الخرطوم | عبر باخرة الأحلام غادر عبد الله، الآتي من قريته النائية في ولاية النيل الأبيض، ميناء وادي حلفا في أقصى شمال السودان إلى ميناء أسوان على نهر النيل، تاركاً خلفه مرارات وضنك في المعيشة لم يستطع تحملهما، بعدما أدت الحرب بين الشمال والجنوب إلى مصادرة كل آلياته الزراعية وأراضيه حيث كان يعمل مزارعاً في أراضي يمتلكها على تخوم حدود الولايات الجنوبية ليجد نفسه بلا مصدر رزق.
لم تكن مصر هي منتهى أحلامه، بل كانت محطة لعالم الأحلام أميركا، كندا، أوستراليا. استعان بخبرة من سبقوه من معارفه وأصدقائه، فقدم أوراقه لمكتب شؤون اللاجئين التابع للأمم المتحدة في القاهرة للحصول على صفة لاجئ، ومن ثم انتظر اكتمال إجراءات تسفيره بواسطة منظمة الهجرة الدولية إلى واحدة من تلك الدول الثلاث. كان ذلك في مطلع عام 2003. قدّر عبد الله، ألا يتجاوز وقت الانتظار ستة أشهر، لكنه تحول إلى ستة أعوام تضاعفت معها مساحات اليأس والإحباط داخل نفسه. وزاد من سوء أوضاعه صعوبة الحالة المعيشية ببلد الانتظار، مصر، حيث لم يجد أي فرصه لعملٍ يمكّنه من سد رمقه، فضلاً عن المضايقات المستمرة التي تواجهه هو ورفاقه كلاجئين، سواء من المجتمع المصري الذي يرفضهم، أو الجهات الأمنية التي تلاحقهم دائماً.
الملاحقة بلغت أوجها في خواتيم عام 2005 حينما وقعت الأحداث الشهيرة التي عرفت بـ«مجزرة مصطفى محمود»، عندما تدخلت قوات الأمن المصرية بعنف لفض اعتصام للاجئين السودانيين في ميدان مصطفى محمود، وأطلقت عليهم النار لتقتل نحو 27 منهم، وقد مثّل هذا الحادث نقطة تحوّل كبيرة في حياة اللاجئين السودانيين بمصر، حيث قرر عدد كبير منهم بعده العودة إلى السودان.
غير أن عبد الله لم يرد الرجوع بخفي حنين إلى بلده، وكانت قد راجت أنباء وقتها عن وجود مهربين من البدو المصريين يهربون اللاجئين السودانيين والأفارقة إلى داخل إسرائيل مقابل مبلغ مالي يراوح بين 200 إلى500 دولار، وأمام اليأس لم يتوانَ في اتخاذ قراره بالذهاب إلى الدولة الوحيدة في العالم التي لا يستطيع الدخول إليها عبر جواز سفر ختم عليه «يسمح الدخول به إلى كل دول العالم عدا إسرائيل».
بدت نبرة فقدان الأمل واليأس على كلمات عبد الله، التي أوصلها عبر الإنترنت، حيث وصف لـ«الأخبار» حجم المعاناة التي وجدها ورفاقه من اللاجئين السودانيين داخل إسرائيل، فكانت العنصرية محركاً أساسياً لطريقة التعامل معهم، باعتبار أن المهاجرين إلى إسرائيل يخضعون لتصنيف وفق العرق. على الرغم من الترحيب الذي وجدوه بدايةً عند الحدود مع مصر، وجد نفسه في منطقة لا يستطيع منها فكاكاً، وكانت معاناته حتى في إرسال تحويلات مالية إلى ذويه بالسودان، حيث كان هو ورفاقه يضطرون إلى إرسالها إلى أصدقائهم في أميركا وأوستراليا ليرسلوها إلى السودان. ويختم حديثه بأنه على الرغم من ذلك، إلا أن وضعه أفضل حالاً من آخرين يواجهون مشاكل صعبة للغاية، وكثيرون منهم يقبعون داخل السجون الإسرائيلية.
