تلتقي نحو 300 شخصية بحرينية صباح اليوم حول طاولة حوار «الوفاق الوطني» في مجمع عيسى الثقافي. يُفترض أنّها بداية حلّ لأزمة مشاركة في الحكم عمرها عشرات السنين. لكن مجموعة من الشوائب تضع علامات استفهام حول الحوار الوطني، ومدى قدرته على وضع المملكة على سكة الإصلاح والاستقرار الطويل الأمد. هذا الحوار لا يجري بين السلطة والمعارضة. السلطة فيه حكمٌ وليست طرفاً. من يدير الحوار هو رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني، وجه استفزازي للمعارضة «ملكي أكثر من الملك»، على حدّ تعبير أحد المعارضين. وهنا بداية أزمة الحوار.

حكمٌ بين مكوّنات اختارتها السلطة لا تمثّل حقيقة المجتمع البحريني، وهنا تكمن العقدة الثانية. في حساب رياضي بسيط، فإن الـ300 شخصية التي تشارك في الحوار، نحو 90 في المئة منها لا تعدّ جهات معارضة، لها رؤية سقفها الأعلى بعض التعديلات الدستورية، ولا علاقة لها من قريب أو من بعيد بانتفاضة 14 شباط. عددٌ لا بأس به يمثل الشارع المناوئ للانتفاضة، أي شارع الفاتح، الذي يدعو إلى إصلاحات، لكنّه حركة موالية لحكم آل خليفة. المجنّسون لهم قوتهم التمثيلية، والعمال الأجانب أيضاً. وُجهت اليهم دعوة لحضور الحوار وأعدّوا رؤياتهم.
ويبلغ نوع التمثيل على طاولة الحوار حدّ الاستفزاز. بينهم شخص يدعى عادل فليفل، هو المستشار السياسي لجمعية «الصف» الإسلامية، لكنّه أحد أبرز الوجوه المتهمة بجرائم التسعينيات ضدّ المعارضة. حينها كان يشغل منصب عقيد في جهاز الأمن وقام بتعذيب المعارضين في السجون.
طرح عادل فليفل رؤية تسلّط الضوء على عقدة في هذا الحوار. قال إنها تقوم على «إظهار أن المطالبات المضادة هي مطالبة من يدور في دائرة حزب الله، والحرس الثوري الإيراني»، وإن على مليشيات ما يسمى «الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين» أن تتوقف فوراً عن إرسال عناصرها للتدريب العسكري في لبنان وإيران وسوريا و«تسليم السلاح. ما دام هناك تدريب لا بد أن يكون هناك سلاح. وإلا لما كانت هناك أي حاجة إلى أي تدريب»، في إشارة الى اللجان الأهلية و«الإعلان علناً عدم الإيمان بما يسمى ولاية الفقيه، بل طاعة ولي الأمر» وهو الملك.
ومع أن «الوفاق» تمثل 60 في المئة من الشارع، فإنّ نسبة مشاركتها مع بقية الجمعيات المعارضة لا تتجاوز 10 في المئة من نسبة المشاركين في طاولة الحوار.
عنصر أساسي آخر ناقص. الجبهة المعارضة التي أشعلت الشارع في 14 شباط غير ممثلة في الحوار، أي ائتلاف شباب 14 فبراير وما يسمى المعارضة الممانعة. طرفان غير معنيين بالحوار ولم توجّه اليهما أي دعوة، وجرى زجّ أبرز قادتهما في السجن وحُكم عليهم بالسجن المؤبّد. بالنسبة إلى كثيرين، هذه الجبهة إما «مغامرة» وتتصرف بلا مسؤولية، على حدّ تعبير المعارضين الوسطيين، أو تنفّذ أجندات خارجية. ولاؤها ليس للوطن بل لإيران. من جهة ثانية، ترى هذه الجبهة أن مشكلتها ليست مع «آل خليفة» بل في «آل خليفة»، تريد للأسرة الحاكمة أن ترحل، على حدّ تعبير أحد قادتها، وأن تؤسس على أنقاضها نظاماً جمهورياً. مطلب بقيت تهتف به من داخل قفص الاتهام، حين حكم على رموز لها بالسجن المؤبّد.
ومع غياب الجهة «الُمؤزّمة»، ومهما تكن النتيجة، فإن عملية الحوار ستكون ترحيلاً للأزمة الى حين تكون جبهة الممانعة إما قد اضمحلت أو قويت شوكتها.
شائبة إضافية تتعلّق بالشكل، وهي أن مبدأ الحوار يقوم على التوافق، وبحسب تركيبة المشاركين في الحوار، يستحيل الوصول الى هذا التوافق. وتجدر الإشارة الى أنّ الحوار يُتوقع أن يستمر حتى شهر، أي إلى بداية شهر رمضان. وبعد مناقشة الرؤيات المعروضة، يفترض أن يرفع المتحاورون ما اتفقوا عليه الى الملك، المخول متابعة الاجراءات الدستورية لتنفيذها.
