دمشق | حتى ساعات متأخرة من ليلة أول من أمس، لم يكن منظّمو مؤتمر «سوريا للجميع في ظل دولة ديموقراطية مدنية» على دراية إن كانوا سيتمكنون من عقد لقائهم أو لا. لكن في ساعات الصباح الأولى أبلغوا أن قاعة الروابي في فندق سميرا ميس ستكون تحت تصرفهم وذلك بعدما لوّح بعض منظميه بإصدار بيان يحمّل السلطات السورية مسؤولية عرقلة لقائهم.وعلى عجالة من أمرها، أعادت شخصيات معارضة ترتيب أوراقها، وتوجيه دعوات مجدداً وافتتاح لقائها بالوقوف دقيقة صمت على أروح شهداء الحرية من المدنيين والعسكريين، تلاها النشيد الوطني السوري، الذي امتزج بدموع بعض الحاضرين، لدى شعورهم بأن صفحة جديدة، عنوانها الحرية، يفتحونها مع انعقاد هذا الاجتماع الذي أصدر بياناً ختامياً دعا إلى دعم الانتفاضة السلمية الشعبية، من أجل تحقيق أهدافها في الانتقال إلى دولة ديموقراطية مدنية تعددية تضمن حقوق جميع المواطنين السوريين السياسية والثقافية والاجتماعية وحرياتهم، كما تضمن العدالة بين جميع المواطنين والمواطنات بغض النظر عن الدين أو العرق والجنس.
كذلك دعا المجتمعون إلى إنهاء الخيار الأمني وسحب القوات من البلدات والقرى وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة ذات صدقية للتحقيق في جرائم القتل التي تعرض لها المواطنون المدنيون وعناصر الجيش، بالإضافة إلى المطالبة بالتظاهر دون إذن مسبق وإطلاق جميع المعتقلين السياسيين، بمن فيهم معتقلو الرأي والذين اعتقلوا على خلفية الأحداث الأخيرة دونما استثناء.
ورفض المجتمعون التجييش الإعلامي الرسمي، وطالبوا بفتحه أمام جميع الموالين والمعارضين للتعبير عن رأيهم، وفتح الباب أمام الإعلام العالمي لتغطية الأحداث السورية. وأكد البيان الختامي أن جميع المشاركين في اللقاء هم من المستقلين والمعارضين غير الحزبيين ليسوا بديلاً لأي طيف أو أي تنظيم، ولا يضع نفسه في مواجهة قوى المعارضة الديموقراطية.
وخلص اللقاء إلى تلك النتائج بعدما انطلق بكلمة للمعارض لؤي الحسين، سلم بعدها الجلسة لمنذر خدام الذي قادها طيلة فترة المؤتمر. وقال حسين في كلمته «الحضور ليسوا مسلحين أو إرهابيين أو مخربين أو لديهم أي أجندة مرسومة مسبقاً سوى ما قالوه دوماً، إن النظام الاستبدادي الذي يحكم البلاد لا بد له من الزوال وإقامة نظام ديموقراطي مدني على أسس المواطنة وحقوق الإنسان ليحقق العدالة والمساواة لجميع السوريين من دون تمييز بينهم على أساس العرق أو الدين أو الجنس أو اللون أو أي أساس آخر».
وفي قراءته للأوضاع التي عاشتها سوريا في الأشهر الماضية، قال حسين «إن كان راهننا مشوش الصورة، فإن غدنا الذي لا نعرف ملامحه، والذي قد يكون أحد احتمالاته انهيار النظام السياسي، فإن علينا أن نعمل منذ الآن لما بعد غدنا كي نحول دون انهيار الدولة وانفراط المجتمع».
من جهته، قال منذر خدام «من كان يتوقع أن المعارضة ستعقد جلسة واجتماعاً في سوريا، فقد كانوا يحصون علينا أنفاسنا، ويجب أن نتذكر أننا نجتمع في حضرة دماء الشهداء، التي سالت على الأرض ومهدت لنا الطريق لمزيد من الحريات».
بعد ذلك، تلا رئيس الجلسة ورقة العمل والخطة التي سيسير عليها الاجتماع، والتي بدأت بكلمة للمعارض السوري ميشيل كيلو، قال فيها «إن الأزمة التي تعيشها سوريا تحتاج إلى عقل وتغيير ورغبة في تطبيق الديموقراطية وإعطاء مزيد من الحريات، لكن نظرية المؤامرة التي يتمسك بها النظام، تجعله يعتصم بالحل الأمني، وأنا أقولها صراحة إن من يتمسكون بالحل الأمني هم من يريدون تدمير سوريا، وأنا شخصياً لن أشارك فيه حتى لو قطعوا رأسي». وأضاف قائلاً «إننا لو وجهنا السؤال منذ 5 أشهر لأي جهة أمنية عن العصابات المسلحة لكان الجواب بأن سوريا نظيفة من أي تنظيمات مشابهة، لكننا اليوم على الأرض نفاجأ بأن هناك تنظيمات مسلحة تواجه مجموعة من الفروع الأمنية، إضافة إلى الجيش. باختصار، إن الأيديولوجية التي أنتجت خلال 40 عاماً لا يمكن إلا أن تخلص الى ما نراه اليوم».
