دمشق | تباينت آراء رموز النظام والمعارضة السوريين في بيان مجلس الأمن الدولي الذي صدر مساء الثلاثاء لإدانة العنف الحكومي وحضّ كافة الأطراف على ضبط النفس وعدم الانجرار وراء الأعمال الانتقامية. وبحسب الدكتور والفيلسوف السوري المعارض، الطيب تيزيني، الذي تحدث لـ«الأخبار»، فإنّ «الخارج ينتظر ويتحفز لأن يلتقط أي ثغرة حتى يدخل ليفعل ما يريد في سوريا.
لذا، فالعلاقة بين الداخل والخارج ممكن أن تفتح بأي لحظة من قبل الخارج، ورغم أن غالبية السوريين لا يعولون على هذا الخارج، لكن الأخير موجود وسيتحيّن الفرصة ليتدخل بكل الأحوال». ويفصّل فكرته بالإشارة إلى أن بيان مجلس الأمن يؤكد أن الأمم المتحدة لا تتجاوز سؤال «إلى متى سيبقى الموضوع هكذا؟»، لافتاً إلى أن مجلس الأمن «لم يتخذ موقفاً صارماً، وهي فرصة لأن تفتح الأبواب أمام شعبنا ليتولى شؤونه الداخلية». ويستطرد تيزيني بالحديث عن فئة من النظام ترفض الإصلاح في سوريا «فتضع المطالب الشعبية في خانة المؤامرة الخارجية ضدها، وهو ما واجهه العالم العربي عندما تصل أي دولة فيه للضرورة القصوى المتمثلة بالإصلاح، فتلجأ قيادة هذا البلد إلى إلحاق هذا المطلب الإصلاحي بركب المؤامرات الخارجية».
وعما إذا كان من شأن بيان مجلس الأمن أن يخفف من حدة العنف ويعيد مؤشرات الحل الأمني إلى الخلف، يرى تيزيني أنّ هذا البيان «يحاول أن يوصل رسالة تفيد بأن الكيل طفح»، قبل أن يخلص إلى أن «ما يهمنا نحن هو أن الصراع المسلح يجب أن يتوقف؛ لأن النتيجة ستكون الخسارة لجميع الأطراف». وفي السياق، يشكّك المعارض بقوة بوجود عصابات مسلحة وجماعات إرهابية، موضحاً أن هذه الرواية «تحمّل كل ما يحدث لفعل خارجي ولمؤامرة ليست بجديدة، دائماً ما تتشكل عندما يكون الداخل عاجزاً عن حماية نفسه حماية كاملة». ويحمّل «الداخل» مسؤولية هذه المؤامرة حتى وإن وجدت، «وإذا أقررنا بوجودها بالفعل، فعلينا أن نضعها في المقام الثالث أو الرابع لنضع المعضلات التي تكونت عبر السنين قبلها».
أما السيناريست والكاتبة المعارضة ريما فليحان، فقد حمّلت بدورها النظام المسؤولية كاملة عما آلت إليه تطورات الموقف الدولي إزاء الوضع السوري، وصولاً إلى استصدار مجلس الأمن بيانه. وقالت فليحان لـ«الأخبار» إن «النظام السوري لا يزال يتعاطى مع الأحداث منذ بدايتها بالأسلوب القمعي الإجرامي نفسه الذي أدّى إلى تطورات كبيرة في المواقف الدولية». وتلفت إلى أنه «لو حاول النظام التعامل مع الشارع السوري المنتفض عبر الحوار والحلول السلمية، لما تطلب من مجلس الأمن الدولي عقد جلسات عدة لمناقشة الأزمة»، من دون أن تنفي واقع أن العواصم الأجنبية «تعاملت مع الأزمة السورية بطبيعة الحال من منطلق مصالحها الدولية بالدرجة الأولى».
