واصلت السلطات السورية حملتها العسكرية في عدد من المدن السورية، بينها مدينتا حماه والبوكمال، متذرعةً بوجود «مجموعات إرهابية مسلحة بدأت بمهاجمة المقارّ الرسمية والأمنية ومراكز الشرطة»، ما أدى إلى سقوط مزيد من القتلى، في وقت تصاعدت فيه حدة المواقف الدولية المنددة بمواصلة النظام السوري للحل العسكري وسط ترقب لما ستؤول إليه جلسة مجلس الأمن الدوليتراجعت حدة العمليات العسكرية في مدينة حماه وعدد من المدن السورية أمس، بعد يوم وصف بأنه الأكثر دموية منذ اندلاع الاحتجاجات المناهضة للنظام السوري، سقط فيه أكثر من 100 قتيل، فيما استمرت لليوم الثاني على التوالي المواقف الدولية المنددة بلجوء السلطات السورية إلى تصعيد الحل العسكري.
وأفاد اثنان من سكان مدينة حماه لوكالة «رويترز» بأن دبابات سورية قصفت وسط المدينة أمس، ما أدى إلى مقتل أربعة مدنيين غداة إعلان جماعات حقوقية أن قوات الأمن قتلت عشرات الأشخاص في المدينة.
من جهتها، نقلت وكالة «فرانس برس» عن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، قوله إن مدنيَّين قتلا فجر أمس بعد تجدد الحملة العسكرية للجيش. وأوضح عبد الرحمن أن «دوي إطلاق نار كثيف سمع في حي الحميدية في حماه، حيث قتل شخصان بنار رجال الأمن أثناء حملة دهم شنتها في المدينة».
في المقابل، أكد مصدر عسكري سوري أن كل ما ذكر عن دخول الجيش إلى حماه عار من الصحة جملة وتفصيلاً، مشيراً إلى أنه «بعد قطع عناصر المجموعات الإرهابية المسلحة الطرق الرئيسية والفرعية في مدينة حماه ومحاولة عزلها وتعطيل الحياة داخلها وخنقها بعد قطع الطريق الدولية التي تربطها ببقية المحافظات، قامت بعض وحدات الجيش بمحاولة فتح الطرقات الخارجية التي تصل المدينة بما حولها من مناطق بهدف إعادة الحياة الطبيعية إليها».
وأضاف المصدر أنه «لدى قيام وحدات الجيش بهذه المهمة قوبلت بهجوم مسلح بأسلحة متوسطة، وأحرقت المجموعات الإرهابية المسلحة عدداً من مقار الشرطة والجيش والقوى الأمنية إضافة إلى تخريب المنشآت العامة»، مشيراً إلى أنه «سيجري التعامل مع تلك المجموعات الإرهابية المسلحة بما يتناسب مع مستجدات الوضع».
من جهتها، أصدرت وزارة الداخلية بياناً أوضحت فيه أن «مجموعات إرهابية مسلحة بدأت بمهاجمة المقارّ الرسمية والأمنية ومراكز الشرطة في مدينة حماه في محاولة لقتل أفرادها وخطفهم وتخريب محتوياتها وحرقها وإطلاق النار عشوائياً في كافة أنحاء المدينة لترويع المواطنين ومنع الموظفين من الوصول إلى أماكن عملهم».
وأشار البيان إلى أن قوات حفظ النظام تصدت مباشرة لهذه المجموعات الإرهابية واشتبكت معها، ما أدى إلى «استشهاد ثمانية من عناصر الشرطة وحرق عدد من الوحدات الشرطية في المدينة والريف وعدد من السيارات والدراجات الشرطية ومقتل عدد من المسلحين».
من جهته، أفاد التلفزيون السوري عن قيام مجموعات مسلحة في مدينة حماه بسرقة كميات كبيرة من البزات العسكرية من مستودعات المهمات واللباس الخاص بالجيش، مشيراً إلى «أنّ ذلك قد يُستغَلّ بنحو سلبي عبر الإقدام على ممارسات عدوانية تتنافى وأخلاقيات المؤسسة العسكرية واتهام الجيش بذلك».
