رام الله | برغم أن الضفة المحتلة ليست جزءاً من الأراضي المحتلة عام 1948 التي تفرض فيها إسرائيل سيطرة كلية، فإن المستوطنين الذين استولوا على أراضيها يتمتعون بكل ما يتمتع به الإسرائيليون داخل الخط الأخضر، فيما يعاني الفلسطينيون على أرضهم، التي كانت من المفترض أن تكون خالصة لهم كنتاج لاتفاق أوسلو، من قرارات غير إنسانية وسلوك إسرائيلي استفزازي ينتهك حقوقهم، وخاصة في المناطق المصنفة باسم (ج)، وتقع معظمها على نقاط تماس مع البؤر الاستيطانية، وهي بذلك الأكثر عرضة لهجمات المستوطنين خلسةً وعلانية.
لعل هذا التقديم يمهد لفهم كيف وصل المستوطنون إلى بيت عائلة دوابشة في قرية دوما، قضاء نابلس. فهذا هو الحال في عشرات القرى؛ قبل الجريمة الأخيرة، تعرضت أكثر من عشر قرى في ريف نابلس لاعتداءات شبه شهرية. وبينما كان أهالي قرى عصيرة القبلية وبورين وحوارة يتعرضون لهجمات من مستوطنتي «يتسهار» و«براخا»، كانت قرى جالود وقريوت وقصرة تعاني من مستوطني «كادش» و«شفوت راحيل»، بالإضافة إلى «مجدليم» التي تقع على أراضي قصرة. وليس أخيراً كانت قرى عزموط وسالم ودير الحطب في مواجهة مستوطني «ألون موريه».

سنوات من المعاناة هي نتيجة سياسات إسرائيلية منذ 1967 استهدفت نهب مئات آلاف الدونمات لإقامة أكثر من 145 مستوطنة، فضلاً عن عشرات الكتل الأخرى مما تسمى المستوطنات العشوائية. بذلك يمكن القول باطمئنان، إن هذا التغيير الجغرافي لا يترك أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية حتى على حدود 67، ولا حتى أدنى حد من الأمان الشخصي.
كانت آخر المشاهد وأفظعها في دوما، حينما أقدم المستوطنون على حرق منزل دوابشة، ما أودى بحياة الرضيع علي دوابشة (سنة ونصف وسنة) ووالده سعد (32 عاما)، فيما ترقد والدته وشقيقه 4 سنوات بحالة حرجة في المستشفيات. الحادثة المريرة أعادت إلى الفلسطينيين ضرورة إحياء «لجان الحراسة الشعبية». يقول رئيس مجلس بلدية دوما، عبد السلام دوابشة، إن هذه اللجان كانت موجودة سابقا، ولكنها اختفت في مرحلة من الاطمئنان الجزئي. لذا يرى دوابشة أن هذا الاطمئنان استغله المستوطنون عندما دخلوا خلسة إلى المزارع والبيوت وارتكبوا جريمتهم.
أما مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة، غسان دغلس، فيعود إلى الذاكرة ليوضح أن هذه اللجان تشكلت في الانتفاضة الأولى بغرض مواجهة الاعتداءات المتكررة للمستوطنين المدعومين مالياً وسياسياً من سلطات العدو. ويشرح دغلس أن هذه اللجان «مبادرة وطنية تطوعية من ناشطين وشباب في المناطق المحاذية للبؤر الاستيطانية، وهي لجان سهر شعبية تأتي بمبادرات وطنية لكنها غير مسلحة، وتستخدم أبسط الأدوات من عصي وكشافات للإضاءة» وكاميرات للتوثيق. كما يؤكد أن هذه المبادرة «نجحت في صد اعتداءات المستوطنين في عدة مناطق مثل بورين وقصرة واللبن بعدما جرى تشكيلها بناء على تفاهمات بين أفراد ومؤسسات وتنظيمات في البلدات المعنية».

استغل المستوطنون
غياب اللجان الشعبية
وتسللوا إلى دوما


في قصرة تحديداً، يقضي رئيس البلدية، عبد العظيم الوادي، بعض الوقت مع مجموعة من الشباب المتطوعين في «الحراسة الشعبية» للقرية. يقول: «بعد أكثر من 60 هجمة تعرضت لها قصرة على يد المستوطنين، ومنها حرق مسجد النورين واستشهاد عصام بدران وتقطيع أكثر من ألفي شجرة زيتون، مثّل هذا ضغطاً على سكان القرية». ويضيف: «لم تكن هناك مناصرة من أي جهة داخلية أو خارجية لتوفير الحماية للناس، لذلك أنشأنا لجان الحراسة... في السابع من يناير (كانون الأول) 2014 رصد شبان الحراسة تحركات مجموعة من المستوطنين هاجمت المواطن فؤاد حسن، ثم حاصرتهم في منزل قيد الإنشاء ولقناهم درساً قبل تسليمهم للارتباط الفلسطيني».
التقينا أحد هؤلاء ويدعى عاطف (26 عاماً)، ويقضي الليل مع بعض أقربائه على سطح منزل لحراسة القرية. يقول: «نحن هنا في مناوبات مستمرة، أي شخص متفرغ يسهر، لا نريد للمستوطنين أن يحرقوا المزيد من البيوت وأن يقتلوا المزيد من أبنائنا... نضحي براحتنا مقابل حياة عائلاتنا. والمستوطنون جبناء فبمجرد رؤيتهم للضوء يخافون من الاقتراب»، ولكن رئيس البلدية (الوادي) يشير إلى صعوبة الالتزام بهذه الخدمة الوطنية، لكونها تتطلب سهراً طوال الليل ومناوبات بين المتطوعين على مدار 24 ساعة، إضافة إلى بساطة أدوات الدفاع المستخدمة في الحراسة والاضطراب الجوي سواء أكان برداً أو حراً، لكنه يعزو نجاح المجموعة إلى الترابط والتوافق الأسري بين سكان القرية، مطالباً بتشكيل هذه اللجان في كل القرى المعرضة لهجمات المستوطنين وخاصة مع تهميش السلطة مناطق (ج) التي اعتبرها الوادي خارج حسابات رام الله، بل هي «لا تحتوي أي مراكز أمنية».
في السياق، يعقب مدير «مؤسسة الحق الفلسطينية لحقوق الإنسان»، شعوان جبارين، بالقول إن «الهجمات التي تصاعدت وتيرتها مؤخراً هي جماعية وبحماية من جنود الاحتلال وليست حالات فردية كما يدّعي الإسرائيليون»، مضيفاً: «في البداية كانت هناك سرقة ممتلكات وتجريف أراض وخط عبارات عنصرية، ولكن تطور العنف وظهر أسلوب الإحراق، سواء للمنازل أو السيارات أو المساجد والكنائس».