ورأت الكاتبة السورية المعارضة أن مجمل مواقف الدول الأعضاء في مجلس الأمن تجاه ما يحصل في سوريا، «غير ثابتة ولا واضحة»، إذ إنها «تراوحت منذ بداية الأزمة بين الإدانة أو إبقاء الباب مفتوحاً أمام النظام لإعطائه فرصة حقيقية لتنفيذ الإصلاحات التي وعد بها». وتلاحظ أنه رغم التباين الكبير في المواقف الدولية، فإنّ «الحراك الشعبي في الشارع، والتظاهرات السلمية التي تخرج في جميع المحافظات والمدن والمناطق السورية، لم ولن تتأثر يوماً بمجمل هذه القرارات الدولية، سواء جاءت لمصلحة النظام السوري، كما يحدث دائماً، أو لمصلحة المتظاهرين المناهضين له». وأعربت عن اقتناعها بأنّ «من يملك الكلمة النهائية والفاصلة الآن هو الشارع السوري المنتفض ولا أحد سواه، وسواء خرج مجلس الأمن الدولي بقرار إدانة للنظام السوري، أو بقي الأمر على حاله، فسيبقى الشارع المنتفض مصمماً على أن تحل الأزمة داخلياً»، مطمئنة إلى أنه «إذا أراد الحراك الشعبي أن يتوقف أو يبقى مستمراً، فسيتخذ قراره بغض النظر عن مجمل القرارات أو البيانات التي ستصدر عن السياسة الدولية». أما عن توقعاتها بشأن ما إذا كانت الأمور ستصل إلى تدخل عسكري أجنبي، فتجزم فليحان بأن «الشارع والمعارضة الشريفة هم ضد التدخل العسكري تماماً لأننا ضد جميع التدخلات العسكري والسياسية الخارجية، حتى لا يتكرر السيناريو الليبي في سوريا، وسنبقى مع الحل السياسي من أجل الانتقال السلمي إلى دولة مدنية ديموقراطية». وتعلّق الفنانة المعارضة على اجتماع بعض أسماء المعارضة السورية مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون برفض حاسم «لأي لقاء أو علاقة أو تدخل أميركي أو أجنبي عموماً في الشأن السوري».
أما في الطرف الموالي للنظام، فيبرر أمين تحرير صحيفة «البعث» الحكومية عدنان عبد الرزاق، لـ«الأخبار»، بيان مجلس الأمن بأنه «نتيجة التصعيد المتعمد الذي تعمل عليه مجمل الدول الغربية لتصفية حساباتها مع النظام السوري»، متوقفاً عند الاعتراف الواضح الذي تضمّنه البيان بشأن وجود حالات عنف في سوريا يسببها المتظاهرون. اعتراف أشار عبد الرزاق إلى أنه يكشف عن حصول تحول جذري في تعامل مجلس الأمن مع الأزمة السورية، «ما أعطى مبرراً لروسيا والصين والهند في تبني هذا البيان الذي يدين عمليات العنف والتخريب التي يقوم بها بعض المتظاهرين من جهة، وليدعموا موقفهم في عدم اتخاذ قرار إدانة بحق النظام السوري من جهة أخرى». لكن في المحصلة، لا يرى عبد الرزاق أن هناك فائدة تذكر من مجمل الحلول المعلبة التي تأتي من الخارج التي يقدمها مجلس الأمن أو الاتحاد الأوروبي بخصوص الشأن السوري، ويصفها بأنها «سبب مباشر ورئيسي في تفاقم الأزمة وإثارة الشارع المحتج». وعن نظرية المؤامرة التي يتبناها النظام السوري، يقول الإعلامي السوري: «أنا لست أسيراً لنظرية المؤامرة، لأنها موجودة منذ بداية التاريخ الحديث، لكنني أؤكّد أنّ مجمل الدول الغربية لا تريد الديموقراطية لسوريا، وليست حريصة على حرية الشعب السوري وديموقراطيته التي يريدها». وفي السياق، يتساءل عبد الرزاق «أين كانت جميع هذه الدول الغربية قبل بداية الأزمة؟ وهل قدمت مبادرات تذكر لتكريس الديموقراطية أو الحرية في سوريا؟»، ليخلص إلى أنه كلما ازدادت الأزمة السورية، تحققت مصالح الدول الغربية.