بنغازي | يؤكد الناشط الليبي عز الدين الشريف، أن غالبية الشعب الليبي في الغرب تريد إقصاء القذافي، لا بل محاكمته مع مجرميه. ويقول خلال حديث خاص إن «أهل الغرب لم يسلموا من القذافي الذي استخدم آلة الحرب ضدهم تحديداً، مشيراً إلى أن «هناك العديد منهم يقاتلون مع الثوار على الجبهات». المعارض الذي لجأ إلى لندن سنة 2001 اعتراضاً على نظام القذافي واستمر كجزء من المعارضة إلى حين انتفاضة 17 شباط 2011، تحدث من مدينة الثوار في بنغازي بشرق ليبيا، مؤكداً أنه التقى العديد من أهل الغرب الليبي يقاتلون مع المعارضة، قائلاً: «لقد جاؤوا لتنظيم أنفسهم للمعركة ضد القذافي».
ويلفت الناشط الليبي إلى أن القذافي يعوّل على تقسيم ليبيا سياسياً، ولكن مصراتة والجبل الغربي والزاوية والزنتان ومدن أخرى في الغرب حتى العاصمة طرابلس، انتفضت، وهذا ما خيب آمال القذافي. ثم بدأت ضربات حلف شمالي الأطلسي بعد طلب الجامعة العربية وتأييد من الجمهور الليبي.
ويشير الشريف، الذي يرأس اليوم جمعية «شبكة الترابط الوطني» وهي جمعية أهلية ناشطة في المناطق الشرقية من بلاده، إلى أن العقيد القذافي بنى ترسانته العسكرية استعداداً للحظة الدفاع عن نظامه ليس إلاّ. ويضيف: «سمعنا أنه خلال الفترة السابقة ـــــ منذ نحو سنتين ـــــ اشترى أسلحة قيمتها أربعة مليارات دولار من روسيا وبريطانيا ودول أخرى، واشترى قناصات بعدما ساءت أمور الأنظمة العربية المجاورة قبل 17 شباط مباشرة. ولأن البنية التحتية للجيش الليبي قد دُمِّرت، وليس لدينا جيش نظامي، أقام القذافي ميليشيات أو معسكرات أمنية تعتمد على الأموال الطائلة التي يملكها. وهو يعتمد بذلك على سياسة العصا والجزرة، الأمر الذي أدى به إلى أن يحكم ليبيا بالحديد والنار». وعن طبيعة معسكرات الكتائب التابعة للزعيم الليبي، يوضح الشريف الذي عانى من التعذيب في سجون النظام قبل الخروج إلى المنفى في بريطانيا، أنها تتكون من «خليط غريب عجيب جداً». ويقول إن «أبناء القذافي هم الذين يرأسون هذه المعسكرات وهذه الثكنات العسكرية، بمن فيهم العقداء الذين كانوا في الجيش الليبي السابق. فكل من انتموا إلى هذا السلاح هم تحت قيادة أبناء القذافي، خميس والساعدي والمعتصم».
أما في ما يتعلق بموضوع القبائل، فقال إن «القذافي فقد ثقة كل القبائل. واستخدم أبناء القبائل ضد أهلهم. واستخدمهم سلاحاً للترويع والتهميش والتصفية لكل من يرفض تنفيذ أوامره. والقبائل شهدت مظاهر اندماج في المدن والقرى عبر المصاهرة والعيش المشترك. لكن القذافي كان يستخدم بمكر الجنود من الشرق ليعملوا في خدمته في الغرب، حتى لا تكون لديهم رحمة. وأيضاً نقل الجنود من الغرب ليعملوا في الشرق. ولعب على هذا الوتر أيضاً في الجنوب. وقد استخدم ذلك ليؤجج حس الانتقام بين الليبيين». ولتأييد القذافي من بعض أبناء الشعب الليبي أسباب يوضحها الشريف، قائلاً إنه «يجب الانتباه إلى موضوع الأفراد. هناك أناس تربّوا في كنف سلطة القذافي ونظامه وعاشوا من خيراته وتلبسّوا أفكاره، وولاؤهم الشخصي لرأس النظام. وهؤلاء ينتمون إلى مختلف المناطق. وهم اليوم يخرجون ليكذبوا على الناس على أساس أنهم يمثلون قبيلة الأورفلة التي تتآخى مع قبيلة القذاذفة وكانت تعلن ولاءها للقذافي سابقاً، ويدعمون القذافي. وفي منطقة بني وليد وفيها عشائر مختلفة من الأورفلة، يُقال إنّ رؤساءها حُبسوا، وشيوخها هُدِّدوا بالقتل إذا خرجوا ضد القذافي. ويقال أيضاً إن قبيلة الأورفلة تمتنع حالياً عن المشاركة في الحرب وعن الفتنة، وبالتالي في ذلك حكمة».
ولسيطرة المعارضة على بنغازي أولاً في الأيام الأولى لثورة شباط، سر يتعلق بأن هذه المدينة تختصر ليبيا ككل. ففيها تندمج كل القبائل الليبية، ويمكنك أن ترى العرب والأمازيغ والتبو والأفارقة وغيرها من القبائل، تعيش في مدينة واحدة. ويوضح الناشط الليبي أن بنغازي مدينة شهيرة باسم «ربّاية الذايح» أي أنها ليس فيها غريب، والغريب فيها هو ابن البلد. وإذا أتى إليها الغريب يرحّب به ويعيش في كنف أهلها ويتضامن الناس معه.
والمعارضة في ليبيا استمرت رغم التضييق عليها لسنوات طويلة، بل لعقود، لكنها عانت من انقسامات، حسب الشريف. «ويمكن الإشارة إلى نوعين من المعارضة: المعارضة الجذرية، وهي التي كانت تؤمن بإسقاط القذافي عبر كل الطرق السياسية والعسكرية. والمعارضة الإصلاحية، وهي التي تعمل على التغيير، وإن في ظل وجود معمر القذافي.
يبقى الموضوع الشائك هو الاتجاه السياسي للمعارضة، في ظل ما تسرّب عن رسالة «إيجابية» من المجلس الوطني الانتقالي إلى إسرائيل نقلها مدّعي الفلسفة الفرنسي، برنار هنري ـــــ ليفي. عن هذه الإشكالية يوضح رئيس الجمعية الناشطة في ميدان المجتمع المدني، أن ليبيا لها تاريخ عظيم في مقاومة الحركة الصهيونية في فلسطين، قائلاً: «والدي كان من المقاومين في فلسطين سنة 1948 حيث شارك مع ليبيين آخرين من ضمن الحملة التي شاركت فيها أيضاً قوات من المغرب والجزائر وتونس والسودان ومصر، إلى جانب المشرق العربي. لذلك من المستحيل أن يخرج أحد من ليبيا ليغيّر من هذه الثوابت الليبية، ويقيم علاقة مع إسرائيل».