دمشق | تناقلت بعض الأوساط السياسية السورية ما قيل إنه اقتراح تركي قُدّم لدمشق خلال زيارة وزير الخارجية، أحمد داوود أوغلو، ينص على تأليف حكومة جديدة تُمنح بعض حقائبها لشخصيات سورية معارضة. يرى البعض أن هذا الاقتراح منطقي، بعدما أخذت حكومة عادل سفر فرصتها في التعاطي مع الأزمة، لكن النتائج على الأرض تُثبت يوماً بعد يوم عجز الحكومة الجديدة عن التقليل من وطأة هذه الأزمة، بل تتصرف بطريقة اعتباطية، ولا سيما أن بعض الوزراء كان لسلوكهم في الفترة الأخيرة دور في تكريس الأزمة وزيادة حدة التظاهرات. هكذا، يعتقد بعض المراقبين بأن الأداء المتواضع لحكومة سفر يجعل الأرض خصبة أمام القيادة السورية حتى تستجيب للاقتراح الذي قيل إن الأتراك تقدموا به. لكن، هل بإمكان رموز المعارضة السورية، الذين اعتادوا ظلام السجون، أن يقبلوا بمثل هذه المناصب فيما لو صحّت التقارير التي تحدّثت عن وجود هذا الاقتراح؟ يعلّق الكاتب المعارض ميشال كيلو على ذلك خلال حديثه إلى «الأخبار»، فيقول «لا أستغرب طلب وزير الخارجية التركية من الرئيس بشار الأسد، إعادة تأليف حكومة سورية جديدة تضم عدداً من الأسماء المعارضة»، معتبراً أن «من الصعب حقاً في شكل كهذا من العلاقة والمصالح المشتركة بين البلدين الجارين أن نسمي ما تقدم به داوود أوغلو من مقترحات تدخلاً خارجياً في السياسة السورية». لكن كيلو يرى أن هذه المبادرة هي «دليل واضح تماماً على تخوّف الحكومة التركية من انتقال الأزمة إلى داخل أراضيها، ورغبة واضحة من قبلها في إيجاد حل سريع للأزمة في سوريا». أما فيما لو دُعي ليكون أحد الأسماء المشاركة في الحكومة الجديدة المزعومة، فيعلّق كيلو قائلاً «علينا عدم استباق الأحداث وقراءتها بهدوء وتروٍّ. بدايةً، يجب أن أكتشف ما هي الشروط والبيئة والصلاحيات المُتاحة لهذه الحكومة الجديدة، وقراري بالقبول أو الرفض لا يحكمه المزاج الشخصي، إنما المعطيات الجديدة والصلاحيات التي ستُمنح لهذه الحكومة من قبل النظام السوري. هل ستُمنح برامج سياسية جديدة تتيح لها العمل الفعلي والصحيح على الأرض؟ أم ستكون استنساخاً لسابقتها من الحكومات السورية؟».
وعن جدوى هذا المُقترح من عدمه، يستبعد كيلو أن تكون الخطوة، حتى لو حصلت، كافية للخروج من الأزمة «لأن المشكلة الحقيقية هي أن مجمل المقترحات الدولية التي تُقدّم للنظام السوري من جهات مختلفة، لا تزال حتى اللحظة تبحث عن حلول في رأس الهرم، من دون أن تتعرض ولو بالحد الأدنى للقواعد الشعبية وللشارع المنتفض والمتظاهرين والمحتجين».
ويتجلى موقف المُعارض السوري أكثر في قوله «هناك مئات الشهداء وآلاف المعتقلين منذ بداية الأحداث حتى الآن، وكل هذه التضحيات التي قدّمها الشعب السوري لم تبذَل من أجل أن يصبح فلان وزيراً أو أن يتبوأ منصباً حكومياً رفيع المستوى. أنا أرفض رفضاً قاطعاً المشاركة في مثل هذه الحكومة إن لم تتحقق مطالب جميع المتظاهرين السلميّين في الحرية والعدالة الاجتماعية والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين».