وبحسب المتحدث الرسمي لحوار التوافق الوطني عيسى عبدالرحمن، فإن «نسبة تأكيد المشاركة فاقت الـ94 في المئة من المجموع الكلي الذي وجهت إليه الدعوة» من الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والشخصيات العامة والمجالس البرلمانية والبلدية والقطاع الاقتصادي، على أن تشارك كل جمعية بخمسة ممثلين. ومن القضايا التي تطرحها المرئيات صلاحيات مجلس النواب، وتشكيل الحكومة، والدوائر الانتخابية، والتجنيس، ومحاربة الفساد المالي والإداري، وأملاك الدولة، ومعالجة الاحتقان الطائفي، اضافة الى مطالب معيشية واقتصادية.
خطوات إيجابية وصفقة سرّية
استبق الملك الحوار بخطوات إيجابية، تمثلت في إنشاء لجنة تحقيق محايدة، تضم خمس شخصيات دولية تتمتع بصدقية عالية، للتحقيق في أحداث شباط وآذار، مشيراً أنه لن يكون تساهل مع من يثبت تورطه في الأحداث، على أن ترفع اللجنة «توصيات» الى الحكم ليتخذ الاجراءات اللازمة في ضوئها. خطوة إيجابية لكنها دفعت «الغاضبين» الى التساؤل «كيف يُنشئ أحد لجنة تحقيق في أعماله، كل ما جرى كان بمعيّة الجيش وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة». اضافة الى ذلك، أعيد تموضع لقوات «درع الجزيرة»، مع بدء انسحاب القوات السعودية يوم الاثنين المقبل، وصدر مرسوم ملكي بإحالة القضايا الى المحاكم العادية لا محكمة السلامة الوطنية، وسمح بإمكانية التمييز في الأحكام الصادرة. لكنها خطوات ليست كافية، لا يزال المعارضون في السجن، والمفصولون لم يعودوا الى أعمالهم، ولا تزال الحملة الأمنية مستمرة، والخطاب الطائفي مرتفعاً.
يتحدث معارضٌ عن الحوار وأجوائه، ورغم تشجيعه لمثل هذه الخطوة، يرى أنه مجرد «نشاط صيفي» لن يحقق شيئاً، ويشير الى أن الحوار الحقيقي جرى من تحت الطاولة بين «الوفاق» والسلطة. وأوضح أن ولي العهد الأمير سلمان اجتمع الأسبوع الماضي سراً مع «الوفاق»، قبل ان يخرج الملك ليعلن تأليف لجنة التحقيق وتحويل قضايا المعتقلين الى المحاكم العادية والافراج عن لاعبين رياضيين وبعض أفراد الأطقم الطبية. ويلفت الى أن العمل جار على «تسوية سياسية تشمل اصلاحات دستورية».

المعارضة أمام الخيار الوحيد المُتاح




تدخل الجمعيات المعارضة المنقسمة الى الحوار الوطني، وهي تدرك جيداً أنها ليست في موقع فرض شروطها، وجلّ ما تستطيع تحقيقه انتزاع ما أمكن من الإصلاحات الدستورية، التي تعدُّ محلّ إجماع وطني

تتفق الجمعيات اليسارية المشاركة في الحوار الوطني على أنّ هذا هو الخيار الوحيد المتاح في الوقت الحالي، رغم اعتراضها على العديد من النقاط المتعلقة فيه بالشكل والمضمون. أما الجهات الموالية للسلطة فترى فيه فرصة تاريخية، وترى أن من يرفض شرعية الدولة لا يحق له أن يشارك.
وتقول منيرة فخرو، التي تترأس وفد جمعية «وعد» اليسارية الى الحوار، لـ«الأخبار» إن الجمعيات الديموقراطية الثلاث (وعد والمنبر والتجمع القومي) سوف تطرح رؤية سياسية مختلفة عن بقية المشاركين، مبنية على أساس النقاط السبع التي طرحها ولي العهد. وتجد في آلية التوافق المعتمد، رغم عدم ديموقراطيتها، نقطة إيجابية، لأنها تمنع بقية المشاركين من فرض رؤياتها، إضافة الى أن التوقيع على نتائج الحوار ليس إلزامياً. وتؤكّد أن الجمعيات المعارضة تُدرك جيداً العقبات التي تنتظرها، لكن ليس هناك بديل. وتضيف أن النقاشات التي ستجرى ووجهة سيرها سيحدّدان إذا كانت «وعد» ستستمر في الحوار أو تنسحب. وترى في قرار الملك إنشاء لجنة تحقيق خماسية «مبادرة إيجابية، تُعطي الأمل بإمكانية إرجاع المفصولين اذا حصل انفراج، رغم أنها ليست كافية». وتضيف أن الهدف الأساسي من المشاركة يبقى «إنقاذ البحرين. يجب ألّا يكون هناك غالب أو مغلوب».