بعد ذلك، استشهد كيلو بمقولة لكارل ماركس، قائلاً «النظام الذي لا يفهم الواقع، يتجه نحو السقوط»، معتبراً أن من الضرورة زوال النظام الحالي على المستوى الهيكلي ليعيد تأسيس ذاته، معتمداً على القوى الوسطى المبدعة والمنتجة، ليكون إنتاج السلطة من المجتمع، بتكريس مفهوم المواطنة، حيث لا يعرف الإنسان بناءً على دينه أو طائفته أو بيئته الاقتصادية. وختم كيلو كلمته بتذكير الحضور بأنه ساهم مع قلة قليلة في النضال من أجل الحرية، ومع ذلك فقد تعالت أصوات تتهم المؤتمر ومنظميه بأنهم يريدون المساومة من أجل حريات شعبهم. ورد كيلو على هذا الاتهام بقوله «عندما كنا وحيدين لم نساوم ولم نراوغ ولم ننبطح، اليوم والملايين في الشارع فلن نكون إلا معها»، ليعود الحديث بعد ذلك لمنذر خدام الذي قدم جمال صالح ليدلي بكلمة ركز فيها على أشكال التدخل الخارجي وتبعاته، ويقدم أمثلة على ذلك ما حصل في ليبيا والذي اعتبره صالح أنه نظام يعجز علم الاجتماع عن توصيفه. وانتقل إلى مثال آخر في العراق، لذلك رأى أن الحراك السلمي يؤمن الحماية للشعب من كل شيء. بعد ذلك، طرح الشاعر شوقي بغدادي بعض التساؤلات، فيما إذا لم تلبّ السلطة مطالب المؤتمر. ولفت إلى فبركات وكذب الإعلام السوري.
ثم عاد لؤي الحسين ليشرح للحضور أن الاجتماع هو نتيجة تداعيات الأحداث، إذ كانت المعارضة السورية تجتمع على شكل مجموعات صغيرة في المنازل. لكن كان لا بد من تجاوز الوقت، لأن الأحداث في الشارع لا تسمح لترف فيه. ثم اعتذر عن سوء التنظيم وشرح ما واجهه المؤتمر من صعوبات وانتقادات بما فيها ما قيل عن أنها معارضة 7 نجوم لكونها كانت ستعقد مؤتمرها في فندق الشيراتون. ليفتح بعدها باب المداخلات للمشاركين، وأبرزهم صباح الحلاق، الشيخ جودت سعيد، والسيناريست فؤاد حميرة. وركزت معظم المداخلات على ضرورة رفض أي تدخل خارجي وتأكيد وقف الحل الأمني، والمطالبة بإلغاء وتعديل البعض من مواد الدستور، والعمل على إيجاد دولة لشعب سوري واحد، لكنه متعدد الأديان والقوميات.
وكانت لافتة مشاركة الإعلامي المخضرم إبراهيم ياخور، الذي نوه في بداية مداخلته بأنه ليس معارضاً، لكنه كان معترضاً على جميع أنواع وأساليب القمع والاستبداد. وقال إن الشارع لم يعد بحاجة إلينا، والسؤال من الذي سيعبر عنه لأنه نزل بالشكل الصحيح لكنه ليس منظماً حتى الآن.
أثناء الاستراحات، استغل الإعلاميون الفرصة لإجراء لقاءات ومقابلات مع المشاركين في المؤتمر، ومن مفارقات المشهد المشادة التي حصلت بين طاقم تلفزيون المنار مع فريق عمل الفضائية السورية، عندما رغب المعارض لؤي الحسين في إجراء لقاء مع الإعلام السوري، ليكشف عن أسباب استيائه من آلية عمل الإعلام الرسمي عموماً، والفضائية السورية والقناة الإخبارية خصوصاً. كما أبدى بعض الحضور من المعارضين والإعلاميين تخوفاً كبيراً من وجود بعض المتظاهرين من المؤيدين للنظام السوري، الذين تجمعوا بالقرب من مكان انعقاد المؤتمر، وهم يرفعون شعارات تتهم المؤتمرين بالعمالة والخيانة، ما تطلب تدخل بعض عناصر الشرطة لفتح الطرق المحيطة، بعدما حاول المتظاهرون المعارضون للمؤتمر إغلاقها. وقد دخل بعض هؤلاء المتظاهرين إلى قاعة الاجتماعات بعد نهاية المؤتمر الصحافي الذي عقد بنهاية اللقاء وبدأوا بالهتاف للرئيس بشار الأسد.
