دمشق | تحوّلت محافظة دير الزور السورية منذ أسابيع، إلى مسرح للأحداث اللاهبة من دون أن يتخيل أحد من أبناء مدينة الفرات أن تبدأ السلطة بتطبيق عملياتها العسكرية مع اقتراب موعد شهر رمضان، على أساس أنّ الأمن اتبع سياسة ضبط النفس لعدة أيام قبل شهر الصوم، لكن في النهاية، جرت رياح النظام بغير ما تشتهيه سفن المدينة المحاصرة،حيث يسود التوقع أن تكون دير الزور مسرحاً مقبلاً للحملة العسكرية. ويروي حسان، وهو مهندس غادر مع أسرته منذ يومين إلى دمشق، تفاصيل ما يجري في المدينة، قائلاً إن الأحداث بدأت منذ أسبوع تقريباً، مع انتشار أمني مكثف في الشوارع، رد عليه الأهالي بنصب حواجز من البراميل المعدنية والإطارات، ليعمدوا لاحقاً إلى محاصرة منزل المحافظ الجديد للمدينة. في هذا الوقت، كانت دير الزور مدينة لا صوت فيها سوى صوت الرصاص. وفي الأيام التالية، بدأ الأهالي بالنزوح، حيث انطلقت عشرات الحافلات يومياً إلى الحسكة وحلب ودمشق، حاملة عائلات كثيرة، منها مَن غادر بالكامل ومنها من عاد شبابها للمدينة لحمايتها. أما الفقراء، فشدّوا رحالهم إلى القرى القريبة من المدينة، بينما كان حيّا الجورة والموظفين يشهدان إطلاق نار كثيفاً وأصوات انفجارات ترافقت مع وصول دبابات إضافية إلى المدينة، وأصوات تكبير انطلقت من مآذن الجوامع، ردّت عليها سيارات الأمن بضرب عدد منها. ويوضح سكان المدينة أن الفرق الأمنية والجيش لم تتمكن من اقتحام المدينة التي عمد عدد من أبنائها إلى صناعة قنابل يدوية وزجاجات حارقة، إضافة إلى تجهيزهم للديناميت، كما يروي المهندس الشاب. أما امتحانات الشهادة الثانوية، فقد أُلغيت وأغلقت معظم المحال التجارية، ونفد الوقود من المحطات. من جانب آخر، ينفي حسان العديد من الأنباء التي تحدثت عن انقطاع للمياه والكهرباء في أحياء دير الزور، لكنه يؤكد حدوث ذلك في البوكمال ولأيام عدة، مستشهداً بمن نزح من المدينة الحدودية لدير الزور والذين تحدثوا عن مجازر مروعة ومقتل العشرات، وسط تعتيم إعلامي شديد وإغلاق للحدود العراقية منعاً لهروب السكان. وينقل عن أطباء في المدينة حدوث نقص في المواد الطبية بسبب عدد الجرحى المتزايد يومياً، لافتاً إلى أن عدداً من المستشفيات باتت تحت حصار قوى الأمن لمنع دخول الجرحى إليها. وفيما عمد بعض شيوخ العشائر إلى التوسط مع الجيش، والطلب من الأهالي رفع الحواجز، الأمر الذي رفضه المتظاهرون لأنهم «يدركون الخطة الموضوعة من الأمن لدخول المدينة حال رفع السواتر». ويتوقع المواطنون أن تشهد منطقتهم عملية عسكرية واسعة النطاق، قد تكون حتى أسوأ مما يحدث في حماه، ربما لكون الأخيرة ودير الزور هما الأكثر احتضاناً للتظاهر ويومياً، خاصة بعد صلاة التراويح المسائية. وما يؤكد هذه المخاوف، هو تعزيزات الدبابات والمصفحات التي تصل يومياً لمدينة الفرات، بالإضافة إلى العناصر الأمنيين.
