«وين كُنت؟»، يسأل الأخ الأكبر أخاه الصغير، فيرد الثاني «كُنت عم بحضر فرقة العاشقين مع المدرسة!». يضحك الأخوان ويكمل الجميع الاجتماع التحضيري لنشاطٍ كنّا سنقيمه في مخيم شاتيلا. سألت بسذاجة «ليش العاشقين عاملين حفلة هون ببيروت؟ ليش ما حدا قلّي؟»، طبعاً فأنا لم أفهم النكتة! فرد الأخ الأكبر بالقول»لأ هاي حفلة خاصة بتلاميذ مدرسة الجليل!» يضحك الجميع حتى تداركت أخيراً النكتة!فللمراهقين في المخيم مصطلحاتهم الخاصة، فهم مثلاً لا يتنادون إلا باسم العائلة، لديهم ألقاب، ولا يسمون الأسماء بأسمائها تجنباً للإحراج ربما. كما هي الحال إذا ما أرادوا لقاء الفتيات اللواتي يحبون! فبدلاً من القول إنهم ذاهبون إلى موعد غرامي، يقولون إنهم ذاهبون لحضور حفلة لـ«فرقة العاشقين»! الحال في المخيم لا تشبه الحال في الخارج إلا في بعض التفاصيل، فهناك ما هو ممنوع أو عيب أو حرام. لا يمكنك أن تذكر اسم الفتاة التي تحب في المخيم، بل عليك أن تراقب خروجها من الصف في المدرسة، أو لقاءها صدفة في الزاروب بيتها، أو حتى عند عودتها من زيارة أقرابها خارج المخيم! أما الأسلوب الجديد المعتمد اليوم، فهو الجلوس معها خلسةً في الرحلات المدرسية، هناك تشتدّ الرقابة، فتتحوّل أنت إلى كوموندوس لتستطيع الحديث معها أو إعطاءها ذاك المكتوب، أو في أحسن الأحوال أن تبعث لها «مرسال الغرام» أي الصديق أو الصديقة المشتركة. كأنك تعيش قصة حُب في عام 1919! عليك أن تكون خلّاقاً لتحب ابنة المخيم. عليك أن تكون كتوماً حافظاً للأسرار. عليك أن تكون الهمشري المشكلجي اذا عرف أخوها أنك تحبها، عليك، باختصار، أن تكون متعدد المواهب! يقول صديقي «أن تحب خارج المخيم أسهل بكثير من أن تحب بنت المخيم»، ربما كان هذا صحيحاً، لكن بالآخر «القلب وما يريد!». كثيرة هي قصص الحب التي تنتهي نهايات تراجيدية داخل المخيم: كأن تزوج البنت ابن عمها في النهاية، او يجبر أهل الفتاة ابنتهم على العيش عند أقاربها بعيداً عن وجه الحبيب. قليلة هي القصص التي تنتهي نهايات سعيدة، أنا لا أذكر منها شيئاً. أذكر ذاك الذي أحب تلك أربع سنوات من خلال المكتوب المرمي من على تلك السطوح، أو تلك التي انتظرت حبيبها سنتين من شباك بيت أهلها حتى سافر ولم يعد، أو ذاك المراهق الذي تقدم لطلب الفتاة التي يحب من أهلها عارضاً عليها العيش مع أمه حتى الله يفرجها!
ما أجمل الحُب، يوم حلو ويوم مُر، إلا في المخيم.. في يوم حلو و«عشرين» يوم مُر قبل أن يُحيي العاشقون حفلتهم الأخيرة في بيروت.