وتقول الناشطة السياسية البارزة إن الجمعية متمسكة بمواقفها السياسية ولن تتنازل عن أي منها «سنقول ما نريد، ومن ضمنه محاكمة عادلة والافراج عن المعتقلين السياسيين، وبينهم الأمين العام للجمعية ابراهيم شريف، الذي أكّد عندما زارته زوجته فريدة قبل يومين إنه لا يزال يتعرض للتعذيب». وأشارت الى الموقف المتمايز لـ«وعد» عن بقيّة الحركات السياسية غير المرخّصة، والمعتقل قادتها. وقالت إنّ «هؤلاء يطالبون بجمهورية إسلامية وبإسقاط النظام، وخلال المحاكمة أوضحوا أنّ شريف لا يتفق معهم. ولهذا كان حكمه خمس سنوات مقارنة بالأحكام المؤبّدة للآخرين، وليس بسبب ما أشيع عن وجود صفقة بين «وعد» والسلطة».
واعترضت فخرو على مجموعة من النقاط المتعلقة بالحوار، من ضمنها مشاركة عادل فليفل، وقالت إن «وعد»، شأنها بذلك شأن «الوفاق»، لا تحبّذ أن تجلس على نفس الطاولة التي يجلس عليها فليفل، مشيرةً إلى أن الجمعية ستصدر بياناً تحدّد فيه موقفها.
من جهته، يقول جمال فخرو، النائب الاول لرئيس مجلس الشورى البحريني، المشارك في الحوار، إن الرؤيات المطروحة على الطاولة موزعة على أربعة محاور، المحور السياسي والاقتصادي والحقوقي والاجتماعي. ويشير الى أن اللجنة المنظمة جمعت هذه الرؤيات على أن توزّعها لاحقاً على لجان فرعية، كل حسب اختصاصه، لمناقشة جميع القضايا دون استثناء. وفي ردّه على تغييب فئة أساسية عن عملية الحوار وزجّ قادتها في السجون، وتأخر جمعية «الوفاق» في إعلان مشاركتها في الحوار، يقول فخرو «وهل يعلق مصير الوطن على موافقة فئة أو مشاركتها؟»، قبل أن يضيف «هم (المعارضة) من ورطوا البلد حين رفضوا الموافقة على النقاط السبع لولي العهد». ويؤكّد أنه «ليس صحيحاً أن «الوفاق» وافقت على النقاط. وهذا نوع من الخطأ السياسي. لو وافقوا على الحوار لما كنا وصلنا الى ما وصلنا اليه».
أما بالنسبة إلى الحركات الأخرى التي شاركت في الانتفاضة، فيقول فخرو إن حركة «حق» ليست جمعية سياسية مرخصة «وهم رفضوا تأسيس جمعية. وظلوا يعملون خارج القانون. فلا يجوز أخلاقياً وسياسياً أن يُدعى الى الحوار من رفض التعامل مع الشرعية، ومن رفض وجود الدولة»، أما بالنسبة إلى باقي الجمعيات المرخصة «فلم تُستثن أي منها».
وعن شباب «14 فبراير»، يتساءل فخرو «من هؤلاء الشباب، وما هو التنظيم السياسي الذي يحتويهم». ويضيف أنه «لا يوجد هناك مرجعية تمثلهم كي تُوجه دعوة الحوار اليها». ويستطرد أن «هؤلاء لهم حق المشاركة والتمثيل، لكن إذا افسح المجال لذلك، فسيجتمع مئات الأشخاص ويقدّمون مجموعة من الشباب على أنّهم الجهة التمثيلية لهم، وهكذا دواليك مع مجموعة ثانية، عندها لا نكون أمام مرجعية واضحة تمثل هؤلاء». ويعرب عن أسفه لأن هؤلاء الشباب لم يعرفوا كيف ينظّمون أنفسهم.
ويؤكّد «أنّنا أمام فرصة تاريخية. والملك طلب من الجميع أن يتنازلوا عن أي شروط مسبقة». واستبعد أن يكون هناك أي حوار سرّي بين جمعية «الوفاق» والسلطة. وتساءل «لماذا يذهب النظام الى التحاور مع «الوفاق» ويترك 13 جمعية سياسية. ويترك التجمع الوطني (برئاسة عبد اللطيف محمود)، الذي استطاع أن يجمع مئات الآلاف في تظاهرات حاشدة أمام الفاتح».
ورفض مقولة إنّ المشاركة في الحوار الوطني غير عادلة، وإنها لا تعكس التمثيل الحقيقي للشارع، قائلاً إن «الوفاق تتحدث عن كونها تمثل 60 في المئة من الشارع، لكن نحن أمام حوار وطني لا انتخابات برلمانية. حوار يجب أن ينتهي بتوافق غالبية المشاركين، والا فلن يصبح حواراً وطنياً». ويضيف «هناك جمعيات غير سياسية ممثلة في الحوار وليس لديها أي مشاركة في الانتخابات أو العمل السياسي، فهل يجب استبعادها؟».
وعن مشاركة المجنسين والأجانب، يقول إنه «في البحرين ليس هناك فارق بين مجنس وغير مجنس. أما بالنسبة إلى الأجانب، فقد تألّفت لجنة مصغرة من أجل الاستماع الى آرائهم، واختيار من يمثلهم في الحوار، لأن هؤلاء يحق لهم الانتخاب في المجالس البلدية، ولهم صفة التملك، وبالتالي يجب أن يكون لهم رأي في الحوار الوطني».