تونس | قد تكون نتيجة الانفجار السياسي الذي تعيشه تونس منذ ثورة «14 يناير»، ظهور خريطة سياسية شاسعة على شاكلة فسيفساء من الأحزاب ومكوّنات المجتمع المدني الأخرى، أسهمت إلى حد بعيد في درء «التصحر» السياسي الذي كانت تعيشه تونس منذ الاحتلال الفرنسي في النصف الأول من القرن الماضي.وتجلّى ذلك جيداً في عدد الأحزاب الذي بلغ إلى وقت قريب نحو 104، وقد أسهمت منذ فجر الثورة بتنظيم الحياة السياسية، في وقت كانت فيه تونس تعيش (ولا تزال) في أزمة مشروعية سياسية، أدت إلى بروز تحالفات براغماتية على نطاق واسع لاكتساب مشروعية حماية الثورة، وللانتقال الديموقراطي والإصلاح السياسي. وأول تلك التحالفات كان جبهة «14 يناير» التي تكونت في مجملها من أحزاب يسارية وقومية، قديمة وحديثة النشأة.
دفعت هذه الانطلاقة المكونات الأخرى إلى العمل لانتزاع مكان لها في الساحة السياسية خلال المرحلة الانتقالية، في محاولة لأن تؤدي دورها في «حماية الثورة»، مطيّة لكل من أراد ممارسة السياسة بعد الثورة. هذه المطيّة أخذت بعض الأحزاب الأخرى من الليبراليين والإسلاميين وبعض مكوّنات المجتمع المدني وتحت مباركة الاتحاد العام التونسي للشغل، للذهاب أبعد من جبهة «14 يناير»، والاتفاق مع الحكومة المؤقتة الثانية للباجي قايد السبسي، لتأسيس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديموقراطي والإصلاح السياسي، بمشاركة بعض الأحزاب الكبرى وعدد من مكوّنات المجتمع المدني. وأصبحت إلى حدّ بعيد بمثابة برلمان انتقالي، اضطلع بإعداد مشاريع القوانين المؤقتة للانتخابات والأحزاب والجمعيات والصحافة. إلا أن هذه الهيئة كانت تقوم بمهماتها بصفة استشارية، على أن يكون الحسم في ملفاتها لرئيس الوزراء المؤقت، الباجي قايد السبسي، والرئيس المؤقت، فؤاد المبزع. وشهدت اجتماعات هذه الهيئة العديد من المناكفات السياسيّة بين مختلف مكوّناتها، أدت في بعض الأحيان إلى انسحاب عدد من الأحزاب (النهضة والحزب التقدّمي الديموقراطي وحركة الديموقراطيين الوطنيين) بحجج متنوعة كـ«التطبيع مع الكيان الصهيوني» و«تأصيل الدكتاتورية» و«الرجوع إلى المربّع الأول».
هذا الحراك على مستوى النخبة السياسية كان له صدى كبير على القاعدة الشعبية، وأسهم في بروز بؤر توتر في مختلف أنحاء البلاد، وخاصة في منطقة سيدي بوزيد، القصرين، والجنوب، إضافة إلى خروج تظاهرتين في كل من العاصمة وصفاقس، بما جرى التعبير عنه باعتصامات «القصبة 3». وأتت هذه التحركات بمباركة بعض الأحزاب كحركة النهضة الإسلامية وحزب المجد، التي وجدت أن الحكومة تماطل في تأجيل موعد انتخابات المجلس التأسيسي.
وأسهم هذا الحراك في بروز تحالف سياسي، اشتراكي الإيديولوجية، سُمي «القطب الديموقراطي»، أبرز مكوناته حركة التجديد والحزب الاشتراكي اليساري. وأكّدت مكوّنات هذا القطب أن التقاءها لم يأت لهدف انتخابي وليس على شاكلة التحالفات السياسية، بل هو التفاف حول جملة من المبادئ وقد تفرّقهم المحطة الانتخابية، وتجعلهم متنافسين في هذا الاستحقاق.
ويعلن مؤسسو هذا القطب تناقض برامجه مع المشروع الذي تحمله الأحزاب الإسلامية؛ فهو يدعو إلى الفصل بين الدين والسياسة، ومنع استغلال الفضاءات الدينية للدعاية والممارسات السياسية، إلى جانب الدعوة إلى نبذ العنف والتعصب وكل أشكال الانغلاق.
في هذه الأثناء، نجحت «النهضة» في عقد ائتلاف جمع عدداً من الأحزاب. وألفت لجنة تضم ممثلاً عن كل حزب يريد الانضمام إليه لصياغة أرضية تفاهم مشتركة لهذا الائتلاف.
حالة «العصرنة» و«التحديث» السياسي، التي طبعت الحياة السياسية في تونس بعد الثورة، لم تستثن الأحزاب «الكرتونية» في العهد البائد، فعملت على عقد اتئلاف مع الأحزاب «الوريثة» للحزب الحاكم سابقاً، في تحالف قد يضم أكثر من 45 حزباً.
هذه الأحزاب «المقصية» دعت إلى تأسيس «مجلس أعلى للأحزاب» «ردّاً على إقصائها من الحكومة المؤقتة والهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة. في وقت تستعد فيه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الى إعلان «قائمة المحرومين من الترشح» من المسؤولين السابقين التي من المرجح أن تشمل أكثر من 3 آلاف شخص. ولعل هذا التكتيك الذي لجأت إليه هذه الأحزاب جاء لتعويض فقدانها للقاعدة الجماهيرية، في مسعى إلى إيجاد مكان لها في «السوق السياسية» يحقق لها تمثيلاً في المجلس التأسيسي، وخاصة أن النظام الذي ستتبعه لجنة الانتخابات في حساب الأصوات، هو طريقة التمثيل النسبي.
وهذا النظام يجعل من عملية التحالف الانتخابي غير مجدية؛ إذ إنها قد تؤدي إلى فقدان مقاعد في المجلس التأسيسي داخل الائتلافات، وتضمن مشاركة أكبر للقوائم التي لم تحصل على الغالبية. لذلك، تريد بعض الأحزاب الدخول في نطاق تحالف سياسي لا انتخابي.
وقد تحمل الفترة المقبلة من المرحلة الانتقالية، وفاة العديد من الأحزاب في مهدها؛ فالمنافسة شرسة، في وقت تنتظر فيه القاعدة الشعبية «جني ثمار الثورة» والعيش في حرية وديموقراطية والمشاركة في الحياة السياسية وحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية.



قررت الحكومة التونسية برئاسة باجي قايد السبسي، أمس، فرض حظر التجوال ليلاً على مدينة جبنيانة من محافظة صفاقس عقب تجدد أعمال العنف والشغب والمواجهات العشائرية التي تشهدها المدينة منذ يومين.
وذكرت وكالة الأنباء التونسية أن «الحالات الصحية العاجلة وأصحاب العمل الليلي لا يشملهم قرار حظر التجوال الذي يبقى نافذ المفعول إلى أن يأتي ما يخالف ذلك». وأدت مواجهات أمس إلى سقوط أكثر من 45 جريحاً بطلقات من بنادق صيد.
(يو بي آي)