صنعاء | بقي عبد القوي الحبيشي مدة خمسة أيام متتالية داخل سيارة الأجرة أمام محطة بيع المشتقات النفطية من أجل الحصول على «غالون» من البنزين لعلها تساعده على تحريكها، لكونه يعتمد عليها اعتماداً كلياً في توفير احتياجات الأسرة التي يعيلها. ويقول عبد القوي، الذي ترك دراسته في سن مبكرة بسبب إصرار والده على الزواج وتكوين أسرة، إنه لم يعد قادراً على الوفاء بكافة مصاريف زوجته وأولاده، ما اضطره إلى إرسالهم إلى القرية عند والديه، «هناك يمكنهم العيش على المتاح، بينما أبقى أنا هنا لمواجهة هذا الوضع الجديد المفروض علينا».ويبدو عبد القوي هنا مثالاً يشير باتجاه الحالة التي صارت إليها حياة اليمنيين بعد وقت قصير من مغادرة الرئيس علي عبد الله صالح البلاد متجهاً إلى السعودية بغرض العلاج من الإصابات التي لحقت به من حادثة انفجار المسجد الرئاسي. وما إن غادر صالح حتى دخل اليمن في حالة من الشلل التام، وانعدام شبه كامل لأبسط الخدمات الضرورية لاستمرار حياة المواطن، ومنها انعدام مادة الغاز المنزلي، وإذا وجد فبسعر يعادل ثلاثة أضعاف سعره الرسمي، وكذلك اختفاء مادة البنزين وتوافرها في السوق السوداء بسعر يعادل سبعة أضعاف سعرها الرسمي. وللتيار الكهربائي فصوله ايضاًَ، إذ بات ينقطع فترات تصل أحياناً إلى ثمان وأربعين ساعة في بعض المناطق، وخصوصاً تلك المحيطة بساحة التغيير في حي جامعة صنعاء، وإن عاد التيار فلنصف ساعة ثم يستأنف الانقطاع مرة أخرى.
وهي حياة لم يعشها اليمنيون من قبل حتى في أقسى الفترات التي مرت عليهم منذ إعلان الوحدة اليمنية، مروراً بحرب صيف 1994. وما ضاعف من مأساوية المشهد مرور البلاد بحالة فراغ حقيقية، لم يعد معها ممكناً تحديد الجهة التي تسببت في وصول الوضع إلى هذا المستوى غير المسبوق من التردي، وسط اتهامات متبادلة بين السلطة والمعارضة. وتتهم السلطة عناصر مسلّحة تابعة لأحزاب اللقاء المشترك باعتراض طريق ناقلات النفط وحاويات الغاز المنزلي، ومنع وصولها إلى العاصمة صنعاء، وإلى مراكز المدن اليمنية الأخرى، فيما تقوم عناصر قبليّة بتخريب المحطات الغازية المشغلة للمولدات الكهربائية في محطة مأرب، وهي المحطة الرئيسية التي تعتمد عليها المدن الأخرى. أما أحزاب اللقاء المشترك، فترد من جهتها موجهة أصابع الاتهام ناحية قائد الحرس الجمهوري أحمد علي عبد الله صالح، الذي صار حاكماً فعلياً للبلاد بعد مغادرة والده، ووضع يده على جميع المفاصل الحيوية فيها، وأصرّ على ممارسة عقاب جماعي بحق الشعب الذي خرج منادياً بإسقاط نظام والده.
من جهته، يقول عبد الله (اسم مستعار) إنه لا يمكن بأي حال من الأحوال تصديق ادعاءات السلطة بأن أحزاب اللقاء المشترك مسؤولة عن هذا الوضع الذي وصلت إليه البلاد، «فمن أين لها كل هذه الإمكانات والتنظيم التي تجعلها قادرة على عرقلة الحياة في اليمن، ثم ما الفائدة التي ستنالها من فعل كهذا». ويؤكد أنه «ما من مسؤول عما يجري غير أحمد علي، الذي يريد أن يقول للناس كيف ستكون حياتهم بدون وجود علي عبد الله صالح فيها». ويضيف «ما وصلنا إليه هو نتيجة طبيعية لانعدام الخبرة العملية لدى نجل الرئيس، الذي وجد نفسه فجأة على رأس قيادة بلاد كاليمن». ويشير عبد الله إلى حالة التخبط التي يمكن ملاحظتها في طريقة اختراعه للأزمات، وفرضه لهذا العقاب الجماعي الذي لا يُستثني منه حتى أنصار الرئيس والنظام أنفسهم، «فاختفاء مادتي الغاز المنزلي والبنزين وانقطاع التيار الكهربائي لا يُفرق بين مناصر للرئيس ومناوئ له».
