دمشق | تحوّلت المشاهد التي عرضتها الفضائية السورية، وتظهر عدداً من عناصر العصابات المسلّّحة الإرهابية يلقون بجثث لقتلى من أفراد الجيش وقوى الأمن في نهر العاصي، من على جسر مرتفع في مدينة حماه بعد التمثيل بها، ومشاهد دخول الدبابات الى ساحة العاصي، والقصف الذي تعرّضت له مدينة حماه في الأيام القليلة الماضية، إلى الشغل الشاغل للشارع السوري، والعديد من مواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية. تباينت وجهات النظر حول الرواية الرسمية للنظام السوري التي قدّمها لهذه المشاهد، بين من شكّك في صدقيتها ومن أكّّد صحتها. أبو مفيد، صاحب متجر في وسط العاصمة دمشق، علّق علماً سورياً تموضعت صورة الرئيس بشار الأسد في وسطه، تعبيراً منه عن تأييده للنظام السوري، يقول لـ«الأخبار» «لم أستطع متابعة المشاهد الدموية التي عرضتها الفضائية السوريّة لأحداث حماه حتى نهايتها. أستغرب بحق أن تحدث في مدينة النواعير المسالمة التي أزورها كل عام تقريباً مثل هذه المجازر الآن».
وعن صدقية المشاهد التي عرضتها القناة، يشير أبو مفيد الى أنه «من كثرة ما تابعنا من مشاهد مشابهة خلال الفترة الماضية، ومحاولات إعلامنا الرسمي، أو قناة «الدنيا» تكذيب بعضها وتأكيد بعضها الآخر، أشعر بحالة من الضياع وعدم القدرة على الجزم. في النهاية إنها مشاهد دموية لا إنسانية. لا أتمنى أن تحدث في أي مكان من العالم، فكيف إن كانت تحدث في بلدي سوريا؟».
عدنان، الشاب الثلاثيني، يستنكر بقوة هذه المشاهد الدموية، ويؤكّد أنّها «لا تعبر عما يقوم به السوريون في ثورتهم السلمية، في كل المدن والقرى التي أصرّت على سلمية تحرّكها طوال الخمسة أشهر الماضية». ويحاول أن يبرّر حصول مثل هذه الممارسات الإجرامية، ان كانت قد جرت فعلاً، بأنّها «جاءت بعد محاولات حثيثة من النظام لجرّ أهلنا لهذا العنف. لكنها سحابة صيف وستمرّ وسيعود بعدها النظام خاسراً، كما خسر في محاولاته الطائفية في حمص، أمام إرادة الشعب وتطلّعه إلى الحرية».
يقدّم جوزيف، وهو شاب في بداية العقد الثالث من عمره ويعمل في إحدى شركات تحويل الأموال في دمشق، قراءة تحليلية منطقية لمشاهد حماه. يقول إن «الفيلم سيئ، أكان من جهة السيناريو أم التمثيل أم الإخراج. هذا لا ينفي أنّ العمل جريمة كبيرة»، لكنه لا يستبعد أن يكون «مفبركاً من النظام الذي يفبرك كل القصص الواهية عن العصابات المسلحة» اذ «ليست اللهجة لهجة أهل مدينة حماه أو حتى ضواحيها. وهنالك عدّة لكنات في الفيديو؛ فعند الثانية 22 من المشهد، يُطلق أحد المشاركين بالفيلم شتائم نابية. لكن أؤكّد أنها ليست لكنة أهل حماه». ويستهجن ما ظهر في المشهد ويبين أنهم عصابات دينية إرهابية، يقول «أهل حماه متديّنون كما نعلم جميعاً، وشتم الله والدين ليس من شيمهم. أتكلم من خلال تجربة احتكاك بالكثير من أهالي حماه، الذين أكّدوا لي أن المنطقة التي صُوّرت فيها الحادثة، لا تقع في مدينتهم بتاتاًً».
ويتساءل جوزيف «كيف لأشخاص بهذا الإجرام أن يقوموا بهذا العمل بكل هذا الدم البارد والجيش منتشر في حماه وخارجها؟»، قبل أن يضيف «إن كانوا عصابات مسلّحة إرهابية فعلاً، كما يُشيع النظام، فأين كانت وحدات الجيش السوري، التي تحاصر المدينة من الاتجاهات كافة، عندما خرجت هذه العصابات لتقوم برمي الجثث بكل أعصاب باردة، ألم تُلاحظها؟ لا بل الأنكى أن هذه العصابات دخلت وتمركزت داخلها أيضاً؟». وبعد عملية بحث عن صور مختلفة للجسور الواقعة داخل محافظة حماه، توصل جوزيف الى النتيجة التالية: «محافظة حماه تحتوي على ثلاثة جسور. أؤكد أنّ الجسر المصور ليس واحداً منها. وبإمكان الجميع أن يسألوا عن جسور حماه ويشاهدوها. فهي ليست خافية على أحد».