وبسبب مثل تلك الظروف السيئة والمشابهة لحالة عبد الله، اختار إيمانويل العودة الطوعية إلى السودان منذ الربع الأول من العام الماضي، وكان من المحظوظين الذين قبلت طلباتهم، وعاد نهاية تشرين الأول الماضي، حينما رحّلت إسرائيل 152 من طالبي العودة الطوعية إلى كمبالا ومنها إلى جوبا.
ويروى صديقه المقرب فيكتور، المقيم في جوبا، رحلة إيمانيول داخل إسرائيل وظروف معاناته التي دفعته للعودة إلى السودان، بعدما توفي الأخير عقب عودته بأقل من شهر.
ويشير إلى أن إيمانيول كان قد ترك مقعده في كلية الطب في جامعة الخرطوم ليذهب إلى مصر، ومنها إلى الولايات المتحدة الأميركية، التي يقيم فيها شقيقه الأكبر. لكن أهدافه التي خطط لها لم تأت كما يشتهي، فخرج ضمن فوج مكون من 20 فرداً، معظمهم سودانيون، نساء وأطفال ورجال من كل أنحاء السودان، ساعدهم بعض الضباط على الحدود المصرية للتسلل إلى داخل الحدود الإسرائيلية مقابل 300 دولار للفرد. لكن سوء الطالع ظل يلاحقه؛ إذ اصطدم بواقع وظروف صعبة للغاية، وكانت فرص العمل نادرة، وكانت بنظام الساعات المنخفضة القيمة، وخصوصاً بالنسبة إلى اللاجئين السودانيين من أصول جنوبية، ولا سيما بعد تدفق اللاجئين من أبناء دارفور إلى إسرائيل، فعاش أوضاعاً مأساوية، قرر بعدها العودة إلى نقطة البداية في مسقط رأسه، مدينة واو بولاية غرب بحر الغزال.
فصل آخر من معاناة السودانيين في إسرائيل كشفه لـ«الأخبار» مصدر في الحركات الدارفورية، فضل عدم ذكر اسمه، مشيراً إلى أن إسرائيل لديها معسكر داخل أراضيها بالقرب من الحدود المصرية لاستقبال المهاجرين الأفارقة، تجبر من ينال منهم صفة اللاجئ على أداء الخدمة العسكرية في جزء من قانون الإقامة، أما غير المرغوب فيهم، فبعد وضعهم تحت الإقامة الجبرية مدة ستة أشهر، يرحلون إلى بلدانهم. وبحسب المصدر، إن معظم المستبعدين خارج إسرائيل من السودانيين خلال الأشهر الأخيرة هم من أبناء دارفور المسلمين، الذين نزحوا بأعداد كبيره خلال العامين 2005ـــــ 2006 بُعيد فتح رئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور لمكتب في إسرائيل.
هؤلاء العائدون من إسرائيل، سواء كانوا من الجنوبيين أو أبناء دارفور، اعتصموا، حسب المصدر، داخل قراهم في الجنوب ودارفور من دون الكشف عن تفاصيل رحلتهم إلاّ لقلة من المقربين، فيما توعدت الحكومة بتعقب العائدين.



مقتل 4 سودانيين على حدود إسرائيل

قالت مصادر أمنية إن أربعة مهاجرين سودانيين قتلوا أول من أمس برصاص الشرطة المصرية خلال محاولتهم التسلل إلى إسرائيل عبر الحدود الدولية. وأوضح مصدر أمني إن جثث القتلى نقلت إلى مستشفى العريش العام في مدينة العريش عاصمة محافظة شمال سيناء، لافتاً إلى أن مهاجرين آخرين شاركوا في محاولة التسلل التي وقعت قرب العلامة الحدودية رقم سبعة جنوبي معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة وأنهم عادوا أدراجهم داخل الأراضي المصرية بعد مقتل زملائهم.
ونتيجة تزايد عمليات قتل المهاجرين، ومعظمهم أفارقة يتدفقون من إقليم دارفور السوداني المضطرب واريتريا، على الحدود المصرية الإسرائيلية خلال العامين الماضيين، تطالب منظمة العفو الدولية بالتحقيق في حوادث قتل المهاجرين، لكن مصر تقول إن قواتها تحذر المهاجرين قبل إطلاق النار عليهم.
(رويترز)