أما في بلدة البوكمال، الواقعة في شرق سوريا، فقد أفاد نشطاء لوكالة «رويترز» بأن دبابات اقتحمت البلدة بعد حصار دام أسبوعين، فيما أشار مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان لوكالة «فرانس برس» إلى أن «شخصين قتلا، بينهما طفل يبلغ من العمر 13 عاماً، وجرح آخرون في البوكمال مع بدء دخول دبابات ومدرعات وقوات أمنية إلى هذه المدينة».
في غضون ذلك، نقل المرصد السوري عن أهالٍ كانوا في طريق سفرهم إلى دير الزور أنهم شاهدوا «ثمانين دبابة وآليات عسكرية أخرى متجهة نحو دير الزور»، فيما أشار التلفزيون السوري إلى تشييع سبعة من عناصر القوات الأمنية من المستشفى العسكري في حمص.
من جهته، أفاد رئيس الرابطة السورية لحقوق الإنسان عبد الكريم ريحاوي، لوكالة «فرانس برس»، بأن «ليل (أول من) أمس شهد كما كان متوقعاً تظاهرات كبيرة في معظم المناطق والمدن السورية بعد صلاة التراويح، من بينها ريف دمشق التي شهدت «مقتل شخصين أحدهما في الكسوة، وآخر في القدم عندما استخدم رجال الأمن الرصاص الحي لتفريق تظاهرات حاشدة». كذلك تحدث ريحاوي عن خروج «تظاهرتين كبيرتين في حي كورنيش الميدان في العاصمة»، فيما «خرج المئات في كل من جديدة عرطوز وعربين والتل والزبداني ودوما وحرستا وزملكا التي شهدت حملة اعتقالات ودهم».
وتابع قائلاً إن «تظاهرة حاشدة جرى تفريقها بالقوة وإطلاق الرصاص الحي في درعا البلد. كذلك خرج مئات المتظاهرين في داعل وفي إدلب نصرة لحماه ودير الزور».
في غضون ذلك، تصاعدت حدة الانتقادات الدولية الموجهة إلى السلطات السورية في أعقاب الحملة العسكرية التي أطلقتها السلطات أول من أمس، فيما يتجه مجلس الأمن إلى عقد جلسة لمناقشة الوضع في سوريا.
وكانت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون قد طلبت من مجلس الأمن الدولي التحرك من دون تأخير لوضع حد لأعمال العنف في سوريا، محذرةً من أنه قد تكون هناك خطوات أخرى «إذا استمرت القيادة السورية في مسارها الحالي»، فيما وسع الاتحاد الأوروبي نطاق العقوبات المفروضة على الحكومة السورية بتجميد أصول خمسة أشخاص وحظر سفرهم.
من جهته، انتقد المتحدث باسم منظمة هيومان رايتس ووتش، ريد برودي، دولاً مثل روسيا والصين وجنوب أفريقيا والهند والبرازيل لمنعها فرض عقوبات من الأمم المتحدة. وقال إن «هذه الدول تخضب بالدماء أيديها»، مضيفاً أن الشعب السوري يدفع ثمن ما ينظر له على أنه تدخل أجنبي «لا نهاية له» في ليبيا.
بدورها، نددت المعارضة الإيطالية بالقمع المتواصل في سوريا، ودعت الاتحاد الأوروبي إلى عزل النظام السوري وتشديد العقوبات عليه إذا لم يوقف العنف ويحترم حقوق الإنسان، فيما حثت ألمانيا الرئيس السوري بشار الأسد على وضع نهاية للعنف تجاه المحتجين.
وطالب وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ الاثنين «بمزيد من الضغط الدولي» على سوريا، رافضاً في الوقت نفسه إمكانية تحرك عسكري برعاية الأمم المتحدة. وفي السياق، أكد الأمين العام للحلف الأطلسي أندرس فوغ راسموسن في مقابلة مع صحيفة «ميدي ليبر» الفرنسية أن «الشروط لم تتضافر» لتدخل عسكري في سوريا، بالتزامن مع تنديده بـ«أعمال العنف التي ترتكبها قوات الأمن السورية بحق السكان».
