القبضة العسكرية تخرج حماه

للمرة الأولى منذ بدء الاحتجاجات السورية في منتصف آذار الماضي، غابت التظاهرات عن حماه التي لا تزال تتعرض لقبضة «الحلّ الأمني»، وهو ما لم يمنع سقوط 14 متظاهراً في مدن أخرى، وقتيلين من الأمن بحسب مصادر النظام
جاءت تظاهرات أول يوم جمعة من شهر رمضان تحت شعار «الله معنا» في سوريا، أمس، بحصيلة 14 قتيلاً، بحسب مصادر المعارضة، ليترجم هذا العدد حجم الاحتجاجات التي نقلت الفضائيات والمواقع الإلكترونية صور حشودها الملتقطة من كاميرات الهواة والهواتف النقالة، والتي وصفتها وكالة «أسوشييتد برس» بأنها كانت أقل عدداً من أيام الجمعة الماضية.

وفيما لم تسمح القبضة الأمنية المفروضة على مدينة حماه بتنظيم أي مسيرات احتجاجية، ولا حتى بصلاة الجمعة في عدد من مساجدها، سقط العدد الأكبر من القتلى في مدن ريف دمشق، بينما ازدادت المخاوف من حصول حملة أمنية كبيرة في دير الزور شرق البلاد، وسط تأكيد وكالة الأنباء السورية «سانا» مقتل عنصرين من قوى الأمن في محافظة إدلب (غرب البلاد) وجرح آخرين في كمين عسكري نصب لهم.
وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن إن 14 شخصاً على الأقل قُتلوا وجرح آخرون عندما أطلق رجال الأمن النار لتفريق متظاهرين في ريف دمشق وحمص. وأوضح عبد الرحمن أن «سبعة أشخاص قتلوا في عربين (ريف دمشق) وشخصاً في المعضمية (ريف دمشق) إضافة إلى متظاهرين في حمص»، مشيراً إلى «إصابة عدد كبير من المتظاهرين بجروح». ونقل مدير المرصد السوري عن «تجمع أحرار دمشق وريفها للتغيير السلمي»، وهو تجمع لناشطين معارضين، أن «هناك إصابات في صفوف المتظاهرين في مدينة دوما (ريف دمشق) بعضها خطرة ناتجة من استخدام الأجهزة الأمنية للقنابل المسمارية». وقالت لجنة التنسيق المحلية إنها حصلت على أسماء سبعة من المتظاهرين الذين قتلوا في ضاحية عربين وآخر في حمص.
وفي السياق، أكد رئيس الرابطة السورية لحقوق الإنسان عبد الكريم ريحاوي أن تظاهرات خرجت في الميدان في العاصمة دمشق تصدى لها رجال الأمن بالقنابل المسيلة للدموع، واعتدوا على المتظاهرين ولاحقوهم إلى داخل الأزقة، وهو ما حصل بحسب ريحاوي في ريف دمشق «حيث خرج الآلاف في حرستا ودوما والكسوة ومضايا والزبداني وسقبا وعربين وداريا، رغم الوجود الأمني». ولفت إلى أن المتظاهرين في القابون وركن الدين لم يتمكنوا من الخروج، نظراً إلى الوجود الأمني الكثيف في المدينتين. وذكر أن أكثر من 12 ألف متظاهر خرجوا في مدينة بنش الواقعة في ريف إدلب، حيث شهدت المنطقة، وتحديداً كفر نبل وتفتناز وسرمين، تظاهرات مماثلة، إضافة إلى تظاهر الآلاف في مدينة درعا (جنوب) والقامشلي (شمال شرق) نصرة لحماه بحسب عبد الرحمن. وقال إن «أكثر من ثلاثين ألف شخص خرجوا للتظاهر في مدينة دير الزور (شرق) المحاصرة رغم الحر الشديد». ووفق عبد الرحمن، امتدت التظاهرات إلى «بستان الحمامي والرمل الجنوبي والصليبة في اللاذقية، والمئات خرجوا من جامع المنصوري في جبلة الساحلية (غرب) هاتفين الله معنا، الله معنا».
