الأمن الداخلي كان بسبب تبعات الموضوع على الصعيد الأمني. عملية الإخلاء لم تتم بالرغم من أن عدد قاطني «تجمع الداعوق» كان ثلاثة آلاف شخص فقط حينها، وكان للمكتب الثاني السيئ الصيت بالنسبة الى الفلسطينيين السيطرة على المخيمات، كما لم تكن الثورة الفلسطينية المسلحة حينها موجودة على الأراضي اللبنانية. هذا الخلاف القديم عاد الى الواجهة حالياً بعدما عمد بعض الفلسطينيين، الذين لم يتسنّ لهم إعادة إعمار بيوتهم بعد حرب المخيمات، الى إعادة إعمارها الآن، بالاضافة الى بناء طبقات اضافية مخالفة للأبنية القائمة. هكذا صرح رئيس جمعية المقاصد أمين الداعوق في 15/6/2011 بأن «عمر الداعوق (توفي عام 1949) سمح للفلسطينيين (ايام النكبة) بنصب خيم مؤقتة في مقبرة الداعوق خدمة للإنسانية (...) وأن التعدي على عقار الأوقاف الاسلامية 2608 المعروف بمقبرة الداعوق بتولي جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية هو أمر مرفوض». هكذا استفاقت المقاصد، وبتوقيت غير مفهوم، على المطالبة بالوقف الذي سمح باستخدامه الداعوق حتى «عودتهم الى ديارهم» . أما بالنسبة إلى الفلسطينيين، فيقول أحد مسؤولي اللجان الشعبية، الذي رفض الكشف عن اسمه، «هل يريدنا الداعوق أن نبقى في خيامنا حتى يومنا هذا؟ هل يفترض أن نبقى في خيام ليسمح لنا بإشغال الأرض؟ هل يريد إخلاء منطقة الداعوق وما جرى في نهر البارد ماثل أمامنا». وعمر الداعوق كان عام 1948 رئيساً لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، يومها قال للنازحين المنكوبين «شفهياً» بأن يبقوا في هذه الأرض الى حين عودتهم الى ديارهم وانتهاء أزمة اللاجئين. فتولى الكشاف المسلم التابع لجمعية المقاصد نصب الخيام في تلك الرقعة من الأرض. مرت الأيام ولم يعد الفلسطينيون الى ديارهم بعد. فتحولت الخيام رويداً رويداً الى بيوت تنكية، ثم تحولت بيوت الزينكو الى منازل ذات جدران. ثم ترسخ المؤقت دون أن تجد الدولة اللبنانية حلاً لهؤلاء، فتمددت تلك البيوت لتصبح مباني صغيرة. في حرب المخيمات جرف مخيم الداعوق بعد تدميره، وانتظر البعض نهاية الحرب حتى عادوا لإعمار بيوت لم يستطيعوا الاستغناء عنها، وبعضهم لم يستطع لضيق ذات اليد. لكن أحداً لم «يحتل» مكانهم، فبقيت تلك الأماكن فارغة بانتظار تيسّر ما يكفي لدى أهلها. وفي «هبّة» البناء، رأى هؤلاء أن بإمكانهم العودة إلى بناء تلك المنازل، الا ان الجمعية فتحت الملف بذاك التصريح لرئيس جمعية المقاصد. فما هو المطلوب من الفلسطينيين والوقف هو لمقبرة؟ إعطاء أمكنتهم للأموات؟ نحن نتكلم على جمعية المقاصد ودار الفتوى، أي الجهة التي تؤول اليها املاك الفلسطينيين المتوفّين بعد قانون منعهم من التملك. هذا دون الحديث عما آلت ملكيته اليهم قبل الآن. «الأخبار» اتصلت بمكتب رئيس جمعية المقاصد امين الداعوق مرات عدة، محاولة الحصول على الإجابة عن هذه الأسئلة، الا ان الأخير اعلن على لسان سكرتيرته «رفضه التعليق».


في 25 نيسان من عام 1934 توجه رئيس جمعية المقاصد الخيرية عمر بك الداعوق مع نائبه حسن بيك القاضي، ليوقف الأول العقار الرقم 2608 لجمعية المقاصد. عمر الداعوق اوقف 15344 متراً مربعاً لتكون «تربة لدفن اموات المسلمين»، كما تظهر «حرفية العقد» لـ«الافادة العقارية» الموقعة في تاريخ 1934 وقد حصلت «الاخبار» على نسخة منها. الداعوق اوقف الأرض لتصبح تربة ليدفن فيها هو ومفتي الجمهورية السابق محمد توفيق خالد. يتوفى الرجلان فيدفن الأول في مقبرة السنطية التي تحول جزء منها الى موقف للسيارات «الداون داون»، والثاني في منطقة الأوزاعي.