كذلك، أخرجت أحداث حماه القيادة التركية عن صمتها الذي استمر لأسابيع مضت. ودعا الرئيس التركي عبد الله غول في حديث لوكالة «أنباء الأناضول» الحكومة السورية إلى وقف العنف فوراً تجاه شعبها وتنفيذ الإصلاحات، مندداً بالعنف تجاه المحتجين. وبعدما أشار إلى أن التوقعات كانت بأن يعم الهدوء انسجاماً مع روح شهر رمضان، وأن تنفَّذ إصلاحات جذرية، رأى أن «بدء الشهر الفضيل بأجواء دموية أمر غير مقبول». وأضاف: «لا يمكننا أن نبقى صامتين حيال هذا العنف»، لافتاً إلى أن تركيا تراقب التطورات في سوريا من مصادر استخبارية.
من جهته، ندد وزير الخارجية التركي، أحمد داوود أوغلو، باقتحام القوات السورية لحماه، مشيراً إلى أن تركيا تشعر «بإحباط شديد وحزن» بسبب عدد القتلى، منحياً باللائمة في هذا العدد الكبير من الخسائر البشرية على استخدام الدبابات والأسلحة الثقيلة. وتابع قائلاً للصحافيين: «أسلوب هذه العمليات وتوقيتها خاطئان بشدة. نندد بها بقوة»، ومعرباً عن أمله «أن نرى نهاية للعمليات العسكرية في شهر رمضان المبارك، ونتمنى مستقبلاً هادئاً للسوريين».
كذلك، سجل موقف عربي وحيد صادر عن وزير الخارجية المصري، محمد كامل عمرو، الذي دعا إلى «الإسراع» بإيجاد حل سياسي للأزمة في سوريا لتجنب تدويلها. وبعدما أعرب عن «انزعاج مصر الشديد من ارتفاع مستوى العنف، وزيادة عدد ضحايا المصادمات»، أكد أن «الظروف الدقيقة التي تمر بها سوريا الشقيقة والدروس التي أكدتها تجربة الربيع العربي في مناطق أخرى من الوطن العربي تظهر حقيقتين ثابتتين لم يعد من الممكن تجاهلهما، أولاهما أن الحلول الأمنية لم تعد مجدية»، وثانيتهما أن «المنطقة العربية لا تحتمل تدويلاً جديداً، وأن السبيل الوحيد لتجنب هذا التدويل هو أن نأخذ زمام المبادرة بأيدينا ونتحرك على الفور لتحقيق طموحات الشعوب العربية المشروعة إلى الحرية والديموقراطية».
أما روسيا، التي تعارض إلى جانب الصين تبني قرار في مجلس الأمن الدولي يدين القمع في سوريا، فدعت في بيان صدر عن وزارة الخارجية الروسية، إلى وقف «القمع» في سوريا وطالبت النظام والمعارضة «بالتحلي بأقصى درجات ضبط النفس والامتناع عن الاستفزازات والقمع»، في دعوة هي الأشد لهجة منذ بداية حركة الاحتجاج.
(أ ف ب، يو بي آي، رويترز، أ ب)



اعتداء على السفارة السورية في باريس

ذكر التلفزيون السوري أن مبنى السفارة السورية في باريس تعرض فجر أمس لـ«تعديات تمثلت في تشويه واجهة البناء بالطلاء وكتابة عبارات مسيئة لسوريا. كذلك تعرض مكتب القسم القنصلي التابع للسفارة لتعدٍّ مماثل في وقت متقارب». وأشار التلفزيون السوري إلى أن مبنى السفارة والقسم القنصلي التابع لها تعرضا الشهر الماضي لاعتداءات مشابهة، كذلك «سبق لمبنى السفارة السورية أن تعرض لاعتداء ورمي طلاء على واجهة السفارة وعلى شعار الجمهورية العربية السورية، في أثناء محاولة تجمّع غير مرخص اقتحام مبنى السفارة يوم الثالث من أيار الماضي ».
وطالبت السفيرة السورية لمياء شكّور وزارة الخارجية الفرنسية بتحمل مسؤولياتها في توفير الحماية لمقارّ البعثة الدبلوماسية السورية استناداً إلى التزاماتها الدولية.