أما خلال جلسة العمل الثالثة، فقد ألقى فيها الناقد الدكتور حسان عباس كلمة لخص فيها دور النخبة المثقفة في مثل هذه الظروف وكيف لها أن تكون جزءاً من الحراك الثوري، بحيث تستمد صدقيتها بتلازم أفعالها مع الشعارات التي يطلقها المتظاهرون وتلازمها من جهة أخرى للهدف النهائي للتغيير وتأسيس دولة ديموقراطية، ومن ثم تأكيد صدقيتها، من خلال الالتزام بالعمل. بعد ذلك اجتمعت اللجنة المنظمة للقاء وأعدت بياناً ختامياً وتوصيات ومقترحات تقدم للسلطة قبل أن تطرحها للنقاش والتصويت.
في موازاة ذلك، واصلت هيئة الحوار الوطني اجتماعاتها برئاسة نائب الرئيس السوري، فاروق الشرع، معلنة تحديد يوم الأحد الواقع فيه العاشر من تموز المقبل موعداً لانعقاد اللقاء التشاوري. وأوضحت «سانا» أن اللجنة بحثت في جدول أعمال اللقاء التشاوري الذي أعلنه الرئيس السوري في كلمته على مدرج جامعة دمشق، والذي يعمل على وضع أسس الحوار وآلياته تمهيداً لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني. كما استعرضت الهيئة مجمل الاتصالات التي أجرتها مع مختلف الشخصيات السياسية والفكرية المعارضة والمستقلة في الداخل السوري، وتناولت الحراك السياسي الذي تقوم به الأحزاب والشخصيات الثقافية والسياسية والفكرية، مؤكدة على إيجابياته في رفد الحوار الوطني وإغنائه.
ووفقاً لـ«سانا»، اتخذت اللجنة بعد مناقشة معمقة مجموعة من القرارات تتضمن «تحديد يوم الأحد الواقع فيه العاشر من تموز 2011 موعداً لانعقاد اللقاء التشاوري»، «توجيه الدعوة الى جميع القوى والشخصيات الفكرية والسياسية الوطنية لحضور هذا اللقاء»، «عرض موضوع التعديلات التي تبحث حول الدستور، ولا سيما المادة الثامنة منه على جدول أعمال اللقاء»، وأخيراً «طرح مشاريع القوانين التي جرى إعدادها على اللقاء التشاوري وخاصة قوانين الأحزاب والانتخابات والإدارة المحلية والإعلام»، وذلك بعدما أكدت «هيئة الحوار أنه لا بديل من المعالجة السياسية بأبعادها المختلفة وفتح الباب واسعاً أمام جميع المواطنين السوريين للمشاركة في بناء مجتمع ديموقراطي تعددي يستجيب لتطلعات الشعب السوري».
وأثار الحراك السياسي الذي شهدته دمشق أمس ترحيباً أميركياً وبريطانياً. ووصفت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند، الاجتماع العلني الذي عقدته المعارضة السورية في دمشق أمس بأنه «حدث مهم»، مشيرةً إلى أنه«الاجتماع الأول من نوعه منذ عقود»، مؤكدةً من جهة ثانية أن العديد من المعارضين على اتصال بالسفارة الأميركية في سوريا.
بدوره، دعا مجلس تعزيز التفاهم العربي ـــــ البريطاني «كابو» النظام السوري إلى إعطاء كل فرصة لإنجاح المؤتمر التاريخي للمعارضة السورية الذي انعقد في دمشق. وقال مدير «كابو»، كريس دويل، إن مثل هذا المؤتمر «لم يحدث في سوريا منذ سنوات طويلة، وهو إشارة إيجابية للغاية إلى أن النظام وافق على هذا الاجتماع على أعلى المستويات، وخطوة بالغة الأهمية للحوار الوطني من خلال السماح للمعارضين للنظام للاجتماع معاً والاتفاق على برنامج مشترك».



الأسد للتفريق بين المطالب والتنظيمات

استقبل الرئيس السوري بشار الأسد، أمس وفداً من الكونغرس الأميركي، بقيادة النائب الديموقراطي دينيس كوسينيتش، وبحث معه «المطالب المحقة» للشعب السوري.
وأوضحت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» أن الأسد وضع الوفد الأميركي «في صورة الأحداث التي تشهدها سوريا وخطوات الإصلاح الشامل التي تقوم بها»، مشيرةً إلى أن الرئيس السوري شدد على «أهمية التمييز بين مطالب الناس المحقة التي تلبيها الدولة عبر المراسيم والقوانين التي أقرّت وبين التنظيمات المسلحة التي تستغل هذه المطالب لإثارة الفوضى وزعزعة الاستقرار في البلاد». كذلك، استقبل الأسد النائب البريطاني المحافظ بروكس نيومارك وشرح له كذلك وجهة نظره.
ووفقاً لـ«سانا»، فقد أعرب النائبان كوسينيتش ونيومارك عن حرصهما على أمن سوريا واستقرارها الذي يعدّ ركيزة أساسية للاستقرار في المنطقة.
(يو بي آي، أ ف ب)