يستمر السباق بين التصعيد الأمني في سوريا من جهة، والضغوط الداخلية والخارجية من جهة ثانية، مع جديد نوعي طرأ على العلاقات السورية ـــ القطرية المتعثرة أصلاً، وسط تقارير عن اقتتال داخلي مذهبيبدا يوم أمس أنّ الشعرة التي كانت لا تزال موصولة بين الدوحة ودمشق قُطعت، مع إقفال قطر سفارتها لدى دمشق، وعودة سفيرها إلى الدوحة، بالتزامن مع تراجع أميركي واضح من ناحية الموقف الأميركي الحادّ إزاء النظام في دمشق، وسط استمرار استنفار الصقور الأوروبيين، ونفي دمشق للأنباء التي تحدثت عن مساعدة إيرانية مالية ونفطية للحليف السوري. كل ذلك بالتزامن مع تصاعد حدة التوتر الأمني، وخصوصاً في حمص وفي البوكمال شرق البلاد.
وكشف مسؤول في البعثة القطرية لدى سوريا أن السفير القطري زايد الخيارين غادر سوريا أخيراً، وقامت السفارة «بتجميد أعمالها» في دمشق. وقال هذا المسؤول، طالباً عدم الكشف عن هويته، إن «الدبلوماسيين القطريين غادروا سوريا، والأعمال جُمدت إلى موعد لم يُحدد». وفي السياق، أكّدت صحيفة « الوطن» السورية الخاصة المقربة من النظام هذا النبأ، عازية سبب القطيعة الدبلوماسية الأخيرة إلى التظاهرات التي نظمها شبان سوريون أمام مقر السفارة القطرية في حي أبو رمانة في عاصمة الأمويين، احتجاجاً على طريقة تعاطي فضائية «الجزيرة» القطرية مع الأحداث التي تجري في سوريا. ونقلت الصحيفة عن موظف سوري في السفارة قوله: «أبلغونا أن كافة أعضاء السلك الدبلوماسي والشؤون القنصلية سيغادرون إلى قطر»، موضحاً أنه بحسب مسؤولي السفارة، فإن التعليق «مؤقَّت».
في غضون ذلك، أشار مسؤولون أميركيون إلى أن إعلان وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قبل أيام، أن الرئيس بشار الأسد «فقد شرعيته»، كان كلاماً شخصياً، رغم أن واشنطن كانت تنوي تشديد لهجتها تجاهه.
ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن المسؤولين الذين لم تحدد هوياتهم، أن كلمات كلينتون في الأسبوع الماضي عن أن الأسد ليس شخصاً «لا يمكن الاستغناء عنه»، كانت «ارتجالية». وأوضحوا أن الإدارة الأميركية، التي كانت تكبح انتقادها العلني للرئيس السوري، كانت تنوي تشديد لهجتها تجاهه بالفعل، إلا أن قرار كلينتون بشأن استخدام كلماتها كان «خاصاً بها». وفي السياق، لفت المسؤولون الأميركيون إلى أن كلمات كلينتون، وقرار السفير الأميركي روبرت فورد زيارة معقل المعارضة السورية في حماه، كان بدوره «غير مخطط له»، ودفعا بالإدارة الأميركية خطوة إلى الأمام حتى تعلن أن على الأسد أن يتنحى.
حتى إن «واشنطن بوست» رأت أن مقاربة كلينتون ووزارتها للحدث السوري «تشير إلى وجود انقسام داخل الإدارة الأميركية بشأن الرد الأميركي المناسب على قمع المحتجين في سوريا»، كاشفةً أن بعض المستشارين السياسيين، وبينهم أفراد في فريق كلينتون، حذروها من التصريحات الحازمة التي تلزم واشنطن بسياسة تسعى إلى إزالة الأسد من الحكم.
