دمشق | بات ظهور وزير الإعلام السوري عدنان محمود لازمة ضرورية لإعلان خطوات جديدة من الإصلاح، وآخرها مشروع قانون الانتخابات الذي أقرّته الحكومة السورية أول من أمس. هكذا أطلّ محمود مجدداً ليعلن أن مشروع قانون الانتخابات العامة، الذي أقرّه مجلس الوزراء، يهدف إلى تطوير العملية الانتخابية وتحقيق نقلة نوعية في الحياة الديموقراطية، وذلك بالتكامل مع قانون الأحزاب عبر تنظيم انتخابات مجلس الشعب والمجالس المحلية بطريقة تضمن اختيار المواطنين لممثليهم بحرية ونزاهة وشفافية، والتعبير عن إرادة الناخبين وتجسيدها في إدارة الدولة ورسم سياساتها الاقتصادية والاجتماعية.
وأوضح الوزير أن مشروع القانون يتضمن دمج الأحكام المتعلقة بانتخابات مجلس الشعب ومجالس الإدارة المحلية في قانون واحد، كما هو معمول به في معظم دول العالم، إضافةً إلى إدارة العملية الانتخابية والإشراف عليها من قبل القضاء، حيث تشرف لجنة قضائية مستقلة إشرافاً كاملاً على الانتخابات، وكذلك تأكيد مبدأ المساواة وحرية الانتخابات.
القانون الجديد يحدد بمضمونه مواعيد آليات العملية الانتخابية لمجلس الشعب ومجالس الإدارة المحلية، ويحدد من يحق له الترشّح وعمره، كذلك يقرّ بتأليف لجنة قضائية تشرف على العملية الانتخابية إشرافاً كاملاً، كذلك يمكنها الاستعانة بمن تشاء للتعاون معها، ويترأسها القاضي الأقدم وتتغيّر كل أربع سنوات.
كذلك يقسّم القانون مقاعد مجلس الشعب إلى قسمين، نصف للعمال والفلاحين والباقي لكافة فئات الشعب السوري، فيما يضمن سلامة الانتخابات وسريتها، ويضمن علنية الفرز، ويسمح للإعلام والصحافيين بمراقبة سير الفرز وسلامته، ويقرّ كذلك عقوبات متباينة بالسجن والغرامة المالية لمن يخلّ بقوانين الانتخابات أو ينتخب مرتين أو يستخدم سيارات الدولة في الحملات الانتخابية.
في المقابل، يغيب عن القانون أي توضيح بخصوص مصير قائمة الجبهة التي كانت تفرض على الناخبين سابقاً، وهم ممثلو أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية. وكما العادة، الخطوة لاقت ترحيب أوساط عدة، إلا أنها، شأنها شأن ما سبقها من خطوات، لم تستطع تخفيف حدة التظاهرات، وقوبلت بالمقاطعة من بعض رموز المعارضة الذين يتخذون هذا الموقف احتجاجاً على القمع الأمني الذي ازدادت حدّته في الأيام الأخيرة، بينما يبدي آخرون آراءهم في هذا القانون بصراحة شديدة.
فالكاتب والصحافي السوري المعارض، لؤي حسين، يصرّح بمقاطعته التامة لجملة هذه القوانين، وأنه لن يكلف نفسه حتى عناء قراءتها أو الاطلاع عليها من باب الفضول. وقال حسين لـ«الأخبار» «إن أي أداء أو اشتغال أو مبادرة من قبل السلطة السورية، أعتبرها اختراعات مفبركة لا أكثر، يقوم بها النظام السوري في هذا الوقت بالذات، في محاولة أعتقد أنها ستكون فاشلة، من أجل تحييد محور الصراع القائم من أجل الحريات والحقوق المشروعة للشارع».
كذلك يؤكد حسين أن السلطة السورية تريد تصوير أزمتها في التعامل مع انتفاضة الشارع على أنها موضوع الانتخابات أو قانون الأحزاب وقانون الإعلام، بدلاً من الصراع على الحريات والحقوق. ويشدد على ضرورة وجود سلطة ونظام صحيحين بداية، قبل مناقشة وجود قوانين صحيحة أو مناسبة لمتطلبات المرحلة الجديدة، لأن «الشارع خرج للمطالبة بحقه في العيش تحت مظلة نظام ديموقراطي حقيقي، وهذا يعني بالضرورة أن هذا النظام قادر على خلق أنظمة اجتماعية صحيحة أيضاً، لا العكس، بمعنى أن النظام هو نفسه من يبتكر الآن مجموعة من القوانين القادرة على تحقيق مصالحه في الدرجة الأولى، قبل النظر في حاجة الشارع السوري المنتفض من أجل العيش بحرية».
