لا يزال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عالقاً بين الاحتجاجات الإسرائيلية على غلاء المعيشة والإسكان، وبين ضرورة اتخاذ موقف في ما يتعلق بقضية التفاوض مع الفلسطينيين واقتراب موعد طرح التصويت على القرار الأممي للاعتراف بالدولة الفلسطينية. حتى هذه اللحظة، لم يجد نتنياهو منفذاً أو صيغة توافقية تجمع طرفي المعادلة، والتوصل إلى ما يشبه الهدنة داخلياً وخارجياً. إلا أنّه وجد في هذه الآونة تحديداً أنَّ هناك ضرورة للتودد للأميركيين وتحسين العلاقة أكثر مع الرئيس باراك أوباما، كي يقف الأخير إلى جانبه في أيلول للحؤول دون التصويت في الأمم المتحدة على الاعتراف بفلسطين دولةً عضواً.
وبهذا، بدأت تسريبات إعلامية تقول إنَّ نتنياهو، الذي رفض مقترح أوباما في أيار الماضي بشأن التفاوض مع حدود الرابع من حزيران 1967 مع بعض التعديلات وتبادل الأراضي، مستعد اليوم للموافقة على هذه الصيغة مع «حق التحفظ». هذه التسريبات، التي راوحت بين النشر والنفي، لم ترتق حتى الآن لتصريح رسمي.
وذكرت الإذاعة الإسرائيلية العامة، أمس، أن نتنياهو وافق على الصيغة الأميركية التي جرت بلورتها في الرباعية الدولية لتجديد المفاوضات مع الفلسطينيين. ونقلت عن مسؤولين في مكتب رئيس الوزراء، قولهم إنه جرى التوافق في ديوان رئيس الوزراء على أن المفاوضات مع الفلسطينيين ستتجدد على أساس حدود الـ67 مع تبادل أراضٍ متفق عليها، وأن الحدود التي ستتناولها المفاوضات ستكون مختلفة عن حدود الـ 67.
في موازاة ذلك، أكدّ مسؤول سياسي كبير أنه رغم الموافقة الإسرائيلية، إلا أنّ إسرائيل تحتفظ لنفسها بـ«إمكانية التحفظ». لكن من السهل التنبؤ بأنّ هذه التسريبات، وحتى حقيقتها، موجهة إلى الأميركيين أكثر من كونها موجهة إلى الفلسطينيين، وخصوصاً أنّ نتنياهو اليوم بحاجة إلى دعم أميركي أكثر من السابق لتجنب الاعتراف الأممي.
النشر حول «ليونة نتنياهو» غير الرسمي فتح آفاق التسريبات. وقال مسؤول إسرائيلي لوكالة الأنباء الفرنسية، طالباً عدم الكشف عن اسمه، إنّ هناك «جهوداً تجري منذ عدة أسابيع لإعادة إطلاق عملية السلام والسماح باستئناف المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، مشيراً إلى أنّ «الفكرة هي أن يتخلى الفلسطينيون عن مشروعهم، التوجه من جانب واحد إلى الأمم المتحدة»، موضحاً أن «الجهود تهدف إلى وضع إطار يسمح باستئناف المحادثات»، مؤكداً أن «واشنطن تقف وراء هذه الجهود المدعومة من الرباعية الدولية التي تضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة». وأضاف: «نحن نتحدث عن الخطاب الثاني لأوباما الذي قال فيه إن الحدود التي سيُتفاوَض عليها لن تكون حدود الـ1967، وهذه لغة نستطيع التعايش معها».
إلا أن مسؤول ملف التفاوض الفلسطيني مع إسرائيل، صائب عريقات، دعا نتنياهو إلى أن «يعلن بنفسه موافقته أمام العالم ووسائل الإعلام على أن حدود عام 1967 هي مرجعية المفاوضات وعلى وقف شامل للاستيطان في جميع الأراضي الفلسطينية بما فيها بالقدس الشرقية»، مشيراً إلى أن «ما سُرب يأتي في إطار العلاقات العامة»، وأنه «بدون أن يعلن للعالم موافقته على وقف الاستيطان ومرجعية حدود 1967 ستستمر حلقة العلاقات العامة والإعلام التي يتقنها نتنياهو».
