عالم من الغمزات واللمزات يحل فجأة على المخيم في موسم الصيف والعطل. وموسم الصيف والعطل، طبعاً ليس لأبناء المخيم العالقين هنا في وحول البطالة والفقر، بل لأولئك الذين منّ الله عليهم بالفرج يوما ما، وانتقلوا إلى إحدى الدول الغربية لاجئين حيث تجنسوا وأنجبوا واستقروا. لكن «خلفة البنات» لا يبدو انها صنو للاستقرار. فما إن يهل الصيف، حتى «يشنكل» اغلب هؤلاء بناتهم، ويعودوا الى المخيم حيث يرجون ان تجد الفتاة عريساً لها. هكذا تصبح الفتاة بنظر الشبان هنا طوق نجاة، «فيزا» كما يحبون ان يقولوا ساخرين من أنفسهم. «ليك ابن فلان كيف مزبط حالو. شو؟ رايح يشوف فيزا». هكذا، يصبح كل ما يحتاج إليه الشاب العريس، ان ترمقه إحدى السائحات بعين الرضا، وان ينجح في دخول قلبها. فبذلك تكون «إجت الرزقة». هكذا، وخلال الفترة الممتدة من تموز الى نهاية آب تنشط «السياحة» الفلسطينية في المخيمات. منهم من يأتي من أجل تعريف زوجته الأجنبية إلى مكان سكنه وانطلاقته في الحياة، ومنهم من يأتي فقط لأن بناته أصبحن صبايا.
«هدول اكثر شي بدهن يجوزوا بناتهن لعرب» يؤكد ظننا حسين سموري ابن مخيم شاتيلا. سموري عاش في السويد 24 عاماً، «بناتي صاروا صبايا واريد تزويجهم من ابناء المخيم، لاننا لا نجد في الغربة العلاقات الاجتماعية الموجودة لدينا»، يقول سموري. يعرف الرجل ان من سيتزوج ابنته سيحصل على امتيازات عدة. اذ انها اولاً «سويدية، فإذا أعجبت الفتاة بالشاب فإنها ستعمل على «سحبه» (ضمن قانون لمّ الشمل) للعيش في السويد، مما سيغير حياته». والرجل ليس متطلباً «لن اضع اي شرط على العريس، كل ما اريده ان يكون ابن حلال وصاحب اخلاق»، يقول. المشكلة لن تكون عند الاب اذن بل عند الفتاة المطلوب تزويجها، اذ عليها ان تختار من مجموعة كبيرة من «طالبي القرب» الذين يسرفون هذه الايام في الإنفاق على اناقتهم مستخدمين مختلف انواع وسائل الاغواء من عطورات ومصففات شعر وصولا الى عدم الجلوس في ازقة المخيم اثباتاً «لحسن السيرة والسلوك». فالشباب ينتظرون كل العام مثل هذه الفرص. ينقلون قصص بعض اصدقائهم الذين «زبطت معهم، فتزوجوا وسحبتهم زوجاتهم الى الخارج وماشي حالهم»، يقول احد الشباب، الذي رفض الكشف عن اسمه، خوفاً من خسارته علامات قد تؤهله للزواج بتأشيرة المرور الى الحياة الحقيقية التي يحلم بها.
في مخيم برج البراجنة وبالقرب من جبانة المخيم تقف مجموعة من الشبان المتزوجين. ينقلون آخر ما وصل الى مسامعهم من أحاديث عمن نجح في دخول قلب احدى الفلسطينيات الاجنبيات. يشتم محمد ابو طاقة حظه ضاحكاً «هل تتخيلون.. لو أعجبتها لكانت قد تغيرت حياتي كلها، لكنت اقف الآن في شوارع الدنمارك ارى المباني بدل ان اشاهد القبور التي يطل عليها منزلي». تسأل الشاب عن سبب رفضها اياه فيجيب «لأنني لم اكمل تعليمي، ولأن ابن شحيبر أعجبها اكثر مني، فهو بالجامعة». الحركة التي تدب في المخيم مساءً غريبة. فالنسوة تحوّلت مجالسهن الخاصة الى مركز عمليات، يتذكرن من من ابناء المخيم تكون قد كبرت بناته، من منهم كان قد ذكر انه سيأتي معهن هذا العام، ومن يريد تزويجهن وما هي المواصفات المطلوبة للشاب المحظوظ. أغلب نسوة المخيم يتحولن في هذه الفترة الى «خطّابات».
