عين الحلوة | هناك داخل أزقة البؤس والحرمان في مخيم عين الحلوة، لا يكترث السكان كثيراً لزيارة الرئيس محمود عباس، «مش حاتشيل الزير من البير»، يقول رجل ستيني، بعضهم لم يسمع أصلاً بقدوم الرئيس. تتفق أجيال المخيم على أنها «زيارة لن تغير من مأساة أبناء المخيمات والواقع الفلسطيني المأزوم». وترى منى الحسن، ناشطة شبابية فلسطينية، أنّ «مقاربة أزماتنا المعيشية والاجتماعية والوطنية، ومعاملة الفلسطينيين في لبنان كبشر، تحتاج إلى قرارات جدية ومئة زيارة وزيارة». ويقارن الفلسطيني محمود عويدات المنتسب إلى حزب لبناني، بين اهتمام الختيار (ابو عمار) بمخيم عين الحلوة ومخيمات الشتات وغياب هذا الهم عن خلفه «أبو مازن»، قائلاً: «إنها قضية اللاجئين التي حافظ عليها أبو عمار ثابتةً وطنية، بينما حق العودة عند أبو مازن قابل للتنازل». إلى همهم المعيشي أضاف فلسطينيو عين الحلوة هماً أمنياً، فلو التقى أبو يوسف حماده أبا مازن فلن يتوانى عن مطالبته بإيقاف صراع أبوات المخيم على تقاسم النفوذ والسلطة و«سأقول له يا حبيبي يا خيي أبو مازن الله يطوّل بعمرك، مش منيحا للفلسطينيي إنو كل شوية بيشتبكوا بالمخيم وبتموت الناس، حل هذه القضية، اللي فينا من قهر وجوع بيكفينا». ويرفع ناشطون مذكرة إلى الرئيس تطالبه بـ«الضغط على الدولة اللبنانية لرفع القهر والظلم عن اللاجئين، وعدم ممارسة العنصرية حيالهم، ومش كل شي بيلصقوا بعين الحلوة، بدنا نعيش بكرامة ونأكل لقمة شريفة». صرخة أبناء المخيم وهمومهم «بتخلي الصايم يفطر»، على حد قول الحاج محمود قدورة الذي يضيف: «كلهم يتآمرون علينا، الدولة اللبنانية رح تمنع الهوا عنا، بدنا نتنفس، الدولة بتعاملنا مش كبني آدمين». لو سمح له بلقاء «السيد الرئيس» ماذا سيقول له؟ «سأقبّله، وأقول له مش عم تعرف تشتغل، ليش متخلي عن اللاجئين، أنا بدي أموت بعكرمة (بلدة فلسطينية) وعيش باقي عمري هناك مش من حقك تمنعني وتشطب حق العودة، وبعدين انت مسؤول علينا كلاجئين تفضل تحمل مسؤولياتك». لم تعجب أم سامر حبات البندورة التي كانت تبتاعها من سوق الخضر لإعداد «فتوش رمضان». وعلى الرغم من ذلك تتوجه إلى عباس بالقول «عايشين من قلة الموت،، وضع المخيمات مأساوي، فيقوا علينا، مش عم ناكل، والطبابة غير موجودة، وبدنا نعلم ولادنا، وبدنا توقفوا الطخطخة (اطلاق النار) داخل المخيم». «سجلوا كلامي على لوح الثلج وليس على آلة التسجيل»، قالتها امرأة اخرى مردفة «أبو مازن ما بيطلّع فينا وناسي إنو في عندو شعب لاجئ بلبنان، يتفضل يجي يشرفنا بزيارة للمخيم ويفطر معنا، وقول الحقيقة ما بيعجبو للسيد أبو مازن». ويرحّب عنصر في الكفاح المسلح بلغ من الكبر عتياً بلقاء يجمعه مع أبو مازن لعرض الهموم «وتطورات القضية»، مفترضاً أن اللقاء سيبدأ «بتوجيه تحية عسكرية ثورية»، وسأقول «سيدي الرئيس أهلاً وسهلاً بك صمام أمان لثورتنا، نحن أبناء الثورة، بدنا رواتبنا، شهر نقبض واشهر لا نقبض، أفرجوا عن رواتبنا. المسؤولون الفلسطينيون في لبنان معظمهم بضاعة فاسدة، بدنا نغيّرهم».
مأساة كبرى يعيشها أبناء المخيمات في لبنان، صوتهم لن يسمعه الرئيس مباشرة، مأساة انسانية ومعيشية تتفاقم يوماً بعد يوم، وزيارة أبي مازن إلى لبنان كما يراها لاجئون «لن تقدم ولن تؤخر».



أبو عمار الحاضر

يختصر مخيم عين الحلوة بوصفه عاصمة الشتات الفلسطيني، مأساة الشعب الفلسطيني ومعاناته في لبنان. في المخيم صور متوهجة للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات تقابلها صور باهتة لخلفه أبي مازن. الأمر دفع بجماعة منظمة التحرير إلى تحديث صور أبي مازن لتبدو أكثر إشراقاً ورونقاً، لكن ذلك لم يغير من واقع فلسطيني يرى «ابا مازن» رجلاً ضعيفاً أمعنت تنازلاته وفقاً لفلسطينيين في عين الحلوة في بهتان دوره ودور حركة فتح والمنظمة على حد سواء. ورغم الموت، يبقى أبو عمار الحاضر الاقوى في عين الحلوة.