وفي السياق، ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلية أنه قبيل انعقاد الرباعية الدولية في الحادي عشر من تموز، توصل نتنياهو إلى صياغة وثيقة مع الأميركيين يوافق بموجبها على إعلان يتعلق بالحدود، مقابل إعلان الفلسطينيين والرباعية الدولية أن إسرائيل هي دولة يهودية. وما جاء في الوثيقة أن «الرباعية الدولية تشدد على أن الهدف النهائي للمفاوضات هو إنجاز سلام عادل وثابت معناه دولتان لشعبين: إسرائيل وطن للشعب اليهودي، ودولة فلسطين وطن للشعب الفلسطيني». وأضافت الوثيقة: «كل دولة لها الحق بتقرير المصير واعتراف متبادل وسلام. الرباعية الدولية تؤمن بأن المفاوضات يجب أن تبدأ بموضوعين: الحدود والأمن. نتائج المفاوضات يجب أن تكون دولتين، حدود نهائية للفلسطينيين مع إسرائيل مصر والأردن».
كذلك نصت الوثيقة على أن «الحدود عليها أن تكون أساسها حدود الـ67 مع تبادل أراضٍ متفق عليها. من أجل أن تكون الحدود آمنة للدولتين. الطرفان يبحثان حدود فلسطين وإسرائيل، تكون مختلفة عن حدود الرابع من حزيران 67 وتأخذ بالحسبان متغيرات في الـ40 عاماً الأخيرة». وكشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن هذا الوثيقة رفضتها أوروبا وروسيا، بسبب بند الدولة اليهودية، قبل أن يرفضها الفلسطينيون في ما بعد.



تحذيرات من تداعيات الاحتجاجات المطلبية

لا تزال الاحتجاجات الإسرائيلية متواصلة في الدولة العبرية على غلاء المعيشة وأزمة الإسكان، ما دفع عدداً من السياسيين الإسرائيليين إلى نصح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضرورة إيجاد حل فوري للقضية. وقال قائد هيئة أركان الجيش الإسرائيلي السابق شاؤول موفاز، إنّ احتمالات تجنيد الاحتياط «عالية جداً»، متوقعاً أن تحصل الخطوة خلال الشهر المقبل، أي مع التصويت على القرار الأممي للاعتراف بالدولة الفلسطينية، فيما رأى عضو الكنيست بنيامين (فؤاد) بن العيزر (الصورة)، أن «الاحتجاجات الاجتماعية هي في بدايتها فقط، وهذه هي حالة الطوارئ الأكثر تعقيداً منذ حرب التحرير (نكبة عام 1948) وحتى اليوم».
وربط موفاز، الذي يشغل حالياً منصب رئيس لجنة الخارجية والأمن، بين ما يجري اليوم من احتجاجات في الشارع الإسرائيلي وسياسة حكومة نتنياهو، قائلاً: «نحن نرى في هذه الأيام الطبقة الوسطى والشباب يدفعون ثمن إخفاقات نتنياهو في المجالين الاقتصادي والاجتماعي. ويل لنا ولكل مواطني إسرائيل إن دفعت هذه الطبقة إخفاقات رئيس الحكومة». كذلك أعرب موفاز عن قلقه من أنّ «الإخفاقات الاجتماعية والإخفاق في المجال السياسي، يلتقيان في الأشهر القريبة، مشيراً إلى أن «كل ما كان على نتنياهو فعله هو القول لأوباما «نعم ولكن»، ولم تكن لديه الشجاعة القيادية والسياسية المطلوبة»، مبيناً أن نتنياهو «يخاف من ليبرمان، من ائتلافه الحكومي، من أعضاء حزبه».
(الأخبار)