فيما تواصل السلطات السورية حملتها الأمنية في عدد من المناطق الحدودية، بينها منطقة القصير القريبة من الحدود اللبنانية، عادت الأنباء عن وجود مسلحين ينتمون إلى جماعات متطرفة، يشنّون هجمات على القوات الحكومية في سوريا. وأفادت صحيفة «صندي تايمز»، في عددها الصادر أمس، بأن «إسلاميين مدجّجين بالسلاح فتحوا نيران أسلحتهم على قوات الأمن السورية في ما لا يقل عن أربع مدن انتقاماً لمقتل متظاهرين سلميين، وقتلوا أربعة من رجال الشرطة في بلدة معرة النعمان الواقعة شمال غرب سوريا، في هجوم شنّوه على مركز عسكري بالرشاشات وراجمات القنابل».
ونقلت الصحيفة عن مراسلتها في سوريا قولها إنها «شاهدت متشددين ملتحين بين صفوف المتظاهرين وهم يسخرون من الجنود السوريين في معرة النعمان»، مشيرةً إلى أن «جهاديين مسلحين اخترقوا الاحتجاجات المؤيدة للديموقراطية في معرة النعمان لاستفزاز الجيش للدخول في معارك دامية». وأضافت «اعتقد شيوخ القبائل الذين قادوا إحدى التظاهرات في بداية الأمر أن هؤلاء الرجال تسلحوا للدفاع عن أنفسهم في حال وقوع إطلاق النار، ولكن عندما رأوا المزيد من الأسلحة مثل البنادق وقاذفات القنابل الصاروخية في حوزة رجال ملتحين في سيارات وشاحنات صغيرة لا تحمل لوحات تسجيل، أدركوا أن المتاعب تنتظرهم». وأضافت «أن أعمال العنف اندلعت مع اقتراب المتظاهرين من ثكنة عسكرية تحصّن داخلها رجال الأمن والشرطة، وتفرّق المتظاهرون بعد سماع دوي الطلقات الأولى، وهرب بعض رجال الشرطة من الثكنة عبر مخرج خلفي، فيما طوّق المسلحون من بقي داخلها، وأُرسلت مروحية عسكرية لإنقاذهم، لكنها اشتبكت مع المسلحين لأكثر من ساعة». ونسبت إلى زعيم قبلي قوله «إن المروحية استخدمت معظم ذخيرتها للتخفيف عن رجال الشرطة المحاصرين في المبنى، واقتحم المسلحون الجزء الأمامي من المبنى، وأعقب ذلك تبادل كثيف لإطلاق النار أدى إلى مقتل أربعة من رجال الشرطة ومقتل أو إصابة 12 مسلحاً وإصابة 12 شرطياً آخرين بجروح، ونهب المسلحون المبنى وأضرموا النار فيه وفي محكمة مجاورة ومركز للشرطة». وأضاف الزعيم القبلي «إن رجال الشرطة الذين نجوا من الهجوم، في العاشر من حزيران الجاري، اختبأوا في منازل عائلات كانت تتظاهر في وقت سابق، وقاد هو وأبناؤه وأولاد أخيه 25 شرطياً إلى برّ الأمان».
وذكرت الصحيفة أن ناشطين «أبدوا قلقهم من أن المسلحين، بمن فيهم بعض الجهاديين، يمكن أن يقسّموا المعارضة ويقدموا الذريعة إلى قوات الأمن السورية لمواصلة إطلاق النار على المتظاهرين»، مشيرة إلى أن الحديث عن وجود مسلحين متطرفين «لم يأت من خلال مصادر في الحكومة السورية، بل من شخصيات من المعارضة وأدلة ملموسة حصلت عليها مراسلتها في سوريا». وبعدما ذكّرت بأن «رجال دين متطرفين في السعودية دعوا إلى الجهاد ضد النظام السوري»، تحدثت عن وجود «إشارات متزايدة إلى أن أسلحة يجري تهريبها إلى داخل سوريا عن طريق العراق ولبنان وتركيا».
في هذا الوقت، أكد رئيس الأركان السوري العماد علي حبيب، خلال تخريج دورتي القيادة والأركان العليا والدفاع الوطني، أن سوريا تتعرض لمؤامرة تأخذ أشكالاً عدة، حيث تمارس عليها ضغوط مستمرة ومتصاعدة في محاولة للتدويل والتدخل الخارجي ودعم الانقسام والاقتتال الداخلي. وقال إنه «في سياق المشروع التآمري الذي يستهدف وحدة سوريا وزعزعة أمنها واستقرارها، عمد المتورطون في المؤامرة إلى شنّ حملة تضليلية عبر عدد من القنوات الناطقة بالعربية والأجنبية، في محاولة لتأجيج نار الفتنة والتحريض على القتل، في الوقت الذي يتعامون فيه عن رؤية حقيقة الممارسات الإجرامية للتنظيمات الإرهابية المسلحة التي زرعت الموت في كل مكان من الوطن وروّعت المواطنين».
