هل سمعت يوماً بفرقة الدام الفلسطينية؟ هل سمعت أغنيتهم الراب التي يستهزئون فيها بمدمني الإنترنت؟ إن كنتَ تريد أن تعرف ما أصبحتُ أشعر به أخيراً كلما فتحت صفحتي الخاصة على الفايسبوك، فعليك أن تستمع إلى الأغنية في أقرب وقت! يصف أحد مغني الفرقة في الأغنية هؤلاء المناضلين إلكترونياً كما يقول: «وفي المناضل، بيدخل يقولّك: يللا حارب/ قاتل/ وهوي قاعد بالمكيّف /شارب ويسكي/ هاد واحد خامل/ حامل قضية بالإنترنت/ وبالحقيقة بيبيعها عللّي بيزوّد!». يسألني أحد المناضلين من أجل دعم القضية الفلسطينية (إلكترونياً) في جلسة منفردة بيني وبينه يوماً: «وين بيصير مخيم شاتيلا؟»، فأدلّه على موقع المخيم ليرد عليّ «آه جد؟! أنا دايماً بمرّ من هونيك بس ولا مرة لاحظت إنه في مخيم!».

لا أعرف ما بال هؤلاء، تراهم محتارين: إلى جانب أي ثورة سينصبون خيامهم التضامنية؟ يوماً من أجل دعم الثورة المصرية، يوماً آخر من أجل دعم الثورة الليبية، يوماً من أجل دعم المرأة السعودية في معركتها من أجل قيادة السيارة، وكأن ثورات العالم كله بانتظار هؤلاء كي تنجح، وما إن تنتصر ثورة، حتى تراهم يهتفون: «نجحت ثورتنا!»، وكأنهم هم من كانوا يعانون الظلم والقهر في تلك البلدان، أو أنهم هم من كانوا يُضربون ويُقتلون في الشوارع، أو أنهم هم من كانوا سبب الحراك الشعبي هنا وهناك! ويا ويلي على الفايسبوك شو صاير ثورجي، ما أكثر الدعوات إلى الحراك من أجل دعم ثورة الهونولولو إن وُجدت، ما أكثر الدعوات ما بين «نعم أو ضد» الاعتصام أمام تلك السفارة، ويا ويلك يا شاطر إذا لم تشارك، لأنك حينها ستصبح (معتدلاً)، سيُرفع عنك غطاء المثقفين الثورجيين! عندها لن تعود أنتَ من عداد المناضلين، ستصبح أنتَ الساكت عن الحق الشيطان الأخرس، فقط لأنك لم تشارك في ذاك النشاط أو تلك التظاهرة! سيتربصون بك أحياناً ليروا ماذا ستقول، ومهما قلت فسيكون المضمون ضدهم لا محال، سيتهجمون عليك وتصبح الثورة ضدك أنتَ! إذا قلت لهم إن في بلدهم ما يستحق الثورة عليه أكثر فسيقفون ضدك، إذا قلت لهم إن خبز عيشهم في كل يوم أغلى فسيقفون ضدك، إذا قلت لهم إن الثورة على الطاغية في بلدهم ستدرُّ المنفعة على اللبنانيين والفلسطينيين فسيقفون أيضاً ضدك!
فلا تلمهم على ذلك، كيف لهم أن يثوروا على الطاغية إذا كان في بلدهم عشرات الطغاة بين رؤوس الأحزاب والطوائف، بين المتنازعين على الكراسي تحت حجة ضمان حق الطائفة! فقط كُن الحاضر الغائب في مجالسهم تتظلل بستار سمعتهم، هم ثوريو اليوم وناشطوه، شئت أو أبيت.