دمشق | يتردّد اسم وزير الاعلام السوري السابق محمد سلمان لدى الشارع السوري دائماً، لا بصفته مسؤولاً سابقاً فحسب، بل واحد من الشخصيات التي أسست عبر مدة زمنية طويلة قاعدة شعبية لا بأس بها. وعلى الرغم من ابتعاد سلمان عن العمل السياسي المباشر، كان مطلعاً على تفاصيل أزمة بلاده، حتى خرج أخيراً عن صمته ليدعو الرئيس بشار الأسد إلى تولي زمام المبادرة من خلال ترؤس مؤتمر وطني يضع الحلول الناجعة للخروج من الأزمة الراهنة، وذلك خلال مؤتمر صحافي تلى اجتماعاً لـ41 مسؤولاً بعثياً سابقاً أطلقوا «المبادرة الوطنية الديموقراطية» في دمشق أول من أمس. تعيد المبادرة إلى الأذهان كلام أحد المسؤولين القدامى عن تجاهل القيادة السورية لخبرة هؤلاء، وعدم دعوتهم إلى أي لقاء مع الرئيس السوري الذي استقبل شرائح متعددة من الشعب السوري، ما عدا المسؤولين أو الضباط المتقاعدين من الجيش. لكن، مع ذلك، يقول أحد الإعلاميين السوريين في حديثه مع «الأخبار»، إنّ لمبادرة محمد سلمان خصوصية لما يتمتع به من مكانة عند إحدى الطوائف السورية، وخاصة أن سلمان معروف عنه عدم رضاه الكامل عن سياسة الأسد الابن منذ تسلم السلطة. في المقابل، يرجح البعض أن تكون المبادرة بتوجيهات رئاسية في محاولة لعدم توفير أي جهد حتى تتجاوز سوريا أزمتها.
أمّا بالنسبة إلى رموز المعارضة السورية، فقد كان لهم آراء مختلفة في أحاديث مع «الأخبار» حول هذه المبادرة، إذ يقول الكاتب والمعارض منذر خدام لـ«الأخبار»، إن مبادرة سلمان ومجموعته «تندرج ضمن عدد من المبادرات المشابهة، التي أجد فيها محاولة للخروج من الأزمة التي أدخلنا بها النظام السوري، وأنا مع جميع هذه المبادرات ما دام أصحابها يدعون إلى وقف العنف، والتوجه إلى طاولة الحوار مع النظام». ويرى خدّام أن جدوى مبادرة سلمان وزميلاتها يحدّدها «مقدار ما تساهم بسحب قوى الجيش والأجهزة الأمنية من الشارع وإيقاف القتل، والانتقال إلى الخيار السلمي»، مشيراً إلى أن «مَن كان يعتقد أن الوقت لا يزال يسمح بالمزيد من المبادرات والحوارات واللقاءات التشاورية، فهو مخطئ تماماً»، مرجِّحاً أن يكون الأوان قد فات الآن. ويضيف أن «من الصعب إيجاد عقلاء الآن داخل النظام السوري، وإن وجدوا، فعليهم أن يدركوا جميعاً إلى أين يقودون النظام الذي يمثلونه، وأن يتبصروا بمستقبل سوريا وشعبها، وأن يوقفوا حمام الدم الذي سيؤدي بحسب اعتقادي إلى تدخل عسكري خارجي». وعن مشاركة عدد من كوادر حزب البعث في المبادرة التي قدمها سلمان، يلفت خدام إلى أن «عوامل عديدة ساعدت في تحويل حزب البعث العربي الاشتراكي إلى أحد أجهزة النظام السوري بعدما بدأت منذ عام 1970 عملية ممنهجة بهدف قتل الروح الحزبية لدى كوادره». وعن توقعاته حول التطورات السياسية الدولية المتسارعة، مع زيارة وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو لدمشق، يعلق خدام: «قلتُ مراراً إنني لست مع أي تدخل خارجي بالشأن السوري، وربما تقديم النصيحة الآن من بعض الدول الصديقة مفيد للنظام السوري، لكن تركيا وغيرها من الدول لديهم مصالح إقليمية كثيرة في بقاء سوريا سالمة ومستقرة، لأن تركيا استطاعت دخول الوطن العربي عن طريق علاقاتها الجيدة مع سوريا، لكن أخشى أن نخسر صداقتنا مع تركيا، لأن هذه الخسارة سيترتب عليها أمور كثيرة ليست في الحسبان الآن».
أما الكاتب والصحافي المعارض لؤي حسين، فقد وجد في مبادرة سلمان والبعثيين السابقين «حالة من الاعتراض الواضح منهم على الآلية التي تتعامل بها السلطة السورية مع الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة». وعن هذا الموضوع يقول: «على ما يبدو أنه بدأت بعض أوساط حزب البعث تعترض على أداء السلطة، ومجمل ما يجري الآن من ممارسات قمعية دموية لا يمكن أن يتقبله أي مواطن سوري يمتلك الحد الأدنى من الأخلاق والمبادئ الإنسانية». ويتابع أنه بغض النظر عما إذا كان أصحاب هذه المبادرة من البعثيين أو غيرهم، «أرى هذه المبادرة إعلاناً واضحاً لعدم أهلية النظام الحالي لقيادة البلاد». حتى إنّ حسين لم يستبعد «إيجاد كتلة حزبية داخل حزب البعث الحاكم في غضون أيام أو أسابيع، تطلق بياناً أو تعقد مؤتمراً بهدف تبرئة الحزب من مجمل ممارسات النظام»، لافتاً إلى أنه «إن حدث ذلك فعلاً، فسيكون ممكناً قراءته على النحو التالي: قيادات حزبية مقالة من زمن الرئيس الأب، تنتقد القيادات الحزبية الحاكمة في زمن الرئيس الابن». وبالنسبة إلى أفق مبادرة سلمان ورفاقه، علّق حسين بالقول «هذه المرة خرجت المبادرة من مجموعة بعثيين وموالين قدماء، لذلك لها طابع خاص، وأعتقد أنها ستساهم مع مثيلاتها من المبادرات في تأكيد الاعتراض على السلطة السورية، والحلول الأمنية القمعية التي لا تزال حتى هذه اللحظة تتبعها في محاولتها إنهاء الأزمة السورية».