يروي يوسف الحاج كيف أن والدته «تصرّ عليّ ان ازور منزل قرابتنا من أجل ان اتعرف على ابنته، خصوصاً أن والدته كانت قد سمّعت والدتي انني «شاب أدمي»، لكنني أكره هذا الطريقة في الزيجات». وفي مخيم البرج، تكمل الحياة بطيئة كعادتها. الحركة الوحيدة التي تلحظها هي كثرة النسوة المتجهات الى السوق الداخلي للمخيم. المشهد معتاد، لكن الشيء الوحيد الذي يضاف الى هذا المشهد في فصل الصيف، هو كثرة الشقراوات داخل السوق. وإن كان «الشقار» ليس مستغرباً على المخيمات لكثرة الوفود الاجنبية التي تزوها، إلا ان وجود الشقراوات في سوق الخضر هو المستغرب.
اليوم لم تأت ام مصطفى عودة وحدها الى السوق كما جرت العادة، اذ اصطحبت السيدة معها زوجة ابنها للمرة الاولى. ابنها مصطفى لم يزر مخيم البرج منذ عشر سنوات، وتزوج الشاب في روسيا واصبح لديه «ولد شعرو دهبي كمان»، تقول السيدة ضاحكة. السيدتان تركتا «الولدين في المنزل، فمصطفى «بيضلوا ولد بنظري»، اما ابنه ياسر الصغير فكان نائماً»، تقول عودة. بالقرب من عودة تقف انيتا نيكولافيتش. الشابة الروسية تزور المخيم لاول مرة في حياتها. تقول الزوجة الروسية بلغتها الانكليزية «المكسرة»، ان زوجها كان قد اخبرها مسبقاً عما ستراه في المخيم. «لكنني لم اتوقع ان تكون الازقة ضيقة والمنازل قريبة من بعضها الى هذا الحد»، تقول الشابة. بالنسبة اليها فإن ما كل ما تراه هو شيء جديد ومستغرب. تقاطع حماتها ضاحكةً «تخيّل انها كانت تصور الاسلاك الكهربائية». تلاحظ ان التواصل بين عودة ونيكولافيتش شبه مقطوع. لكن كيف تتواصل السيدتان؟ تجيب عودة ضاحكة: «بالاشارات او من خلال بعض الكلمات الانكليزية اللي بترشقها». من جهتها، تقول نيكولافيتش وهي ترسم ابتسامة صغيرة، انها احبت «الالفة والجو العائلي الحميمي، لكنني أستغرب كيف كبر زوجي في هذه البيئة ولا يزال يبتسم ويحب الحياة».



تبعاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني‎، فإن عدد الفلسطينيين في العالم مع نهاية سنة 2003 كان 9.6 ملايين، بزيادة مقدارها ثمانمئة الف عن عام 2001. يشار الى انه لا يمكن تحديد تعداد دقيق للشتات الفلسطيني خصوصاً مع غياب إحصاء سكاني شامل لكل فلسطينيي الشتات وللذين بقوا في فلسطين. اما العدد الاكبر للاجئين في الشتات فهو في الاردن اذ يبلغ ثلاثة ملايين، تليها سورية التي يبلغ عدد اللاجئين فيها 435 الفاً. اما اكثر الدول الغربية التي تضم فلسطينيين فهي تشيلي التي يبلغ عدد اللاجئين فيها 500 ألف