أما إيمان، فتنبري إلى مناقشة البيان الذي نشرته لجان تنسيقيات الثورة السورية في محافظة حماه على شبكة الانترنت، وتنفي من خلالها رواية النظام السوري. تقول «هناك دلائل كثيرة تؤكّد فبركة هذا المشهد، وأنّه فصل جديد من ألاعيب النظام السوري التي اعتدناها»، طارحةً تساؤلات عديدة لم تقدم وسائل الإعلام الرسمية أجوبة واضحة عنها، لتؤكّد صحة روايتها، فتتساءل «لماذا لم يظهر الفيديو الا بعد اجتياح حماه وارتكاب مجازر دمويّة بحق أهلها؟ أليس لتبرير جريمة الاجتياح والمجازر التي ارتُكبت؟ لماذا يصوّرون العمليّة وينشرونها إذا كان عناصر العصابات الإرهابية هم من فعلوا ذلك؟ هل هناك عاقل يقوم بإدانة نفسه؟ ولماذا رمي الجثث في العاصي، إذا كان ما حدث في حماه وليس في جسر الشغور؟».
تستغرب إيمان «أنه على رغم كل بشاعة هذا النظام، يأتي من يحاول باسم الأخلاق أن يعطي مبرّرات لجرائمه الوحشية الدموية». ومن المفارقات المشهد الذي يحتوي العديد من التناقضات، بحسب قراءة إيمان له، تقول «في الفيديو يكبّرون ثم يكفرون! يقول أحدهم «كبو يلعن دينو!» يعني مجنون يحكي وعاقل يسمع. كيف يستطيعون أن يملأوا سيارتهم بالجثث، ثم يرمونها في النهر في وضح النهار؟ أنا مثل كثيرين، لم ولن أصدق هذا الفيديو».
لا يصدّق اسماعيل، الذي يعمل بائعاً جوّالاً في شوارع دمشق، صحّة وجود عصابات إرهابية في حماه، ولا صحة المشاهد الدموية التي عُرضت «أنا لا أصدّق أن أهالي حماه قاموا بهذا الفعل، فمن كان يخرج في تظاهرات سلمية أدهشت الدنيا ويرسم علم وطنه بأجساد الآلاف من أبناء شعبه، وبعد الانتهاء من التظاهرة يكنّس وينظف الساحة، لن يقوم بهذه الفعلة النكراء».
ويحاول بائع عرق سوس، وهو ينادي على بضاعته بصوت جهوري، قراءة ما جرى، يقول «أنا أفهم أنّ الطبيعة البشريّة والإنسانية لن تحتمل كل هذه الوحشية والعنف. ولا أستبعد أن يكون هناك سلاح رُفع للدفاع عن النفس، لكن هذا الفيديو يحمل من القذارة ما لا يمكن تصديقه على أنه من فعل الثوار، لأنه ليس في مصلحتهم». ويضيف «ببساطة هذه المشاهد الدموية لا تخدم الا النظام».



نزوح ألف عائلة

أعلن المرصد السوري لحقوق الانسان، أمس، أن أكثر من ألف عائلة نزحت عن حماه منذ بدء العمليات العسكرية في المدينة قبل يومين.
وقال مدير المركز الحقوقي، رامي عبد الرحمن إن «أكثر من ألف عائلة نزحت عن حماه نحو السلمية، التي تقع 30 كيلومتراً بعيداً عن جنوبي شرقي حماه، هرباً من العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات من الجيش في المدينة».
وأضاف أن «قوات الأمن أعادت عند الحاجز عائلات أخرى كانت متجهة نحو حلب (شمال)، فعادت أدراجها حيث استقبلها سكان سراقب (شمال غرب)».
من جهة ثانية، أكّد عبد الرحمن «عدم تمكنه من الحصول على أي معلومات حول ما يحدث في حماه على وجه الدقة، وعما أدّت إليه العملية العسكرية من قتلى وإصابات».
وقال إن «الاتصالات الهاتفية الخلوية التي قُطعت منذ صباح أمس (أول من أمس)، عادت مساء الاربعاء ثم عادت وانقطعت من جديد».
(أ ف ب)