ويؤكد الكاتب السوري صحة الأنباء التي ترددت عن طلب بعض المسؤولين الرسميين لقاءه في محاولة للسيطرة على الشارع المنتفض، وإنهاء خروج التظاهرات، قائلاً «هذا ما حدث تماماً، وكانت إجابتي أنه لا يمكن أحداً أن يتحكم بحراك الشارع إلا ممّن يقودون هذه التظاهرات، لكن الممارسات الأمنية المبالغ بحدتها من قبل النظام أفقدته فرصة الحوار مع الشارع المنتفض عندما اعتقل أو قتل الكثير من قيادات الحراك الشعبي». ويتوقع كيلو أن «يقوم النظام السوري، كما عوّدنا، بعملية التفاف سريعة على مبادرة الحكومة المنوَّعة، إن كانت موجودة أصلاً، بحيث سيعلن خلال الأيام القليلة المقبلة موعد استفتاء على تعديل الدستور وموعد انتخاب مجلس الشعب».
غير أن المعارض لؤي حسين لا يتفق مع كيلو، فيقول لـ«الأخبار» إن المبادرة التركية، إن صحّ وجودها، تُعدّ «تدخلاً خارجياً واضحاً في القرار والسيادة السوريين بما أن الأمر بات يتعدى الضغط على السلطة السورية من أجل إيقاف العمليات الأمنية بحق المتظاهرين السلميين، والدعوى إلى إطلاق الحريات والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، والذهاب إلى وضع خريطة طريق للخروج من الأزمة»، لكنه في الوقت نفسه يرى أن النظام السوري لم يترك مساحة كافية للحوار، سواء مع الشارع المنتفض، أو مع السياسة الخارجية المعترضة على ممارساته القمعية، لذلك فإنّ «أداء وممارسات السلطات السورية هما ما دفع بالأتراك وغيرهم إلى التدخل في الشأن السوري، بعدما أثبتت وعلى نحو قاطع عدم أهليتها في إدارة الأزمة الدائرة الآن في البلاد».
أما عن الأسباب الكامنة وراء هذا التعنت الذي يبديه النظام المصر على خياره العسكري في إخماد التظاهرات، فيرى حسين أن ذلك «يعود إلى عدم مقدرة أو رغبة النظام في الاعتراف بالمعارضة كطرف سياسي شريك في البلاد». وعلى الرغم من اعتراضه على قبول المبادرة التركية المزعومة، إلا أنه يعود ليعترف بأنه لا يجد سبيلاً للخروج من الأزمة السورية «إلا بقبول مثل هذه المبادرات».
يبقى الحجم الأكبر من الاستياء من نصيب الكاتب الصحافي المعارض، فايز سارة، الذي يعرب عن اعتقاده بأن الأزمة السورية «أصبح لها بُعد دولي وإقليمي، ما فتح الباب أمام التدخلات السياسية الخارجية وربما أخطر من ذلك»، رغم إصراره على أنه «مثل غيري من السوريين، نرفض رفضاً قاطعاً جميع أشكال التدخل الخارجي».
ويحمّل سارة النظام مسؤولية جميع التدخلات الأجنبية الحاصلة في الشؤون الداخلية لبلاده، مشدداً على ضرورة «إيقاف الحل الأمني في مختلف المحافظات والمدن السورية أولاً، لأن ذلك هو السبب الوحيد والمباشر الذي وجدت به السياسات الخارجية ذريعة مقنعة للتدخل في الشأن السوري، وعلى النظام أن يدرك تماماً أنه يتحمل المسؤولية كاملةً عن ذلك».
وعن إمكان قبول النظام بمبادرة من نوع تأليف حكومة وحدة وطنية، يختصر تعليقه بأنه «يستحيل أن تقبل السلطة السورية بمبادرات كهذه، فالنظام عوّدنا دائماً خلال السنوات الطويلة الماضية على عدم قبول الإملاءات الخارجية، وهذه المبادرة تندرج ضمن هذا السياق».