ووسط كل هذا يقف القائم بأعمال رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي بلا حول ولا قوة، رغم إعلانه المستمر منذ مغادرة الرئيس صالح للعلاج أن مهمته الرئيسية ستتركز على مسألة إعادة توفير الخدمات الأساسية من كهرباء ومشتقات نفطية، لكن لاشيء تحقق من هذا، رغم مرور نحو شهر على إعلانه نيته معالجة الموضوع.أما المواطن، فوجد نفسه مجبراً على العودة للتأقلم مع حياة بلا كهرباء وبلا وسائل نقل متاحة كالسابق. كذلك وجدت العائلات نفسها مضطرة إلى تفريغ البرادات المنزلية ونسيان زمن الطبخ نتيجة لعدم قدرة تلك البرادات المحافظة على الأطعمة سليمة داخلها، فكانت العودة إلى المعلبات الغذائية المحفوظة حيث لاغاز منزلياً متوافراً ومتاحاً لأعمال المطبخ.
وانعكس انعدام مادة الديزل (المازوت) وندرتها على اسعار المواد الغذائية التي سجلت ارتفاعات جنونية، ولا سيما أن غياب المادة أدى إلى توقف العديد من المصانع عن الإنتاج، ما سبّب ندرة المعروض من السلع، وبالتالي ارتفاع أسعارها، هذا إضافةً إلى ارتفاع كلفة النقل. وهو نفس السبب الذي أجبر كبار التجار على التوقف عن استيراد المواد الغذائية من السعودية، إلى جانب خشيتهم من تعرض شاحناتهم للقرصنة أثناء عودتها نتيجة لانعدام الحماية الأمنية على الطرقات الطويلة.
يقول محمد (اسم مستعار) وهو صاحب محل لبيع المواد الغذائية، يقع في حي جامعة صنعاء، وداخل «ساحة التغيير»، إن الوضع سيّئ للغاية، محذراً من أن «أسعار السلع تتضاعف على نحو جنوني كل يوم بمقدار أكبر من سابقه، وبحلول رمضان لن يعود بإمكان المواطن البسيط شراء أبسط حاجاته الغذائية المرتبطة بشهر الصيام».
ويقول محمد بنبرة انفعالية إن الحياة تعطلت منذ بداية الثورة، مضيفاً «لم نكن بحاجة إليها، ليس هناك ثورة تستمر ستة أشهر». ووسط كل هذا الوضع السيئ فإن الأمر لا يخلو من طرافة. فعند سؤال عدد من المواطنين عن أهم الاحتياجات التي يعانون فعلاً عدم توافرها، كانت الإجابات شبه مجمعة تقريباً على أنها معاناة عدم توافر المياه الباردة التي يشربونها مع تخزين القات نتيجة لانقطاع التيار الكهربائي، حيث لا يحلو تخزين هذه النبتة بدون وجود المياه الباردة معها.



50 قتيلاً من «القاعدة» في غارة أميركية على أبين

ذكرت صحيفة «أخبار اليوم» المستقلة أن الطيران الأميركي شن أمس غارة على عناصر مفترضين من تنظيم القاعدة في محافظة أبين بجنوب اليمن أدّت إلى مقتل 50 منهم، وجرح العشرات. ونقل موقع عن مصادر لم يسمّها قولها «إن قرابة 50 شخصاً من مسلحين مفترضين لتنظيم القاعدة لقوا مصرعهم، كما دُمّرت كافة الآليات والعتاد التابع لهم في مديرية الوضيع بمحافظة أبين، إثر غارة جوية شنتها طائرات حربية استهدفت مواقع تمركز المسلحين». وأضافت المصادر إن الطائرات التي استهدفت المسلحين أميركية، مشيرة إلى أن القصف استهدف تجمع المسلحين في مركز شرطة مديرية مودية في الوضيع. من جهة ثانية، قتل شخصان في مدينة تعز اليمنية أمس خلال نزاع للحصول على مادة البنزين. وقال مصدر يمني مطلع إن نزاعاً نشب بغية الحصول على مادة «البترول» تسبّب في مقتل شخصين في المدينة. إلى ذلك، نقل موقع «مأرب برس» عن مصدر طبي في محافظة حضرموت، أنه اكتُشفت 8 حالات مصابة بوباء الكوليرا بين النازحين القادمين من محافظة أبين إلى المحافظة. وأوضح المصدر أنه أُعلنت أول أمس وفاة أول حالة من المصابين، فيما لا تزال 7 حالات أخرى تخضع للعلاج.
(يو بي آي)