أما في بروكسل، فقد دعا عدد من وزراء الخارجية الأوروبيين إلى تغيير النظام في سوريا، بينما طالب وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ باستقالة الأسد إذا لم يجر إصلاحات في بلاده. وفيما رأى هيغ، على هامش اجتماع بروكسل، أن «القرار يعود إلى الشعب السوري»، أعرب عن اعتقاده أنه «يجدر بالرئيس الأسد إجراء إصلاحات أو الانسحاب من السلطة». ولمح إلى أن القارة العجوز تسير باتجاه فرض المزيد من العقوبات على دمشق، على قاعدة أنه «سيأتي بالتأكيد وقت يجب فيه إقرار عقوبات جديدة». وقد اعترف رئيس الدبلوماسية البريطانية بأهمية الدور التركي في الحدث السوري، وهو ما ضُمِّن في البيان الختامي للوزراء الأوروبيين؛ لأنه «ينبغي العمل بنحو وثيق مع تركيا التي تملك من التأثير على سوريا أكثر من عدد كبير من الدول الغربية». أما وزير الخارجية السويدي، كارل بيلت، فقد أشار من جهته، إلى أنها «ليست مسألة أشخاص، بل مسألة نظام، وعلى هذا النظام أن يفسح في المجال أمام نظام جديد. هذا أمر واضح للغاية». بدوره، حرّض وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسلبورن، الجامعة العربية على العمل لتغيير النظام السوري، قائلاً: «لا يمكننا أن نقرر من بروكسل أموراً عملية للسعي إلى تغيير نظام الرئيس الأسد، لكن جامعة الدول العربية يمكنها القيام بذلك».
بدورها، جدّدت فرنسا إدانتها أعمال العنف في سوريا، داعيةً نظام الأسد إلى «البدء دون تأخير بعملية انتقالية ديموقراطية» في بلاده. وحذت باريس حذو وزير الخارجية البريطاني، عندما لفتت إلى استعداد الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات إضافية على المسؤولين في النظام، وهو ما أيده وزير خارجية النمسا مايكل شبيندليجر ونظيره الألماني غيدو فسترفيله.
من جهته، نفى مصدر مسؤول في وزارة النفط السورية، الخبر الذي تناقلته بعض وسائل الإعلام عن دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية لسوريا مالياً ونفطياً. وقال المصدر لموقع «شام برس» إن هذا الخبر «عارٍ من الصحة ولا أساس له على أرض الواقع».
ميدانياً، كان الأبرز عودة الهدوء النسبي إلى حمص بعد تدخُّل الجيش وقوات الأمن للفصل بين المتقاتلين الذين سقط بينهم 30 قتيلاً على الأقل مساء أول من أمس، التي وُصفت بأنها أكبر اقتتال داخلي من نوعه منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا منتصف آذار الماضي. وبحسب رئيس «الرابطة السورية لحقوق الإنسان»، عبد الكريم الريحاوي، فإنّ قوات الأمن «تدخلت في حمص ووضعت حداً لأعمال العنف في المدينة». بدوره، علق مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، المعارض رامي عبد الرحمن، على الاشتباكات بالتأكيد أنها كانت بين موالين ومعارضين لنظام الأسد، وبدأت بعد ظهر يوم السبت، بعد مقتل ثلاثة شبان مؤيدين للنظام كانوا قد خُطفوا الأسبوع الماضي وأُعيدت أشلاؤهم إلى ذويهم. وأضاف عبد الرحمن أن هذا الاقتتال «هو تحوُّل خطير يمس بسلمية الثورة ويخدم أعداءها المتربصين بها، الذين يسعون إلى تحويل مسارها نحو حرب أهلية». وعن ملابسات هذا الاقتتال، قال محمد صالح، وهو ناشط مقيم في حمص، إن مجموعة من الرجال العلويين فُقدوا يوم الخميس وعُثر على جثث أربعة منهم يوم السبت وقد اقتلعت أعينهم، ثم عُثر على ست جثث جديدة بينهم أربعة من رجال الشرطة. ولا يزال عدد الذين فقدوا غير معروف حتى الآن». وتابع قائلاً إن «بعض الناس من حيهم (في المنطقة العلوية) خرجوا إلى الشارع وأحرقوا ونهبوا ودمروا 12 متجراً على الأقل أصحابهم من السنة».
أما في الزبداني وقطنة اللتين دخلهما الجيش قبل يومين، فبقيت الأوضاع متوترة، وهي الحال التي سادت في البوكمال، حيث بقي الجيش منتشراً على تخوم المدينة، في ظل مفاوضات جارية لإقناع المواطنين بتسليم الأسلحة التي استولوا عليها من مراكز الشرطة التي اقتُحمت.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)