وأشار ناشطون إلى خروج تظاهرة من جامع الرفاعي في كفرسوسة، قُمعت مباشرة، واعتُقل بعض المشاركين فيها. حتى إنّ موقع «سيريانيوز» رأى أن وسط دمشق شهد أمس أوسع تظاهرات معارضة تحصل في العاصمة منذ بدء حركة الاحتجاجات؛ إذ «شارك في تشييع الشهيد عامر بزازة، الذي قضى بحوادث إطلاق نار مساء الأربعاء أثناء مشاركته في تظاهرة في الميدان، نحو 2000 شخص عقب صلاة الظهر في جامع الدقاق وسط غياب كامل لقوات الأمن»، وهو ما حصل في كفرسوسة التي «شهدت مراسم تشييع حاشدة للشهيد خالد فاكهاني عقب صلاة الظهر في جامع الرفاعي حيث دفن في مقبرة باب صغير. وأوضحت «سيريانيوز» أنها «المرة الأولى التي تشهد فيها مناطق في وسط دمشق مراسم تشييع تطلق فيها هتافات مناهضة للنظام ويشارك فيها المئات».
أما في حماه، فأجمع شهود وكالات الأنباء على أن الاتصالات لا تزال مقطوعة عن المدينة التي لفت مواطنون إلى أن بعض أحيائها تعرض للقصف أمس، ما منع المصلين من التوجه إلى عدد من مساجدها.
وأبرزت الصحافة السورية الرسمية الصادرة أمس أن «وحدات من الجيش تعمل على إعادة الأمن والاستقرار والحياة الطبيعية إلى حماه بعد أن استباحتها التنظيمات الإرهابية المسلحة»، وسط خشية الأهالي من سقوط أعداد من القتلى أكبر من العدد الذي قُدِّر وهو 135 منذ بدء الحملة العسكرية على المدينة يوم الأحد. وفي السياق، نقلت وكالة «رويترز» عن نشطاء ونازحين من مدينة حماه تأكيدهم «مقتل 300 مدني سوري على الأقل» منذ اقتحام الجيش لها.
أما في دير الزور، فقد كشف بعض الأهالي أن مئات الدبابات وناقلات الجنود المدرعة لا تزال مرابطة خارج المدينة، وخاصة عند تقاطع على طريق سريع يؤدي الى دمشق. وفي السياق، أعلن «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن المدينة «لا تزال تشهد منذ الأربعاء حركة نزوح واسعة النطاق لسكانها، تكثفت يوم الخميس، وذلك خوفاً من هجوم وشيك قد تشنه قوات الجيش «خلال ساعات على المدينة المحاصرة»، لدرجة أنّ «جميع المستشفيات في دير الزور أُغلقت وغادرتها كوادرها الطبية إلا مستشفى وحيداً يرفض أصلاً استقبال المتظاهرين الجرحى». وأضاف المرصد أن من الدلائل على قرب حصول الحملة الأمنية «إخراج المرضى من المستشفيات الحكومية باستثناء ذوي الحالات الحرجة»، و«استقدام صهاريج مياه للمراكز الأمنية» و«تحرك ناقلات جند داخل المناطق الغربية» من المدينة.
من جهتها، ذكرت وكالة «سانا» أن «عنصرين من قوات حفظ النظام استشهدا وأصيب 14 آخرون بجروح في كمين نصبه مسلحون على طريق معرة النعمان وخان شيخون في ريف إدلب». وأشارت الوكالة إلى «جرح عنصرين من قوات حفظ النظام برصاص مسلحين على سطح أحد الأبنية في دوما وخمسة جرحى في عربين، بينهم ثلاثة من عناصر حفظ النظام أصيبوا برصاص مجموعات مسلحة». وتابعت أنّ «مجموعات مسلحة أقامت الحواجز وتقطع الطرق وتفتش المواطنين في دير الزور». وبحسب «سانا»، أطلق مسلحون النار عشوائياً في حي باب السباع واستهدفوا حاجزاً لقوات حفظ النظام في باب دريب.
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)