بدوره، نفى نائب وزير الخارجية والمغتربين، فيصل المقداد، وجود عمليات قمع للمحتجين المطالبين بالتغيير السياسي في البلاد، قائلاً: «إن ما يجري هو هجمات يشنّها مسلحون على القوات الحكومية والمدنيين». وقال في مقابلة خاصة مع CNN أجرتها معه في دمشق، إن الجماعات الدينية المتطرفة المموّلة من الخارج تؤجّج التظاهرات... وهذه المجموعات المتطرفة هي المسؤولة عن إطلاق التظاهرات وزيادة زخمها.
وفي السياق، قدّر الناطق باسم الجيش السوري رياض حداد، في مقابلة مع شبكة «سي أن أن»، أعداد القتلى في صفوف القوات المسلحة بـ410، بينهم 300 جندي من الجيش و60 عنصراً أمنياً و50 شرطياً، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن 700 ممن وصفهم بـ«الإرهابيين» وعائلاتهم فرّوا من السلطات السورية إلى داخل تركيا. واتهم «العصابات المسلحة» بقتل رجال الأمن أثناء الاحتجاجات الشعبية التي عصفت بسوريا.
في غضون ذلك، تراجعت حركة النزوح من سوريا إلى الأراضي التركية. وفيما ذكرت وكالة أنباء الأناضول أن 90 سورياً عادوا إلى بلادهم خلال اليومين الماضيين ليصبح عدد اللاجئين السوريين في إقليم هاتاي جنوب تركيا 11716 شخصاً، أكدت وكالة الأنباء السورية «سانا» أن إجمالي عدد الذين عادوا إلى سوريا بلغ 730، فيما أفاد مراسل «سيريانيوز» في محافظة إدلب عن وصول نحو 1200 شخص إلى مدينة جسر الشغور وريفها قادمين من المخيمات التركية.
في الإطار نفسه، وسّع الجيش السوري نطاق عمليته العسكرية في بلدة القصير القريبة من لبنان، ما دفع مئات الأشخاص للجوء إلى الجانب الآخر من الحدود. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن مختار بلدة الكنيسة علي حمود قوله إن «بين 350 إلى 400 شخص دخلوا الكنيسة الحدودية قادمين من سوريا، وانتشروا في عدد من منازلها وفي بلدة مجاورة»، لكنه أوضح أن «غالبية القادمين هم من اللبنانيين المقيمين في بلدتي الهيت والدويك السوريتين الحدوديتين».
(سانا، أ ف ب، يو بي آي)

معارضو الداخل يجتمعون اليوم للتشاور




مع استمرار الاحتجاجات المناهضة للنظام السوري، يعقد اليوم في دمشق لقاء تشاوري يضم عدداً من الشخصيات السورية المستقلة تحت شعار «سوريا للجميع في ظل دولة ديموقراطية مدنية» للتشاور في الوضع الراهن في البلاد وسبل الخروج من الأزمة

من المتوقع أن تشهد العاصمة السورية اليوم، اجتماعاً هو الأول من نوعه لعدد من الشخصيات المستقلة، للتباحث في الأزمة التي تعانيها سوريا، في ظل استمرار الاحتجاجات المناهضة للنظام، وتقديم رؤيتها لسبل الخروج من الأزمة.
وقال صاحب المبادرة الكاتب والناشر المعارض لؤي حسين، في حديث لوكالة «فرانس برس»، إن المدعوين إلى اللقاء الذي يعقد تحت شعار «سوريا للجميع في ظل دولة ديموقراطية مدنية»، «لا ينتمون إلى أي حزب أو تكتل حزبي»، مؤكداً أن «الاجتماع العلني حق من حقوقنا، ونحن نطالب به منذ بداية الاحتجاجات للتباحث في الشأن العام»، مضيفاً: «إن الناشطين يجب أن يجتمعوا ليقولوا كلمتهم في ما يجري في البلاد». وأضاف: «كنا نجتمع طبيعياً في جماعات صغيرة، إلّا أن هذا اللقاء هو نتاج الحاجة إلى توسيع الاجتماعات الصغيرة التي تجري بنحو غير علني».
من جهته، أشار الكاتب المعارض فايز سارة، أحد المشاركين في اللقاء، إلى أن «الفكرة من اللقاء تشخيص الأزمة والانتقال إلى كيفية المساهمة في إيجاد حل للأزمة الموجودة، سواء كانت مصحوبة بالعنف أو بدونه». وأضاف: «سيُنقل هذا التصور وطرحه عبر الإعلام ليكون ملكاً للجميع، فيتفاعل معه الناس بصورة إيجابية أو سلبية».
