لا تزال الاحتجاجات الإسرائيلية على غلاء المعيشة والمساكن تحتل العناوين الأولى في إعلام الدولة العبرية. يحاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، كعادته، حلّ الأزمات عبر تأليف اللجان. لهذا، لجأ هذه المرة أيضاً إلى تعيين لجنة للتفاوض وإيجاد حلول مع المحتجين برئاسة البروفيسور مانويل تيرخنبيرغ. إلا أنّ جديد الأزمة الحالية، كان وعد نتنياهو بتغيير رؤيته الاقتصادية، في محاولة لإقناع تيرخنبيرغ بقبول رئاسة اللجنة. تيقن نتنياهو إدارة الصراعات الكبرى، وإقناع جمهوره بوجهة نظره، وخصوصاً تلك المتعلقة بالشرق الأوسط، والملف النووي الإيراني، لكنَّ سياسته تبدو أضعف حين تتعلق بالشأن الداخلي. فالتاريخ القصير للرجل في رئاسة الحكومة يشير إلى أنه ألّف في العامين الأخيرين 20 لجنة لمعالجة قضايا مختلفة، بحسب ما كتبه يونتان ليس في صحيفة «هآرتس». وانتهت هذه اللجان إما بحلّ توافقي أو بتأجيل الموضوع إلى حين انحداره من الأولويات الحكومية.ووفقاً لـ«هآرتس»، كان تيرخنبيرغ قد أبلغ نتنياهو بأنه في حال قبوله ترؤس اللجنة، فهذا يعني أنّ على نتنياهو أن يغير جزءاً كبيراً من أيديولوجيته الاقتصادية. وقال مصدر مقرّب من «بيبي» إنّ الأخير توجّه لتيرخنبيرغ قبل أسبوع باقتراحه، إلا أنّ الأخير أبدى تحفظّاته على القبول، خوفاً من عدم وجود احتمالات لحلّ القضية. عندها، قال نتنياهو لتيرخنبيرغ محاولاً إقناعه، إنه «يفهم أنّ عليه تغيير سياسته الاقتصادية»، فردّ عليه تيرخنبيرغ قائلاً: «أنا أتحدث عن تغيير مطلوب في مواقفك الأساسية»، فردَّ نتنياهو بالإيجاب، مشيراً، بحسب مصدر حكومي، إلى أنه «قرأ كتاباً أخيراً عن ثيودور هيرتزل (مؤسس الدولة العبرية)، وعن تمكنه من ملاءمة نفسه لأوضاع متغيرة.
الحديث عن تغيير السياسة الاقتصادية لنتنياهو لا يقتصر فقط على تغيير نهج تفكيره، بل أيضاً على تغيير في الممارسة. فقد اعتاد نتنياهو أن يكون قريباً من متمولين إسرائيليين، وقاد سياسة اقتصادية كانت مريحة لهم بمجملها، وجزء منهم يدعمونه سياسياً وإعلامياً حتى اللحظة، وليس واضحاً ما هي الرؤية التي سيغيّرها في هذه الآونة. يقول الخبير الاقتصادي يوسف زاعيرا لملحق «المشهد الإسرائيلي» الصادر عن «مدرا» عن إمكان استجابة نتنياهو للمحتجين: «بالطبع لا، لن يستجيب. وطاقم الخبراء الذي ألفه هو مناورة إعلامية تدل على أنه لا يزال يحاول بيع الجمهور أوهاماً بأنّ مشاكله مهنية وليست سياسية».
وعلى الرغم من وصول الأزمة إلى ذروتها تقريباً مع خروج أكثر من 300 ألف متظاهر يوم السبت الماضي في تل أبيب وغيرها من المدن، إلا أنَّ هذه الاحتجاجات لم تقف بعد عند الامتحانات السياسية والاقتصادية الصعبة، لكنها ستكون على موعد مع الاختبار عند السؤال عن مصير الخيم المنتشرة في المدن الإسرائيلية، وخصوصاً أنّ مدتها القانونية (لشهر واحد) قد تنتهي قريباً، وليس واضحاً كيف ستتعامل معها شرطة الاحتلال التي تعاطت بـ«رفق» مع الأزمة حتى الآن.
لم تطرق الاحتجاجات بعد الأبواب السياسية، ولم تسأل عن ميزانية الأمن والبناء في المستوطنات. ويحاول المنظمون قدر المستطاع عدم الربط بين احتجاجهم وما يجري في أروقة الحكومة للحفاظ على الإجماع في ما بينهم. لكن وزير الدفاع إيهود باراك أصدر موقفاً لافتاً، رأى فيه أن ما يجري يتعلق بـ«احتجاج اجتماعي هام ومثير للمشاعر، ويُدار بطريقة مسؤولة». وأضاف أنّ «الاحتجاج يشمل مطالب هامة لإغلاق الفجوات»، مشيراً إلى أن الاحتجاج «هو العمود الفقري في المجتمع»، قبل أن يلمح إلى أنه لن يقبل بتقليصات تمسّ وزارة الدفاع، وهي الموازنة الأكبر في الدولة العبرية.