لا يرى حسين أن النظام السوري يعمل سريعاً على إصدار القوانين المختلفة التي لطالما طالبت المعارضة السورية بإيجادها، «فجميع هذه المطالب والقوانين التي يشتغل النظام السوري على إصدارها كان من المفترض أن تنجزها السلطة السورية منذ أكثر من 7 سنوات من الآن». ويضيف «جملة هذه القوانين والإصلاحات كانت من أولويات مطالب المعارضة السورية بمختلف أطيافها، قبل بداية الحراك في الشارع. جميع هذه الإصلاحات والقوانين لم تعد مجدية في الخروج من الأزمة وتهدئة الشارع المنتفض».
ويؤكد حسين أن مطالب المعارضة والشارع السوري باتت مختلفة تماماً عن مجمل ما كانت تسعى إليه منذ 2005. «أعتقد الآن أن التغيير في بنية النظام السياسي هو مطلب الشارع المنتفض، ولا أقصد بالتغيير هنا من الناحية الشكلية. إنها محاولة يائسة يقوم بها النظام السوري لتهدئة الشارع، واكتساب مساحة زمنية كافية للسيطرة على الانتفاضة، كما فعل في تصدير نظرياته المختلفة عن المؤامرة التي تتعرض لها سوريا، والعصابات الإرهابية المندسة، والإمارات السلفية وغيرها».
أما المعارض السوري فايز سارة، فوجد أن قانون الانتخابات المنتظر لا يبتعد كثيراً عن قانون الأحزاب، وربما هو يشابه أيضاً قانون الإعلام المقبل، لأن «جميع هذه القوانين تعالج الفروع وتبتعد عن الأصل لها جميعاً، ألا وهو الدستور». ورأى أن جملة هذه القوانين التي يهلّل لها النظام السوري، باعتبارها ستضعه في مرتبة متقدمة ضمن الأنظمة الديموقراطية العالمية، ما هي إلا حالة معاكسة للطبيعة. «الدستور هو أبو القوانين جميعاً، وهو الناظم للحياة السياسية والاجتماعية الوطنية في أي بلد في العالم، لا في سوريا وحدها، وجميع القوانين تستند إليه لتحصل من روحه، لكن لا يحصل العكس كما هي الحال في سوريا الآن».



تعديل الدستور أولوية

لا يظهر المعارض السوري فايز سارة بارقة أمل واحدة في قانون الإعلام الجديد المرتقب قائلاًَ «أعتقد أنه سيخرج علينا بالصورة نفسها، من دون الابتعاد عن قانون الأحزاب أو الانتخابات. سيكون مستنداً إلى أفق بعيد تماماً عن الأفق الذي يتضمنه الدستور السوري. على سبيل المثال: الدستور السوري ينص على أن النظام السوري هو نظام اشتراكي، فهل من الممكن قبول أحزاب في هذا النظام أو المجتمع ذات تطلعات رأسمالية أو ليبرالية؟». لا يرى سارة أن المشكلة الحقيقية هي مع القوانين، بل بجديّة تنفيذها. «هناك مادة في الدستور تنص على عدم تعذيب المواطن السوري تحت أي ظرف من الظروف، لكن هذه المادة لم يحترمها يوماً النظام وأجهزته الأمنية المختلفة. هناك شهادات كثيرة عن ممارسات التعذيب، لا في القضايا السياسية فقط، بل حتى في القضايا الجزائية. ما الفائدة إذاً من إصدار هذه القوانين المختلفة إذا لم تطبّق بشكلها الصحيح؟».
كذلك لا يرى سارة أن تعديل الدستور السوري، المرجع الأساسي لجملة القوانين التي تناقش الآن، هو بالأمر الصعب أو المستحيل؛ «سابقاً جرى تعديل الدستور السوري خلال أقل من نصف ساعة».