أما في ما يتعلق بالأنباء التي تتحدث عن انشقاقات في صفوف الجيش، فيؤكد حصول ذلك، لكن على مستوى الرتب المتوسطة والصغرى، وخاصة من العسكريين الذين يتحدرون من المحافظة، وهو ما دفع بالأمن، بحسب قوله، إلى قصف الأحراش والمناطق التي يعتقد أن المنشقّين قد اختبأوا فيها، «ولعل ذلك هو ما دفع بالنظام إلى إرسال قطع عسكرية ينتمي عناصرها إلى محافظات أخرى».
كذلك يخشى حسان من دخول الجيش إلى دير الزور، لأنه بذلك «سيشعل حرباً ستأكل نارها الأخضر واليابس»، ذلك أن الريف الفراتي مسلح بالكامل، إضافة إلى النزعة العشائرية «التي عمد النظام إلى إشعالها باعتقاله شيخ عشيرة البقارة نواف البشير، ما سيقود إلى مواجهات شرسة. وفي إطار تبرير تخوفه من «الأعظم الآتي»، يركّز على أن خطوط النفط وأنابيبه «ستكون هدفاً سهلاً لضربها من أهل الريف والعشائر الذين سيقاتلون النظام بشتى الطرق حماية لأهلهم وبلدهم».
وفي إطار المخاوف نفسها، حذّر الشيخ أحمد الأسعد الملحم، الناطق باسم قبيلة الجبور، من أن استمرار السلطات السورية باعتقال نواف البشير، شيخ مشايخ عشيرة البقارة، وعضو الأمانة العامة لـ«إعلان دمشق»، الذي سبق أن أعلنت منظمات حقوقية سورية اعتقاله على أيدي السلطات الأمنية يوم السبت الماضي، «سيضع الأمور بغير نصابها في شرق سوريا». وأبلغ الشيخ أحمد وكالة «يونايتد برس انترناشونال» أن «موقف عشيرة الجبور واضح منذ بداية الثورة في سوريا، وهو عدم المساس بالرموز الوطنية والعشائرية خصوصاً، لما لها من تأثير على الشارع السوري، ويدعو إلى طلاق سراح الشيخ نواف فوراً ومن دون تأخير لأن بقاءه قيد الاعتقال يضع الأمور بغير نصابها في شرق سوريا».
وتابع الملحم «نحن بطبيعة الحال لنا تاريخ مشترك وصلات قربى مع عشيرة البقارة، ونتواصل في ما بيننا وسندعمهم إلى حين اطلاق سراح الشيخ نواف، وستكون طريقة الدعم حسب ما نقرره ونراه مناسباً في ما بيننا». وأضاف «نحن عشيرة الجبور، نملك تأثيراً كبيراً على الشارع السوري وخاصة أننا نمثل أكبر قبيلة في منطقة الجزيرة السورية، ولنا تواجد في دير الزور والرقة وقرى حلب وحماه وحمص وكافة المحافظات السورية، ونشارك في الاحتجاجات يومياً في محافظة الحسكة ومع أخوتنا في دير الزور والمياذين وحمص وإدلب وريف حماه ودرعا». وحمّل السلطات السورية مسؤولية سلامة الشيخ نواف البشير، وحذّرها من «أن الاستهتار بالرموز الوطنية، وبخاصة القبلية، قد يؤدي إلى أمور تخرج عن نطاق سيطرتنا». وفي هذا الموضوع، لفت إلى أن قبيلته «لن تهدأ ولن تستكين حتى تأخذ سوريا حريتها وكرامتها، وسنبقى ندعم الحراك الوطني، ونحن شاركنا في تحرير سوريا من الاستعمار الفرنسي حتى آخر فرد من أبنائنا».
في المقابل، هاجم الشيخ نفسه، وهو عضو «مجلس الإنقاذ السوري» الذي انعقد أخيراً بمدينة اسطنبول التركية، الموقف الدولي ووصفه بـ«المخزي»، كاشفاً أن الأمن العسكري «اعتقل اليوم (أمس) شقيقه عزام مسؤول تنسيقية منطقة الشدادي في محافظة الحسكة».