وبينما أشار سارة إلى أن «الهدف ليس إيصالها إلى طرف معين دون آخر»، رأى معارض سوري، لم يكشف عن اسمه أن «مجرد انعقاد المؤتمر هو خطوة على الطريق الديموقراطي في سوريا»، مشيراً إلى أن «الثقة بما تطرحه القيادة من أجل التغيير عبر القنوات الديموقراطية معدومة عند معظم النشطاء في الشارع السوري».
أما رئيس الرابطة السورية لحقوق الإنسان، عبد الكريم ريحاوي، فأكد «أن اللقاء لن يكون ناطقاً باسم أي تيار سياسي ولا باسم المحتجين بالشارع»، لافتاً إلى أن «المشاركين لن يلتقوا مع السلطة لأن لهذا اللقاء شروطاً».
وعلى صعيد متصل، نفى المنسق الإعلامي محيي الدين عيسو لوكالة «يونايتد برس إنترناشونال» وجود أجندات خارجية للملتقى أو ما أُشيع عن رعاية إحدى السفارات للقاء، قائلاً: «نحن لم نتلق أي رعاية من أحد، لا داخلية ولا خارجية، ونُقل موقع الاجتماع من فندة الشيراتون إلى فندق سميراميس، ضبطاً للنفقات المالية؛ لأن من يقوم بعملية تمويل اللقاء هم المشاركون، وكل حسب مقدرته المالية». وشدد على رفض حضور أي «أشخاص من السلطة أو من أعضاء حزب البعث ولا حتى المؤيدين للسلطة»، قائلاًَ: «نحن لن نتحاور مع أشخاص ينشرون الدبابات في المدن السورية، لا في هذا الملتقى ولا مستقبلاً».
كذلك أكد عدم حضور أي شخصية سورية شاركت في المؤتمرات التي عقدتها المعارضة السورية خارج البلاد، مشدداً على أن «المشاركين هم أشخاص من المعارضة الداخلية ومن جميع المحافظات السورية»، ومن بينهم ميشيل كيلو وعارف دليلة ولؤي حسين وفايز سارة ومازن درويش وغيرهم.
وقالت مصادر مقربة من المؤتمر إن ورقة العمل في الاجتماع ستركز على «بناء الثقة بين السلطة والشعب عبر تراجع العملية الأمنية إلى الخلف وتقدم العملية السياسية إلى الأمام، وإيجاد الوسائل للتصالح مع النخب السورية وإطلاق يدها للعمل في الحياة العامة، باعتبارها الشريك الوحيد للسلطة في خياراتها الإصلاحية والتغييرية». وتطرقت الورقة إلى قضية الإعلام، داعيةً إلى إيجاد «مناخٍ إعلامي مؤاتٍ عبر السماح لكل سوري بالوصول إلى المعلومة الصحيحة كي يتمكن من تكوين رأيه السياسي». كذلك دعت الورقة إلى «إنشاء مجلس وطني تشريعي بمشاركة حزب البعث وشخصيات مستقلة، بحيث يتألف من 100 عضو واعتبار الحكومة الحالية حكومة تصريف أعمال وأن يُدعى إلى انتخابات تشريعية عامة في فترة لا تتجاوز ستة أشهر».
يأتي ذلك في وقت يسعى فيه ممثلون عن المعارضة السورية، من المقرر أن يزوروا موسكو اليوم، إلى إقناع روسيا بتغيير موقفها الرافض لاستصدار قرار في مجلس الأمن يدين تعامل النظام السوري مع المتظاهرين السلميين. وقال المدير التنفيذي للمركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية في واشنطن، رضوان زيادة، لوكالة «يونايتد برس إنترناشونال»: «كان من المقرر أن يكون الاجتماع سرياً، لكننا فوجئنا بالمبعوث الخاص (الروسي) يعلنه من العاصمة الليبية طرابلس حين زارها أخيراً»، مشيراً إلى أن «إعلان اللقاء يعني أن هناك رغبة روسية في الانفتاح على الأطراف المختلفة من المعارضة السورية، ونعتقد أنها خطوة بالاتجاه الصحيح نحو تغيير موقف روسيا وإدراكها أن مصالحها في النهاية هي مع الشعب السوري».
من جهته، أعلن عضو الوفد نجيب الغضبان أن «المعارضة السورية ترحّب كثيراً بهذه الدعوة، ونعتقد أنها تمثل تحولاً من ناحية إدراك روسيا للتطورات الأساسية على الأرض في سوريا؛ لكونها تقيم علاقات متينة مع النظام، لكن علاقاتها بدرجة أساسية تبقى مع سوريا البلد ومع الشعب السوري».
وأشار الغضبان إلى أن تغيير الموقف الروسي حيال النظام في سوريا «يحتاج إلى مزيد من الجهد»، وأن المعارضة تتواصل مع الدول الأخرى بما فيها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وتحث بعض الدول العربية على التواصل مع روسيا لإقناعها بتغيير موقفها أو الامتناع على الأقل عن استخدام حق النقض ضد أي قرار يدين النظام في سوريا.
(أ ف ب، يو بي آي)